في العقدين الأخيرين كان واضحاً انحراف المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والعنصرية، بحيث يمكن القول اليوم إن الأحزاب الكبيرة في إسرائيل هي في أقصى اليمين.

مشكلة اليمين الإسرائيلي تكمن في نظرته إلى الفلسطينيين على أنهم أقلية ليس لها أي حقوق فيما تطلق عليه «أرض إسرائيل»، وبالتالي لا بد من تهجيرها.


الانحراف العنصري في إسرائيل لم يقتصر على الأحزاب السياسية، فقد امتد أيضاً إلى الثقافة الإسرائيلية ما أدى إلى خلق جيل جديد لا يعترف بالآخر بشكل مطلق، ولا ضير عنده في أن يقتل ويهجر الفلسطينيين لأنه ليس لهم مكان في هذه الأرض.


عقب احتلال إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 1967، ظل العمل بالقوانين الأردنية سارياً في الضفة الغربية، فيما ظل القانون المصري سارياً في قطاع غزة.. وبدأت بعد ذلك ظاهرة الأوامر العسكرية الإسرائيلية، التي تعلو على القوانين السارية، تتزايد حتى وصل عددها إلى المئات.


غطت الأوامر العسكرية الإسرائيلية مختلف مجالات حياة الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال بدءاً بملكية الأراضي وخاصة أراضي الدولة وليس انتهاء بتسجيل الأراضي، وصولاً إلى أملاك الغائبين، ثم التدخل في عمليات البناء وحصر التراخيص في «بقع» صغيرة ومضغوطة داخل التجمعات الفلسطينية في القرى وحتى المدن مع إبقاء المخططات الهيكلية لهذه التجمعات دون أي تعديل أو توسع حقيقي، ودون الالتزام بمصالح المواطنين واحتياجاتهم إلى البنى التحتية سواء على الصعد الصحية أو الثقافية أو التعليمية أو الاقتصادية... .


على الرغم مما سبق فإن بعض الفلسطينيين والحقوقيين في إسرائيل وخاصة من اليسار الإسرائيلي أو ما كان يطلق عليه في حينه «اليسار المتطرف»، وجد قناة أخرى للحد من أضرار الأوامر العسكرية أو على الأقل تعطيلها لفترة محدودة، وتمثلت هذه القناة بالمحاكم الإسرائيلية المختصة وعلى رأسها المحكمة العليا الإسرائيلية.


وسنقصر الحديث هنا عن «العليا الإسرائيلية»، فقد لوحظ أن هذه المحكمة خلال السبعينيات والثمانينيات غطت كثيراً على ممارسات الحكم العسكري العدوانية ولكنها في الوقت نفسه كانت تعمل على تهذيب الأوامر العسكرية وتلطيفها ومنها قرارات إزالة بؤر استيطانية أو منع البناء على أراض فلسطينية خاصة. في الوقت الذي أكدت فيه حق إسرائيل في الاستيطان دون قيد أو شرط! وفي الوقت نفسه حجمت العمل الفلسطيني السياسي والثقافي بل أكثر من ذلك.


قضاة العليا الإسرائيلية كان اختيارهم يتم ضمن ضوابط بعيداً عن تأثير القيادة السياسية. ولكن الذي حصل خلال العقد الأخير عكس ذلك، فمع ازدياد ظاهرة التطرف نحو اليمين والعنصرية الإسرائيلية أصبحت قرارات المحاكم العليا الإسرائيلية في الشأن الفلسطيني لا تقل خطورة عن ممارسات دولة الاحتلال، خاصة بعد تعيين مجموعة من القضاة من المستوطنين أو من المؤيدين للاستيطان والذين لايعترفون حتى بحقوق الشعب الفلسطيني، ويسايرون التطرف والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي.


قبل سنة كان هناك جدل في إسرائيل حول تعيين القضاة الجدد في المحكمة العليا الإسرائيلية. ولكن الذي فاز في النهاية هم من أنصار المستوطنين والأحزاب اليمينية والدينية الصهيونية الإسرائيلية. 


القضاء الإسرائيلي ممثلاً بـ»العليا الإسرائيلية» كان يحاول وقف بعض التشريعات العنصرية أو التخفيف منها، لكنه اليوم بات شريكاً في سن هذه التشريعات، وفي هذا السياق لا بد من التطرق إلى قرارين خطيرين وعنصريين جداً اتخذتهما المحكمة العليا الإسرائيلية خلال اليومين الأخيرين.


القرار الأول الذي صدر أول من أمس أقر تدمير التجمع البدوي في الخان الأحمر وتهجير العائلات البدوية منه، ما يمثل بادرة إلى التهجير الجماعي والقسري المخالف للقوانين الدولية. وبذلك أعطت المحكمة العليا الضوء الأخضر لسلطات الاحتلال لتدمير هذا التجمع وتشريد سكانه. وربما هذا هي المرة الأولى التي تسن فيها قرارات بطرد وترحيل جماعي وقسري للفلسطينيين من المناطق المحتلة في العام 1967.


أما القرار الثاني الذي جاء أيضاً متزامناً مع القرار الأول فهو السماح لقوات الاحتلال باستخدام «القوة المفرطة» ما يعني قتل المتظاهرين السلميين على حدود قطاع غزة.
برر قضاة «العليا الإسرائيلية» هذا التوجه باعتبار أن المتظاهرين غير سلميين؟! وهم تابعون لسلطة حماس ؟! إذاً محكمة عليا وقضاة يحثون على التهجير وانتزاع الأرض وهدم البيوت وقتل الشبان ليسوا قضاة وإنما يد طولى للاحتلال وتكريس سياسة الأمر الواقع التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية في ظل تشجيع أميركي غير مسبوق وصمت عربي لا يطاق، تحت ذريعة مصالح الأنظمة.


السؤال اليوم: هل ما زال التوجه إلى القضاء الإسرائيلي بما فيه المحكمة العليا أمراً يراهن عليه؟ أم أنه لا بد من إعادة النظر بشكل كامل، ومحاولة إيجاد وسائل أخرى للحفاظ على حقوق الفلسطينيين.


هذا بحاجة إلى لقاءات وندوات للحقوقيين الفلسطينيين وخاصة في الجامعات أو الباحثين في هذا المجال من أجل صياغة رد قانوني على التطرف في القضاء الإسرائيلي بعدما كان يتوقع البعض أن هناك بصيص رؤية إنسانية في جزء من هذا القضاء.


abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد