وأخيراً، ها هو الشعب العراقي بمكوناته المختلفة ينتصر بوطنيته وينحاز لها على حساب العناوين الأخرى، ويضع المدماك الواقعي والحقيقي على طريق استعادة عافيته عبر انتخابات مجلس النواب يوم 12 أيار، أول انتخابات بعد هزيمة داعش، وثاني انتخابات بعد هزيمة الاحتلال الأميركي سنة 2011 .


أول مظاهر الوطنية العراقية فوز قائمة “سائرون” التي يقودها مقتدى الصدر الذي سبق وأن قاتل الأميركيين عند احتلالهم للعراق وأخرجهم بالتعاون والنضال المشترك مع باقي المكونات العراقية : مهزومين، وانتصر على الإيرانيين عند رفضه أن يكون إمعة وأداة تنفيذية لبرامجهم التوسعية على حساب الشعب العراقي ومصالحه وأمنه وقومياته العربية والكردية وغيرهما، ولذلك كافأه أغلبية العراقيين وحصل على موقع القائمة الأولى بخمسة وخمسين مقعداً، وحصلت قائمة تحالف الحشد الشعبي بزعامة هادي العامري على 48 مقعداً، وائتلاف النصر بزعامة حيدر العبادي على 47 مقعداً، ودولة القانون بزعامة نوري المالكي على 26 مقعداً، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البرزاني على 25 مقعداً، والوطنية بزعامة إياد علاوي على 21 مقعداً، والحكمة بزعامة عمار الحكيم على 19 مقعداً، وحزب جلال الطالباني - الاتحاد الوطني الكردستاني على 18 مقعداً، وتحالف القرار العراقي بزعامة أسامة النجيفي على 11 مقعداً من أصل عدد أعضاء مجلس النواب 392 مقعداً، الذي يُعتبر أعلى سلطة في الدولة وتتمثل فيه كافة المكونات العراقية، ولدوره الدستوري في انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وفريقه اعتماداً على تحالف الأغلبية العددية في البرلمان.


والظاهرة الثانية التي سجلها مقتدى الصدر تحالفه مع الشيوعيين، وشكلوا قائمتهم المشتركة كدلالة رمزية ليس فقط على الحس الوطني والخيار الاستقلالي، بل إرساء قيم ومفاهيم التعددية السياسية الفكرية بما يتعارض مع سلوك أحزاب التيار السياسي الإسلامي بكل تنويعاته من الإخوان المسلمين إلى أحزاب ولاية الفقيه، وداعش والقاعدة، الذين لا يقبلون الآخر بصرف النظر عن هويته الفكرية والعقائدية والقومية والمذهبية، وهذا التوجه لدى مقتدى الصدر تعبير عن فهمه للضرورات العراقية وتوجهاتها الكامنة في رفض الأحادية والتسلط والتفرد، وقراءة منه لهزائم أحزاب التيار الإسلامي، وفشل تنظيماتهم ليس فقط داعش والقاعدة في سوريا والعراق، بل وتراجع الإخوان المسلمين ومراجعاتها الفكرية والسياسية في تونس والمغرب والأردن وطالت حركة حماس في فلسطين.


أما الظاهرة الثالثة والأهم فهي عدم قدرة أي قائمة في الفوز بالأغلبية البرلمانية التي تسمح لها بتشكيل الحكومة منفردة أو بفرض سياساتها على باقي المكونات العراقية، فالنتائج ستفرض تقاطع القوائم والبحث عن الشراكة الضرورية في اختيار رئيس الوزراء المقبل ونيل ثقة البرلمان، إضافة إلى الشراكة السياسية في التعامل مع العناوين الثلاثة: العالم العربي، والإقليمي تركيا وإيران، والدولي.


نتائج انتخابات البرلمان العراقي مهما بدت سلبية والاحجام الشعبي عن التصويت وتدني مستوى المشاركة، ولكنها قدمت خطوة إضافية لحركة التحرر العربية في الاعتماد على صناديق الاقتراع في اختيار السلطة وتداولها، وهو ما نتطلع إليه في عالمنا العربي وما سبق وأن افتقدناه، وهي أحد عناوين سبب هزيمة العرب المتكررة أمام العدو القومي المتفوق: المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي.


h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد