المقاطعة تنتقل إلى المشفى الاستشاري وأبو مازن يقرر خليفته من خلال المركزي من بين أربعة مرشحين من مركزية فتح
استبدال شاشة التلفزيون الموجودة في غرفته بشاشة أكبر حجما، كانت خطوة لجأ إليها الأطباء لتوفير أجواء تخفف عن الرئيس محمود عباس تبرمه من العزلة الضرورية المطلوبة لعلاجه من التهابات حادة في الجهة اليمنى من الرئة، كان قد أصيب بها بعد ثلاثة أيام فقط من إدخاله المستشفى لإجراء عملية في الأذن الوسطى، فور عودته من جولة سياسية استمرت ستة أيام، تنقل خلالها بين أربع قارات.
وهي عزلة لم تمنع الرئيس المتعب والمثقل بالهموم من متابعة معظم ما يتعلق بعمله، الأمر الذي دفع بمستشاريه إلى الانتقال من مقر المقاطعة إلى أروقة المستشفى الاستشاري في رام الله ، الذي أصر الرئيس على افتتاحه بنفسه قبل ثلاثة أعوام دون أن يدري أنه سيكون أحد نزلائه.. ولم يمنعه ذلك العمل من متابعة برامج تلفزيونية من حين لآخر لا علاقة لها بالسياسة وضغوطها.
إلا ان الإشاعات التي صاحبت دخول الرئيس عباس المستشفى أصابت الفلسطينيين بحالة من الهلع بعد إشاعات أطلقها خصومه تتعلق بحياته، ولم تتبدد إلا بعد لجوء التلفزيون الرسمي إلى بث بعض الصور للرئيس من داخل المستشفى، ظهر خلالها بصحبة نجليه يسيران في أروقة المستشفى بمرافقة الأطباء.
دخول الرئيس البالغ من العمر83 عاما المستشفى ثلاث مرات خلال أقل من أسبوعين فتح الباب واسعا أمام تساؤلات تتعلق بمصير النظام السياسي الفلسطيني في حال تدخل القدر، وذلك بعد أن ظل مواربا خلال السنوات الخمس المنصرمة، بفعل ما أظهره الرئيس من قدرة يحسد عليها في الحركة والسفر والخطابات المطولة أمام حشود القيادات في المؤتمر السابع لحركة فتح، والدورة الـ 23 للمجلس الوطني الفلسطيني.
هذا النشاط لم يفارق (أبو مازن) خلال وجوده في المشفى واستجاب جسده للعلاج بسرعة وبدأ بالاستعداد لحسم قضية خلافته من خلال تحديد موعد لانعقاد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وذلك فور انتهاء إجازة عيد الفطر بعد أن تم تكليف الأخير من قبل المجلس الوطني الفلسطيني في ختام دورته الـ23 الصلاحيات الكاملة التي يتمتع بها المجلس الوطني.
تكهنات كثيرة تم إطلاقها عبر وسائل الإعلام من قبل مراقبين وطامحين للرئاسة تتعلق بما يمكن أن يخرج به اجتماع المجلس المركزي، وتتراوح تلك التكهنات ما بين عزم المجلس المركزي حل المجلس التشريعي بصفته صاحب الولاية على السلطة الفلسطينية، وتنتهي بعزم الرئيس عباس الطلب من المجلس المركزي انتخاب خليفة له يتمتع بصفة نائب الرئيس، أو توزيع صلاحياته على قيادة جماعية عبر انتخاب مباشر من المجلس المركزي بصفته السلطة التشريعية لمنظمة التحرير.
وحده الرئيس عباس وهو آخر الآباء في نظام سياسي أبوي بامتياز من سيحدد خليفته ومن يستطيع منحه القوة اللازمة لنجاحه من بين عدد من المتنافسين جميعهم أعضاء في اللجنة المركزية لحركة فتح كبرى فصائل منظمة التحرير.
جبريل الرجوب أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح خرج عبر التلفزيون الرسمي ليؤكد أن الرئيس بخير واجتاز مرحلة الخطر، وأن وجوده ضرورة قصوى «ليس على صعيد استقرار ووحدة النضال والنظام السياسي الفلسطيني فقط، بل وعلى الاستقرار الإقليمي والدولي، وأنه آخر الآباء في النظام السياسي الفلسطيني».
تلك الحقيقة التي ذكرها الرجوب عدة مرات وفي أكثر من مقابلة صحافية حاول الرئيس أبو مازن معالجتها بعد نجاحه في عقد المؤتمر السابع لحركة فتح نهاية عام 2016 من خلال حسم قضية خلافته كرئيس لحركة فتح عبر استحداث منصب نائب لرئيس الحركة ولأول مرة في تاريخ الثورة الفلسطينية، وذلك عندما أمر أعضاء اللجنة المركزية التي تم انتخابها بعد المؤتمر السابع للحركة بالتوافق فيما بينهم على هوية نائبه على مستوى الحركة، وهو ما حدث بعد نقاشات ومداولات لم تكن سهلة، وانتهت بالتصويت داخل اللجنة المركزية لصالح مفوض التعبئة والتنظيم، محمود العالول ، فيما فاز الرجوب بمنصب أمين السر، وكان ذلك خطوة مهمة في اتجاه استقرار «فتح» كمدخل رئيس لاستقرار النظام السياسي .
الرجوب والعالول قياديان يتم تداول اسميهما مع أربعة آخرين في سباق الخلافة، وهم: صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، و ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة، وناصر القدوة ابن شقيقة الزعيم الراحل ياسر عرفات، والخبير الاقتصادي محمد أشتية. فيما خرج من السباق مروان البرغوثي لوجوده في السجون الإسرائيلية، ورئيس الوزراء رامي الحمد لله لافتقاره للقاعدة التنظيمية داخل حركة فتح، و محمد دحلان بعد أن أخرج من المركزية.
وعن هذا السباق يقول الخبير في الشأن الفتحاوي فضل عاشور لـ« القدس العربي»: «إن عوامل تاريخية ومؤسساتية وخارجية تلعب دورا مهما في تحديد هوية الخليفة المرتقب للرئيس الفلسطيني»، مشيرا إلى أن المعضلة تكمن في العامل التاريخي الذي يتجسد في صعوبة انتقال رأس القيادة من الجيل المؤسس الذي له هالة ورهبة عاطفية إلى جيل قادة عاديين لن يتمتعوا بتلك الصفة، وهم برأي عاشور «مجرد قادة عاديين بلا هيبة عاطفية وكاريزماتية ضرورية لشعب يمر في مرحلة تحرر وطني عاش ويعيش بنظام أبوي».
والدكتورعاشور خبير في علم النفس، وهو من قطاع غزة ، ويرى أن اتساع رقعة التدخلات الخارجية ومنها إسرائيل واحد من العوامل المشاركة في هذه التدخلات في ظل سعي إقليمي لفرض قيادة تشارك في عملية سياسية متوافقة مع مشروع ترامب الإسرائيلي.
أما العامل الثالث كما يقول عاشور فهو يتجسد في التحدي المؤسساتي، حيث أن عملية اختيار الرئيس كانت تتم سابقا بدون أي تحد من خارج المؤسسة الوطنية التاريخية ( فتح ومنظمة التحرير) أما التحدي الآن فسيكون من جماعة مستجدة تأتي من خارج مؤسسة منظمة التحرير الفلسطينية ( حماس ) وعبر المجلس التشريعي الفلسطيني والذي تترأسه «حماس» من خلال الدكتور عزيز دويك وتتمتع بأغلبية برلمانية فيه، مشيرا إلى أن «انقلاب حركة حماس على القانون والنظام السياسي برمته منتصف عام 2007 يفقدها أية حقوق ككتلة سياسية وبرلمانية وإن نص عليها القانون الأساسي للسلطة».
وهو ما يتوقعه دكتور العلوم السياسية إبراهيم أبراش مشيرا إلى أن باستطاعة المجلس المركزي حل المجلس التشريعي بصفته صاحب الولاية على كل مكونات السلطة الفلسطينية، وقد يقوم بطلب من الرئيس عباس بالتصويت على نائب للرئيس».
وأكد لـ «القدس العربي» ان «المخرج الأمثل من المأزق الفلسطيني الحالي يبدأ بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وان نجاح التجربة اللبنانية والتونسية وغيرهما يجب أن يشكل دافعا لكل الأطراف، وهو ما قد يتم بتدخل عربي ومصري على وجه التحديد».
ويؤكد معظم المحللين والمراقبين السياسيين ومنهم عاشور، أن الرئيس عباس هو وحده القادر على حسم الموقف لأنه الوحيد الذي يملك القوة والهيبة التاريخية المطلوبة لحسمها. مشيرا إلى أن غياب الحسم قد يسير بالفلسطينيين إلى فوضى خطيرة في مرحلة حرجة، وقد تؤدي لتفكك المنجز الأهم للوطنية الفلسطينية في النصف القرن الأخير والمتمثل في نشوء قيادة وطنية لها شرعية معترف بها ومقبولة من النظام الدولي وتعمل من داخله .
وعن مجمل هذا السباق قال مستشار الرئيس الفلسطيني محمود الهباش لـ «القدس العربي»: قيادة الشعب الفلسطيني في سياق مرحلة ما بين الثورة الكاملة والدولة الكاملة، وهي مسألة في غاية التعقيد بسبب أن كلا من هذين الاعتبارين يفرض نفسه بشكل أو بآخر على خيارات اختيار وسياسة هذه القيادة».
وأشار إلى أن الرئيس أبو مازن «كان الوصفة المناسبة وربما الوحيدة لكي يقود منظمة التحرير والسلطة والدولة التي لا تزال حالة افتراضية غير مكتملة، وذلك لأنه من جذور الثورة وأعمدتها ومن مهندسي بدايات الانتقال التدريجي الذي لم يكتمل بعد نحو السلطة والدولة».
وعن إمكانية توزيع صلاحيات الرئيس الفلسطيني على أكثر من قيادي في حركة فتح قال الهباش: «ما يتولاه الرئيس أبو مازن من مسؤوليات يجمع بينها بقدرة متميزة وما يتمتع به من مقومات شخصية، لا يمكن لأحد غيره أن ينجح في الجمع بين كل المواقع التي كان يتولاها الرئيس».
وعلمت «القدس العربي» من مصدر مطلع ان حكومة فلسطينية جديدة سيتم التصويت عليها من قبل المجلس المركزي الفلسطيني، ستخضع لرقابة الأخير ومساءلته.