مع انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، باتت تطرح في كل الأوساط مسألة الحرب القادمة.
في هذا الإطار يمكن رصد ثلاثة توقعات كبيرة كلها تنطوي على مبررات «وجيهة»، وكلها مدعومة بأسانيد جادة وجدية.
دعونا نرَ فيما إذا كانت هذه التوقعات الثلاثة ممكنة أولاً، ومتكاملة أم متناقضة ثانياً، وفيما إذا كانت تنطوي على أخطار أكبر من المحيط الإقليمي.
التوقع الأول، هو أن تكون هذه الحرب محدودة ومحصورة في عمليات استنزاف إسرائيلية للتواجد (الإيراني) في سورية، وخصوصاً التواجد المرتبط بحركة قوات حزب الله نحو الجولان وبتسليح هذه القوات.
في إطار هذا التوقع يتم الحديث عن استهدافات صاروخية من الجانب الإسرائيلي، والتحفز برد إسرائيلي كبير في حال تم الرد على هذه الاستهدافات.
مما «يرجح» هذا التوقع المسألة المتعلقة بتطور هذه العمليات إلى حرب تشمل الوجود الكامل للقوات الإيرانية، وكذلك قوات حزب الله على الأراضي السورية.
أقصد تريد إسرائيل أن تضرب وهي «تشترط» عدم الرد من الأراضي السورية، وطبعاً من الأراضي اللبنانية.. وإلاّ فإن الرد الإسرائيلي سيحول هذا التوقع من حرب استنزاف إلى حرب شاملة تشمل سورية ولبنان معاً.
إزاء هذا الواقع وفيما يتعلق بهذا التوقع، فإن إيران ومعها حزب الله والنظام والقوات المسلحة السورية باتوا في موقف حرج، إما تلقي الضربات المتتالية وربما المتصاعدة دون ردود فعل حقيقية، وهذا الأمر هو الوضع المثالي لإسرائيل، وإما أن يتحملوا عبء تحول هذا الاستنزاف إلى حرب أكبر تشمل الساحتين السورية واللبنانية.
التوقع الثاني، هو الذي يستند إلى مخرجات التوقع الأول، والذي مفاده تطور التوقع الأول «المحصور في الساحتين السورية واللبنانية» إلى حرب تشمل ضرب إيران نفسها.
هذا التوقع ممكن فقط إذا كانت الولايات المتحدة نفسها مع هذا الخيار ومستعدة له، ولديها الإرادة لتحمل كامل تبعاته بما في ذلك المشاركة الفعلية في هذه الحرب.
في هذه الحالة تتحول هذه الحرب إلى حرب مفتوحة وشاملة، وقد تصل الأمور إلى ضرب أهداف إيرانية بأسلحة متطورة وربما غير تقليدية.
وفي هذه الحالة فإن الرد الإيراني سيكون بقدر ما هو ممكن ومتاح رداً شاملاً، سيشمل في أغلب الظن إسرائيل من دون أية خطوط حمراء، ويمكن أن يشمل مناطق تواجد القواعد والقوات الاميركية في منطقة الخليج وقد يشمل ايضا القوات البحرية الأميركية في عموم المنطقة وفي كل المياه المحيطة بها.
وإذا سارت الأمور بهذا الاتجاه فعلاً، فإن هذه الحرب ستكون تدميرية فعلاً لا قولاً مجرداً فقط، وقد تصبح مسألة استخدام السلاح النووي ضد إيران واردة، وقد يكون العالم أمام خطر لا سابق له لكامل المرحلة التاريخية ما بعد الحرب العالمية، إن لم تصل الأمور إلى ما قبلها، أيضاً.
يستحيل أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة، أو إلى هذا المستوى من الحرب دون أن يدخل العامل الدولي على الخط، وقد تصبح بموجبه وتتحول هذه الحرب إلى ما هو أكبر وأبعد من الاحتكاك مع الجانب الروسي وربما الصيني، أيضاً.
وفي هذه الحالة فمن المستحيل أن تبقى قوات وقدرات الناتو خارج هذه المعادلة، ومجمل البلدان الكبيرة في الاتحاد الأوروبي مع بريطانيا كذلك.
وحتى لو أن هذه الحرب أبقت الأطراف الدولية خارج معادلتها الرئيسية، فإن هذه الحرب ستخاض من قبل الوكلاء بإسناد كامل من المركب الدولي.
إسرائيل تستعد للتوقع الأول بالكامل، وهي على علم ومعرفة بإمكانية الولوج موضوعياً نحو التوقع الثاني، لكنني لست متأكداً من أنها (أي إسرائيل) ضامنة للفوز فيها.
لماذا إسرائيل ليست ضامنة للفوز وبأي معنى بالذات؟
مفهوم هذه الحرب هو مفهوم ملتبس أصلاً.
قد تتمكن إسرائيل فعلاً من تدمير معظم نقاط التواجد الإيراني في سورية، وقد تتمكن من توجيه ضربات نوعية وأحياناً قاصمة لقوات حزب الله في سورية ولبنان، وقد تقدم على تدمير ممنهج لكافة مرافق الحياة في سورية ولبنان ولكنها لا تستطيع ضمان عدم تدمير أجزاء كبيرة أو مناطق كثيرة حيوية في إسرائيل.
كما أنها لا تضمن منع القوة العسكرية الإيرانية من توجيه ضربات تدميرية لها ولا للقوات الأميركية في الخليج، ولست واثقاً أنها تستطيع تحمل تبعات تدمير كبير فيها.
وإذا وقع من التدمير والأذى ما يصل إلى 60 – 70% من بنية الدولة في سورية ولبنان، وإلى ما يصل إلى 30% أو 40% من إيران فمن المتوقع أن لا تقل درجة التدمير في إسرائيل عن 20% حسب تقديرات معينة.
فهل ستكون إسرائيل قد ربحت الحرب أم خسرتها؟
ليس بمقدوري الإجابة المؤكدة على هذا السؤال، وأغلب الظن أن الجواب يحتاج إلى خبرة عسكرية وأمنية واستراتيجية لا ألمّ بها، لكن القراءة السياسية لهذه النسبة ربما تفوق من حيث المقارنة النوعية النسبة الكمية المتوقعة للتدمير.
أقصد أن تدمير 20% من البنية الإسرائيلية تعادل من حيث النتائج المتوقعة نسبة التدمير في الجهة المقابلة إن لم تكن أكبر منها.
إذن هذه الحرب يمكن أن تفوز بها إسرائيل فقط إن هي تمكنت من منع إيران وسورية وحزب الله ولبنان من ردود قوية قادرة على إحداث تدمير مقابل وهذه المسألة مشكوك فيها تماماً.
لهذا أقول إن إسرائيل أمام مغامرة وليست أمام فرصة. فقط اليمين في إسرائيل يرى أن الأمر ينطوي على فرصة. هذا اليمين يعتقد أن وجود ترامب وسياساته هو الفرصة التي لن تتكرر أبداً، واليمين القومي المتطرف في إسرائيل سيعتبر أن التخلص من النفوذ الإيراني بات ممكناً، وهو ممكن فقط بوجود ترامب.
اليمين في إسرائيل يعتقد أن الحرب إن لم تقع فهي إن وقعت في المستقبل ستكون أعلى كلفة من أية كلفة مالية.
التوقع الثالث هو أن يتم نزع فتيل هذه الحرب المقبلة عَبر حل سياسي متوازن في سورية. في هذه الحالة ستكون الاستفزازات الإسرائيلية محدودة، وردود الأفعال عليها بالحدود الدنيا وربما بشكل غير مباشر، إلى أن يتم التوافق على الحل السياسي.
قد توافق إسرائيل على أن تظل الأمور مؤقتاً عند هذا الحد، ولكن لن توافق على استمرار الحال على ما هو عليه إلاّ إذا ضمنت أن يحقق لها الحل ما تصبو لتحقيقه عَبر الحرب.
لا أحد يضمن لإسرائيل ذلك، وبذلك فالحرب إن وقعت ـ وهي ستقع في أغلب الظن ـ ستكون فاصلة وفارقة وربما تغير كامل تضاريس هذا الإقليم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية