يعتبر "مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" أحد أهم مراكز الأبحاث الأميركية التي تستند إليها الإدارات الأميركية عند اتخاذ قراراتها حول الشرق الأوسط بشكل عام والملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي على وجه الخصوص، وقد تأسس هذا المركز من قبل لجنة العلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية المعروفة اختصاراً بـ "إيباك" ويضم عدداً من الباحثين المنتمين للحزبين الجمهوري والديمقراطي، ونعيد إلى الأذهان طبيعة وأهداف هذا المركز من جديد، لأنه يشكل مساعدة لكل من يبحث في تسارع أمر الحديث عن "إنقاذ غزة " و" صفقة القرن " ومآل مسيرة العودة ، والحديث عن كسر حصار غزة خلال الأيام والساعات الأخيرة، ففي تحليل للمركز في الأسبوع الأول من آذار الماضي، حث المركز إدارة ترامب على "التغاضي عن "صفقة القرن" التي لا يمكن تحقيقها الآن" مطالباً ترامب ونتنياهو التركيز على "اتخاذ تدابير لإنقاذ غزة في المرحلة الراهنة".
بعد أسبوع، عقد في البيت الأبيض "مؤتمر إنقاذ غزة" برئاسة مبعوث الرئيس الأميركي للشرق الأوسط" جيسون غرينبلات" مع ممثلين عرب دون مشاركة فلسطينية "رداً على تنامي الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وبحث أفكارا حول كيفية التوصل إلى حلول حقيقية لها" وباعتقادنا أن هذا المؤتمر، عملاً بتوصيات مركز واشنطن قد وضع خططاً عملية، يجري تنفيذها الآن، وبحيث تصبح خطة "إنقاذ غزة" هي ذاتها خطة "صفقة القرن" ولم يعد من الضروري وقف هذه الصفقة، حسب "مركز واشنطن" طالما أن عملية "إنقاذ غزة" تأتي في سياقها ويدفع بها، خاصة وأن هذه الصفقة لم تعلن على هامش الاحتفاء الأميركي ـ الإسرائيلي بنقل السفارة إلى القدس ، كما توقعت بعض وسائل الإعلام، إلا أن تداعيات الأحداث الأخيرة، خاصة على ضوء نتائج مسيرة العودة وسقوط عدد كبير من الشهداء الفلسطينيين على تخوم الحدود بين قطاع غزة ودولة الاحتلال، وردود الفعل الدولية، ما أعاد القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث الدولية، وهو ما استثمرته كل من أميركا وإسرائيل للعودة بشكل سافر إلى خطة "إنقاذ غزة" الأمر الذي يمهد للإعلان عن "صفقة القرن" في الشهر المقبل حسب وكالة "أسوشيتدبرس" التي نقلت عنها صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن الإعلان عن هذه الصفقة بعد عيد الفطر مباشرة، وخشية من تطورات قد تعيق الإعلان عن هذه الصفقة، قالت الوكالة أن الإعلان قد يتأخر "وفقاً للتطورات في المنطقة" مع ذلك بدأت واشنطن بإطلاع حلفائها في المنطقة على تفاصيل هذه الصفقة.
وبالأمس، تحدثت "يديعوت أحرونوت"، عن خطة "مارشال" لتحسين أوضاع قطاع غزة بإشراف دولي، كاتب المقال، رون بن يشاي، ليس مجرد كاتب، فهو خبير عسكري والأهم من ذلك، فهو يعتبر وثيق الصلة بالمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وعادة ما يشكل قراءة لخطط هذه المؤسسة، ويقول إن هذه الخطة تمت مناقشتها الأسبوع الماضي في واشنطن، والتي من المرجح أن تدعو إلى قمة تشارك بها دول عربية وأوروبية، بجانب إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر برعاية ودعم من البيت الأبيض.. ويضيف لاحقاً مشيراً إلى العقبات التي ستواجه هذه الخطة ومن بينها عدم وجود هدنة دائمة بين إسرائيل و حماس (!) خاصة أن هذه الأخيرة تقدمت بصيغة عرضتها على القاهرة تتعارض مع التوجهات الأمنية الإسرائيلية (!).
وربما تشكل "الدوحة" عاصمة الحراك الأميركي حول إنقاذ غزة، وترجمة لذلك، اجتمع المبعوث الأميركي غرينبلات مع كل من وزير الخارجية القطري، ورئيس اللجنة القطرية لإعادة إعمار قطاع غزة لمناقشة الحاجة الملحة لتقديم الإغاثة الإنسانية إلى قطاع غزة" في العاصمة القطرية قبل أربعة أيام، وبالتوازي مع الأحاديث المتواترة حول الإعلان القريب عن "صفقة القرن"، وخطة "مارشال" الإسرائيلية، وبالتوازي، أيضاً، مع موقف أميركي في مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان الرافض لتشكيل لجنة تحقيق دولية حول نتائج العدوان على مسيرة العودة الكبرى، ورفض المطالبة الدولية بتوفير حماية للشعب الفلسطيني! وفي ذات الوقت يقدم الاتحاد الأوروبي على التكفل بإعادة تأهيل معبر كرم أبو سالم التجاري، بتكلفة 30 مليون يورو، بعد أن تضرر أثناء فعاليات مسيرة العودة الكبرى، ونعتقد أن إسراع الاتحاد الأوروبي إلى ذلك يأتي في إطار خطة "إنقاذ غزة"!
وكانت السلطة الوطنية الفلسطينية قد رفضت المشاركة في اجتماع البيت الأبيض حول "إنقاذ غزة"، وعلى الأرجح أنها ليست طرفاً في كل ما يجري حول هذه الخطة، باعتبار أن "إنقاذ غزة" يجب أن يمر عبر اتفاق مصالحة حقيقية من ناحية، وإنهاء الاحتلال من ناحية أخرى، أما أن يكون "إنقاذ غزة" جزءاً من "صفقة القرن"، من خلال المدخل الإنساني في حين أن هذه الخطة ذات أبعاد سياسية خطيرة، تهدف إلى إدامة الانقسام وتطويره إلى انفصال، وهو الأمر الذي يتطلب وقوف كافة فصائل العمل الوطني والإسلامي ضد هذه الصفقة بكل مضامينها المعلنة والسرية، وبالعودة إلى تفاهمات من شأنها إزالة العقبات من أمام عملية المصالحة الداخلية الفلسطينية، باعتبار ذلك الرد الأقوى على هذه الصفقة ومخاطرها!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية