رمضان مساحة عجيبة من الزمن، تقلب حياة الانسان وتغيرها، وهو مدرسة تربوية رفيعة الطراز للتدريب على الصبر والجلد والتعفف والإيثار وهو شهر يحمل رسائل ومضامين ذات صلة بحقوق الانسان ومفرداتها.

فالصيام يعلم اتباعه احترام نصوص وقواعد القانون الآمرة التي تحدد مواعيد التزام المواطنين من اتباع الشريعة الاسلامية السمحاء ببدء الصيام والافطار "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" وفي الحديث الشريف الذي ربط الصوم والتحلل منه برؤية الهلال " صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته ". وكذلك مبادئ حقوق الانسان جاءت القواعد القانونية لتنظمها وتحميها ولتؤكد على ان جميع الناس سواء امام الحقوق والواجبات، وان الاحتكام الى نصوص القانون يحمي المجتمع من شرور التمييز والاستبداد، ويحدد مرجعيات المساءلة.

ويرتبط شهر رمضان بزيادة معدلات التمتع بالحق في مستوى معيشي لائق، حيث ان الصوم مرتبط بالتفكير بالمواطنين الاخرين من الفقراء والمعسرين وممن لا يجدون عملاً او دخلاً يصون كرامتهم التي اشار اليها القران الكريم " ولقد كرمنا بني ادم " وتضمنه الاعلان العالمي لحقوق الانسان " يولد جميع الناس متساوين في الكرامة والحقوق.." وذلك من خلال منحهم الطعام والشراب ليس من باب الصدقة والتفضل، بل بصفته حق لهم " والذين في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم". ويتجسد السلوك الذي يمكن المواطنين من التمتع بمستوى معيشي لائق في رمضان ، ما ورد في الاثر ان النبي كان أجود ما يكون في رمضان، بل هو كالريح المرسلة في الانفاق على الاخرين.

ورمضان فرصة خصبة لإعمال الحق في المشاركة، فهذه العبادة العجيبة تشيع روح الاحساس الجمعي بين الناس الذين يوحدهم الصوم، ومثالها الحرص على المشاركة في الصلوات الجمعية وخصوصاً طوال ليالي رمضان، وما تشهده من مشاركة يشجعها المجتمع للنساء والاطفال دون تمييز. ان رمضان هو ممارسة جماعية للحق في العبادة التي كفلتها مواثيق حقوق الانسان وخصوصا ما تضمنه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية : " لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد و إقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة".

ورمضان فرصة مثيرة للتمتع بالحق في الصحة بصفتها احد اهم حقوق الإنسان سواء على المستوى البدني او النفسي او العقلي، حيث يسهم الصوم في " فلتره" جسد الإنسان من سموم الاطعمة التي تراكمت خلال احد عشر شهرا، ويحرر الروح والنفس من اغلال الاستجابة المفرطة للميول والغرائز، فتصفو الروح وتنحو للتأمل والخشوع والرضا وهو ما ينعكس ايجاباً على الصحة التي ينشد الإنسان اطول وقت لتوفرها والتمتع بها، ورمضان يشكل رافعةً لهذا الهدف، ورافداً خصباً له.

ورمضان عبادة علنية وسرية في آن، فالجميع تظهر عليهم أمارات الصوم في رمضان، ولكن لا احد يتيقن من صوم أحد الا الشخص نفسه وربه، فهي علاقة سرية خاصة مع الله " إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" وهذا الامر يسمى في حقوق الإنسان "آلية الرقابة والمحاسبة" فالصوم يورث ويعزز مفهوم الرقابة والمحاسبة لدى اتباعه من المؤمنين، وهذا من شأنه ان ينعكس ايجاباً في مجتمع يرنو الى تنمية مستدامة ويزدهر فيه السلام والمساواة والحقوق والحريات.

إن رمضان هو مناسبة لإعادة الاعتبار للعلاقة الوثيقة بين الاخلاق وحركة الحياة، وبين الاخلاق والعبادات، والاخلاق وحقوق الإنسان وهو نهج لتمكين الانسان للتحلي بالفضائل في العلاقة مع الله والنفس والناس.

بهجت الحلو

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد