تقديم أو تأخير إعلان الولايات المتحدة عن " صفقة القرن " لا يشكل فرقاً فحتى لو أنها لم تنشر تفاصيلها، والتي بدأ بعض الصحف يكشف عنها، فإن النتيجة واحدة. 


بعد أن أقصت الولايات المتحدة ملف القدس وملف اللاجئين، وأيضاً ملف الاستيطان من حسابات الصفقة، لم يبق للفلسطينيين شيء يفاوضون عليه. 


والمسألة لا تتوقف فقط عندما تصادره من حقوق الولايات المتحدة، بل إن الملف الأمني، يشكل وحده قضية خطيرة، لا يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا بها، ولا نعتقد أن ثمة من يفكر بالقبول والتعاطي مع الأفكار أو دعنا نقل بالأصح المخططات الأميركية الإسرائيلية تحت عنوان إنقاذ ما يمكن إنقاذه.


لا شيء بقي حتى يمكن إنقاذه من الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهم إن استجابوا لمثل هذا المنطق فإنهم سيكونون شركاء في قصف والإطاحة بالقانون الدولي، فضلاً عن أن ما يمكن الحصول عليه لا يمكن أن يبرر شعار إنقاذ ما يمكن إنقاذه.


التحالف الأميركي الإسرائيلي لا يزال يخلق الوقائع على الأرض، ويفرضها على الفلسطينيين، الذين لم يعودوا قادرين على اشتقاق خيارات مواجهة، لا تستفيد منها إسرائيل في نهاية الأمر. 


هذا لا يعني أبداً أن الحراك الفلسطيني الشعبي السلمي، لا يحقق للفلسطينيين إنجازات لكن نتائجها وتأثيراتها تحتاج إلى وقت، وتسير على نحو متدرّج، يخدم مستقبل الفلسطينيين على المدى البعيد.


لا يتوقف الفلسطينيون عن إبداع الوسائل للتعبير عن تمسكهم بحقوقهم واستعدادهم للتضحية من أجلها، من خلال تعظيم الاشتباك بالوسائل التي تحرج إسرائيل، وتكبل سياستها، وتظهر مدى وحشيتها وعدوانيتها ولكن مرة أخرى تصطدم هذه المقاومة بواقع حال الفلسطينيين.


غزة ، تفاجئ الجميع؛ الصديق قبل العدو، وتخرج إلى الوجهة الصحيحة التي تتفق مع اعتبار الاحتلال هو التناقض الرئيس، وتقدم نماذج من الإبداع الذي يرهق ويقلق إسرائيل ولكن النتيجة تفرض خيارات معقدة وصعبة، وقد لا تخدم البرنامج الوطني الفلسطيني.


تستثمر إسرائيل الأزمة الإنسانية المتفاقمة الناجمة عن حصارها المشدد على قطاع غزة، تلك الأزمة التي تتعمق آثارها بسبب الإجراءات التي فرضتها السلطة على القطاع على خلفية الضغط من أجل تحقيق المصالحة.


الوجهة الأساسية للمخطط الإسرائيلي كانت قبل ذلك تسعى إلى فصل القطاع، وإلقاء تبعاته على مصر، لكن إدراك الفلسطينيين لذلك فرض تعديلاً مؤقتاً، بحيث أصبحت إسرائيل تسعى إلى تجنب أن يقع الانفجار نحو الشمال والشرق من قطاع غزة، وتحت عنوان الأزمة الإنسانية، باتت تعمل على حصد ثمن سياسي أقل من انفصال بين القطاع والضفة، وأقل من استرجاع الوحدة بين ضفتي "الوطن الفلسطيني".


ما لم تحققه إسرائيل إثر حرب 2014، تريد أن تحققه بعد الحرب الشعبية السلمية التي يخوضها الفلسطينيون في غزة على الحدود منذ الثلاثين من آذار يوم الأرض .


دائماً كانت حركة حماس تبدي استعدادها لهدنة طويلة مع الاحتلال رغم التصريحات التي تنفي ذلك، وهو أمر كان يمكن أن يحصل بعد حرب 2014 ولكنه لم يحصل، أما الآن فقد توفرت الظروف لذلك.


إسرائيل أسقطت اشتراطاتها التقليدية على حركة حماس مقابل الهدنة الطويلة، بحيث بات أمر التوصل إليها أكثر سهولة على الحركة التي ستخرج بخطاب يقول إنها فرضت على الاحتلال رفع الحصار عن القطاع دون أن تعترف بإسرائيل ودون أن تسلم سلاحها لأحد. 


جريدة "الحياة" اللندنية نشرت في عددها ليوم أمس الأحد، معلومات تفيد بوجود وساطات عربية ودولية مهمة وتحت بصر وسمع الولايات المتحدة لإبرام صفقة بين حماس وإسرائيل.
ينضبط الحراك الشعبي على الحدود الشرقية للقطاع، وينضبط نسبياً الجيش الإسرائيلي في استخدام القوة المفرطة، بحيث بات عدد الشهداء والجرحى أقل بكثير من الأيام السابقة، وبعد لقاء السيد إسماعيل هنية بالمخابرات المصرية في الثالث عشر من هذا الشهر.


وفيما لا تزال الوساطات فاعلة دون توقف، فإن كل طرف يوظف ما لديه في الضغط على الطرف الآخر. إسرائيل تعود بين الفينة والأخرى لقصف مواقع للمقاومة، وتواصل إطلاق التهديدات، بينما حركة حماس تحافظ على مواصلة الحراك الشعبي السلمي على الحدود، وتمسك بورقة الأسرى الإسرائيليين، التي يشكل موضوعها، أحد مفاصل الصفقة المرتقبة.
مصر من جانبها فتحت معبر رفح قبل نحو أسبوع من بداية رمضان وخلاله مع تكهنات بأن المعبر قد يشهد انفراجات لم يعهدها من قبل.


في الواقع فإن ثمة رسالة لا بد أن تدركها القيادة الفلسطينية الرسمية وهي أن سكان قطاع الذين يكتوون بنيران وأوجاع الأزمة الإنسانية التي يعانون منها، قد خضعوا لعملية كي وعي، بحيث أنهم في الأغلب سيرحبون بأي انفراجات أو حلول لأزماتهم.


لسان حال الناس في قطاع غزة يقول، إنه طالما أن المصالحة معطلة والسلطة لا تقوم بواجباتها تجاه قطاع غزة، فإن من حقهم أن يعيشوا حياة أفضل، ولكنهم مستعدون لبذل المزيد من التضحيات حين يعود الكل الوطني إلى رشده، ويتم تغليب الوطني على الإنساني والاجتماعي. 


ثمة خطأ كبير في هذه المسألة، لكن القيادات السياسية هي المسؤولة تماماً عن هذا الوضع الذي آل إليه حال الفلسطينيين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد