محمد دحلان
وُلد محمد يوسف شاكر دحلان في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين جنوب قطاع غزة , بتاريخ 29/9/1961م, لأسرةٍ هاجرت من قرية حمامة عام 1948م, و استقرت في المخيم على أمل العودة التي لا تزال تحلم بها حتى الآن, كباقي الفلسطينيين المشتتين عن ديارهم.
سافر أبوه للعمل في السعودية عام 1964م, طلباً للقمة العيش تاركاً زوجةً وأربعة أبناء؛ محمد أصغرهم, و بنتين اثنتين, بدأ الطفل ينضج في ظل واقع نكسة حرب حزيران, و ما تلاها من احتلالٍ مرير لقطاع غزة و الضفة الغربية, الأمر الذي كان بداية التوجه الفكري الوطني للصغير الغض محمد و الأسرة كلها, فيما ساعد على تشكل هذا التوجه أن أخواله قد قضوا نحبهم شهداء , على أيدي القوات الإسرائيلية ما بين عامي 1969م – 1971م, و كان عمه قد سبقهم شهيداً عام 1947م, الشيء نفسه الذي جعل من علاقة هذا الأسرة مع الاحتلال علاقةً عدائية شخصية و ثأرية.
تلقى دحلان تعليمه الأساسي و الثانوي في مدارس المخيم, ولم يكن يبلغ سن التاسعة عشر من العمر, عندما حزم حقيبته و اتجه إلى مصر, للالتحاق بكلية التربية الرياضية عام 1979-1980م, و كان هذا خروجه الأول من فلسطين.
بدأ دحلان في التعرف على الطلاب الفلسطينيين الذين يدرسون في الجامعات المصرية, دون أن يدري أن هؤلاء الطلاب سيأخذونه فيما بعد إلى لقاءٍ مع أحد كوادر حركة فتح و منظمة التحرير الفلسطينية, فذهب معهم و إذ به يجلس ليس ببعيد عن الشهيد القائد / خليل الوزير الذي كان يتحدث عن فلسطين و مدنها و شوارعها و حاراتها و كأنه يعيش فيها في تلك الحقبة, الشيء الذي رسم صورةً مثالية في نفس دحلان عن المناضلين, و بدأ حينها الاهتمام و التحول الحقيقي لدحلان نحو السياسة و الانتماء, لتشاء الأقدار بعد فترة وجيزة, أن يحضر نفس الطالب محاضرةً هامة و قصيرة, كانت فكرتها الأساسية أن ساحة المعركة الرئيسية هي الأرض المحتلة, مما غير مسار حياة دحلان الذي قرر العودة إلى قطاع غزة, و العمل في خان يونس بعد أن انتمى طواعية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح.
توجه محمد دحلان للدراسة في الجامعة الإسلامية, التي كانت في ذاك الوقت معهد ديني متوسط لا يتجاوز عدد طلابه المائة شخص, فيما تسيطر عليه حركة ما كان يسمى بالمجمع الإسلامي التي أصبحت فيما بعد حركة المقاومة الإسلامية حماس , وهنا برزت فكرة تأسيس جسمٍ نقابي يتبع حركة فتح ,كي يكون إطارا نقابياً لمواجهة أطر التنظيمات الفاعلة, التي تسيطر على مجالس الطلبة في الجامعات, التي تشهد سيطرة الحزب الشيوعي عليها, بشكل واضح في تلك الفترة.
لم يكن عام 1983م عاماً اعتيادياً, فقد شهد أول إعلانٍ رسمي عن الإطار الشبابي الفتحاوي, و أعلن دحلان و رفاقه عزمهم على خوض الانتخابات في الجامعة الإسلامية, باسم حركة فتح, التي حصلت فيها الشبيبة على نتائج ايجابية و مشرفة بل و مفاجئة, مما أدى إلى بعض المشاحنات مع الكتلة الإسلامية كتيارٍ منافس.
الاعتقال و قيد السجان:
تم اعتقال دحلان أكثر من ست مرات بأحكام متفاوتة, ما بين عامي 1980م – 1986م, لم يكن الأمر في البداية سهلاً أو صعباً, و لكن الرسالة التي فهمها دحلان من أول اعتقال له, أنه أصبح هو و رفاقه في دائرة الاستهداف, الأمر الذي تطلب إعادة ترتيب كل الأوراق منذ البداية من خلال اعتماد السرية أكثر, و التهيئة النفسية على صعيد الأهل و الصعيد الشخصي للاعتقال المفاجئ, و التركيز على تعزيز الثقة بالنفس, و تحمل تبعات اتخاذ أي قرار على المستوى العام و الخاص.
الإبعاد و المنفى:
لم يكن اعتقال الجيش الإسرائيلي لمحمد دحلان في ديسمبر عام 1986م اعتقالاً احترازياً عاديا, فهذه المرة كانت إسرائيل تبيت نيتها لفعل شيءٍ ما, لمسه دحلان من خلال نمط و أسلوب أسئلة ضابط المخابرات الذي كان يحقق معه, فقد تعمد الضباط أثناء تناوبهم على التحقيق إيصال رسالةٍ لدحلان تقول: أنك قد تملك معلومةً ما وقد لا تملكها؟ و أنك قد تجيب و قد لا تجيب؟ و لكن النتيجة شيء آخر !!! أدركها دحلان عندما قرأوا عليه قرار الإبعاد و الترحيل القسري خارج فلسطين, دون تحديد المكان الذي سيتجه إليه, و فعلاً تم الإبعاد بعد استكمال بعض الإجراءات الروتينية التي يكفلها قانون دولة الاحتلال, و من ضمنها أن يرى المبعدُ ذويه و يبلغهم بذلك, إلا أن أهله كانوا قد علموا بالقرار من خلال الإذاعة الإسرائيلية, قبل يومٍ من تاريخ معرفة محمد دحلان بذلك, و اقتيد دحلان معصوب العينين, ليجد نفسه على الحدود الفلسطينية الأردنية, في يناير من عام 1987م, فاستلمته القوات الأردنية و وضعته في السجن, إلى أن وصل الشهيد أبو جهاد “رحمه الله” إلى عمان, و أُفرج عنه بشرط ألا يمكث في عمان, فتم ترحيله إلى القاهرة التي عاش فيها سبعة شهور ، إلى أن اعتقلته أجهزة الأمن المصرية لأنه ساعد مجموعة من حركة الجهاد الإسلامي, كانت قد هربت من سجن غزة المركزي إلى سيناء, و عمل محمد دحلان على تهريب أفراد المجموعة إلى السودان ، لتبادر مصر بإبعاده إلى بغداد في نفس العام, و هناك كان في انتظاره الشهيد أبو جهاد “رحمه الله”, و بدأت حينها مرحلةٌ جديدة من النضال, حيث الظروف مواتية للقيام بأي نشاط سياسي و تنظيمي, يضاف إلى ذلك امتلاك حركة فتح قاعدة تدريب عسكرية في العراق, الأمر الذي استغله دحلان على خير وجه, إذ طالب أبا جهاد بأن يترك العمل الجماهيري للانتقال للعمل العسكري, و لكن أبا جهاد رفض ذلك و طلب من دحلان الاستمرار في عملة مع العمل العسكري
كان عمل دحلان مع القائد العام عرفات في مكتبه, يتمثل في الإشراف و المتابعة و تأمين الرسل من و إلى قطاع غزة, بعد أن عينه عضواً في المجلس العسكري الأعلى لمنظمة التحرير الفلسطينية, مما أكسب دحلان ثقةً كبيرة عند الشهيد عرفات, الذي اعتبر دحلان ابناً له و كان دحلان ودوداً رؤوفا بأبيه.
مباحثات السلام:
عمل محمد دحلان مع الفريق الفلسطيني في الشتات, من أجل إسناد وفد الداخل في مفاوضات واشنطن, فساهم في اختيار الكادر الذي سيشارك في المفاوضات, و سهل حركة و مهمة أعضاء الوفد, و عمد إلى توضيح صورة الوضع للشارع الفلسطيني, كي لا يحدث أي تجاوز ضدهم
في مفاوضات طابا طلب أعضاء الوفد المفاوض من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات أن يكون دحلان عضواً معهم, فوافق عرفات لثقته في دحلان و إدراكه أنه يُلم بالكثير من التفاصيل العسكرية و التنظيمية في الداخل و الخارج, و لكن اليوم الأول للمفاوضات شهد رفضاً إسرائيلياً قاطعا, لدخول دحلان إلى القاعة و الجلوس أمامهم على الطاولة, لأن يداه “ملوثتان بالدم الإسرائيلي” و هذا ما نقله الدكتور نبيل شعث و حسن عصفور لدحلان, و استمر الحال على ما هو عليه ثلاثة أسابيع, ليتجلى دوره في إسناد أعضاء الوفد معلوماتيا و الاتصال بالداخل, إذ عمل على تأجيل وقف العمليات هناك كلما طلبوا منه ذلك, و أخيراً سُمح له بالدخول للقاعة بشرط الجلوس في الصفوف الخلفية, و عدم النقاش إلا أنه كان يزود أعضاء الوفد بالمعلومات اللازمة أثناء عقد الاجتماع.
في خضم المباحثات طرح دحلان قضية ال220 مطلوب فلسطيني للتصفية أو الاعتقال الإسرائيلي, و أصر على مناقشة ملفهم مع آمنون شاحاك, فطالب بإلحاح وفدنا الفلسطيني بالضغط من أجل عودة المطاردين و المطلوبين للداخل,الذين كانوا يتوزعون حينها في تونس و الجزائر و السودان و ليبيا, فرفض شاحاك ذلك, إلا أن دحلان هدد بعين الحقيقة التي تفيد أن هؤلاء في القاموس الفلسطيني مناضلون, و يمكنهم تدمير أي اتفاقية سلام مع إسرائيل ما لم يكونوا طرفاً فيها, و بهذا المنطق بدأ دحلان و الوفد المفاوض يتحدثون مع الإسرائيليين, فنجح في الحفاظ على حياة هؤلاء المجاهدين و أعادهم للداخل, و على صعيدٍ ذي صلة رفض محمد دحلان أن تعتقل إسرائيل المطلوبين داخل قطاع غزة, على أن يتم إخلاء سبيلهم فيما بعد أو تستلم أسلحتهم, و أعطى التزاما شفهيا بأن تلتزم “صقور الفتح” بمتطلبات المرحلة, على أن يبقى سلاحهم تحت إشراف كادر التنظيم المعروف لدى جيش الاحتلال, و لعل الإنجاز الذي يُحسب لدحلان شخصياً في تلك المرحلة, النجاح في إدخال المطاردين الفارين من قوات الاحتلال مثل رشيد أبو شباك و أمين صيام, الذين كانا على رأس مسئولي صقور الفتح في القطاع, و كان مجرد طرح اسميهما من المحرمات, عند شاحاك و الطرف الإسرائيلي.
لم يكن ملف الأسرى غائباً في طابا بل كان من أكثر الملفات تعقيداً و صعوبة و أحق أولوية بالنقاش عند ذوي الأمر, حيث أصر محمد دحلان على الخروج مع أعضاء الوفد بنتائج ايجابية في هذا الموضوع, لأن إسرائيل رفضت خروج ذوي الأحكام العالية, إلا أن الوفد بمن فيهم دحلان الأكثر تعصبا للأسرى, قد نجح في إطلاق العديد من رموز الحركة الأسيرة مثل هشام عبد الرزق, و تم الإفراج عن 9500 معتقل منذ ذاك التاريخ و حتى تنفيذ الاتفاق الانتقالي, بمن فيهم معتقلين من حركتي حماس و الجهاد الإسلامي.
العودة و تأسيس الأمن الوقائي:
بعد أن اُستكمل إدخال معظم أبناء غزة, من المبعدين و المطلوبين لإسرائيل, دخل محمد دحلان مع بعض رفاقه في النضال بتاريخ 17/5/1994م, و لكن قرار ما قبل العودة كان قد صدر بتشكيل جهاز أمني, جاءت تسميته و فكرته من بنات أفكار القائد العام ياسر عرفات, الذي عين دحلان بقرارٍ في تونس رئيساً لجهاز “الأمن الوقائي” في محافظات غزة, دون أن يكون دحلان قد تخيل نفسه قبل ذلك مسئولاً أمنيا للحظة واحدة, و هي تسميةٌ أمنية قد تكون مستخدمة في الدول الاشتراكية في النظام الغربي, رأي عرفات “رحمه الله” أن يستوعب الجهاز الجديد الكادر التنظيمي الذي عمل في الانتفاضة الأولى, فجمع كادراً متميزاً من المناضلين, بمن فيهم عناصر من حركتي حماس و الجهاد الإسلامي, و تم تقييم دحلان على نضاله و خبراته العسكرية و الإدارية و التنظيمية, برتبة “عقيد” في ذاك التاريخ من قبل القائد العام عرفات.
أوكل عرفات “رحمه الله” مسئولية حماية الاتفاق السياسي و عملية السلام للأمن الوقائي, و منع العمليات العسكرية التي قد تمنع التقدم للوصول لتسوية سياسية مأمولة في تلك الفترة, تماشياً مع الظرف السياسي العالمي و الإقليمي و العربي, و كي تستكمل السلطة الفلسطينية فيما بعد استرجاع الأراضي المغتصبة عام 1967م مقابل تقديم الأمن لإسرائيل, التي لم تزل تعتبر دحلان ثقيل الظل في تلك الفترة على اعتبار أنه “إرهابي”, و يتكفل جهاز الأمن الوقائي أيضا بنشر حالة الاستقرار الأمني, داخل المجتمع الفلسطيني و القضاء على الجريمة و الجريمة المنظمة, فيما شرع دحلان بهيكلة الجهاز مستعيناً برفاق الدرب الأوائل ,أمثال رشيد أبو شباك الذي عُين نائبا لرئيس جهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة, و بدأ في رسم خطط تشكيل الجهاز فاختار عشرة من المناضلين, وفقا للتاريخ النضالي و التضحيات التي قدموها و لاسيما في سنوات السجن أو الإبعاد, و جعل منهم نواة الجهاز الحقيقية و قيادته, ثم أخذ يوسع في الدوائر و التفرعات و الاختصاصات داخل الأمن الوقائي, مستعينا بخبرات أمنية مصرية لتطوير الأداء و المساعدة على القيام به على خير وجه, بما يخدم المصلحة الفلسطينية العليا.
و مما تميز به جهاز الأمن الوقائي قدرته في الحصول على المعلومة و تحري دقتها, وحرصه على مراعاة ضوابط المجتمع الفلسطيني العامة, مثل الأخلاقيات و غيرها, و قُربه من الكادر التنظيمي الفتحاوي و الوطني بشكل عام, و حزمة في التعامل مع أي تجاوز يصدر عن أحد أفراده, حتى وصل إلى حد إقالة البعض من المتجاوزين و معاقبة البعض الآخر.كما شارك جهاز الأمن الوقائي في تفعيل الانتفاضة الثانية,عندما كان محمد دحلان على رأس قيادة الجهاز, جاءت تلك المشاركة القوية قبل أن تدخل بعض الفصائل المسلحة في المواجهة الحقيقية مع الاحتلال , الأمر الذي أدى إلى استشهاد العديد من عناصر الجهاز , و منع أقرب الأشخاص من دحلان من السفر و الحركة باتجاه الخارج ,كرشيد أبو شباك و سليمان أبو مطلق الذي تم اعتقاله و الإفراج عنه فيما بعد.
بعد مرور سبع سنوات على رئاسة دحلان لجهاز الأمن الوقائي قدم استقالته للرئيس عرفات في أبريل من عام 2001م, و كان له وجهة نظر في هذا الموضوع, و هي أن الوظائف الأمنية يجب أن لا تكون أبدية القيادة, كي لا تصبح دائرة المسئولية إقطاعية خاصة لشخصٍ دون آخر, يضاف إلى ذلك تداخل مهام و وظائف الأجهزة الأمنية, مما خلق حالة من التشتت و الغضب الشعبي, و هذا ما شعر به محمد دحلان منذ عام 1998م, و طالب على إثرها بالإصلاح في جميع دوائر السلطة, و تلك نقطة محورية سنأتي ذكرها ضمن سياق السيرة.
أحداث 1996م و العلاقة من الفصائل :
كما أسلفنا فإن تشكيل جهاز الأمن الوقائي كان يهدف إلى المحافظة على الالتزامات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي { و لا تعني الالتزامات الأمنية كما يتصور البعض اعتقالات و إعدامات, و لكنها تعني منع الجانب الفلسطيني لوقوع أي عملية توجه ضد الإسرائيليين طالما أن هناك اتفاق بين الطرفين ,لتمكين الجانب الفلسطيني من الحصول على حقوقه و قطع الطريق على الحجج و التسويفات الإسرائيلية بالمماطلة},و قد كان الرئيس عرفات هو المسئول الأعلى عن هذه المهمة, و يأتي بالتدريج بعده دحلان كرئيس للجهاز داخل القطاع في المسئولية عن هذا الملف, و لكن مشاحنات ظاهرة قد حدثت بين السلطة الفلسطينية و حماس, عندما استمرت الأخيرة في تنفيذ ما كانت تقوم به قبل مجيء السلطة الوطنية, مثل اختطاف مواطنين و إعدام البعض منهم بتهم العمالة و غيرها, فكان المطلوب من حركة حماس أن تقدر بشكل موضوعي و عقلاني, طبيعة المتغيرات التي طرأت على الساحة, كعودة منظمة التحرير و تشكيل سلطة فلسطينية, لم تعترف حماس بشرعيتها, مع عدم اعترافها أيضاً بالانتخابات الرئاسية و التشريعية و نتائجها كإحدى إفرازات أوسلو, و استمرارها في ممارسة نشاطاتها كتنظيمٍ مستقل له سياساته الداخلية و الخارجية,مما أدى كل ذلك إلى تضخم التراكمات , قامت على إثرها بعض الأجهزة الأمنية باعتقال و استدعاء بعض الأخوة في حماس للتحقيق و حثهم على التوقف عن ممارسة تلك السلوكيات التي تخدش هيبة السلطة الوطنية , فيما رفض جهاز الأمن الوقائي المشاركة في عمليات الاعتقال لأكثر من عامين , أي منذ عام 1994م و حتى العام 1996م , بل و كانت سياسة الأمن الوقائي تتجه نحو فتح آفاق من الحوار و التفاهم مع كتائب الشهيدعز الدين القسام من خلال محمد الضيف و عبد الفتاح السطري و رفاقهم , كاد أن يسفر الحوار معهم إلى إبرام اتفاق لولا تدخل بعض المتنفذين الذين عملوا على نسف أي اتفاق محتمل من خلال تشكيل جهاز عسكري لحماس بديل للقسام يسمى بــ “الجهاز السري”, الذي كان من مهامه الأولى الاستيلاء على أسلحة عناصر الشرطة الفلسطينية بالقوة و قتل من يقاوم و تجريده من سلاحه في بعض الأحيان , مما خلق أجواء مشحونة, و لاسيما أنه قد تم تسجيل عدة حوادث قتل قامت بها مجموعات سرية تابعة لحركة حماس ضد أفراد الشرطة الفلسطينية مثل الشهيد أكرم أحمد …الخ .
يضاف إلى ذلك أن إسرائيل قد نجحت باستفزاز حماس, من خلال اغتيال الشهيد المهندس يحيى عياش “رحمه الله”, مما دفع الحركة للقيام بأربع عمليات كبرى داخل إسرائيل, أسقطت بيريز و جاءت بنتنياهو و خلقت مفهوما جديداً عند الإسرائيليين بمن فيهم حزب العمل عن السلام, و هو أن إسرائيل قد باعت الاتفاق لمنظمة التحرير على أمل الحصول على أمن, و لكن العمليات زادت مع قدوم السلطة بشكل كبير و محرج للقيادة أمام العالم, فبدأت الأمور مع بيريز و نتنياهو ثم باراك تتجه للتعقيد وصولاً إلى اعتلاء شارون كرسي رئاسة الوزراء في إسرائيل.
مما فرض حدوث المواجهة, فاتخذت القيادة الفلسطينية قراراً باعتقال تكتيكي لأفراد حماس و الجهاد الإسلامي, بشكل مؤقت عام 1996م, منعاً لأي تدهور قادم قد يمنع الحصول على استحقاقات فلسطينية, في الأراضي المتفق على تسلمها من جيش الاحتلال الإسرائيلي, و كي تثبت للمجتمع الدولي قدرة السلطة على تسلم زمام الأمور و السيطرة على الساحة الفلسطينية, فأوكل الرئيس عرفات “رحمه الله” المهمة لجهاز الأمن الوقائي برئاسة دحلان في غزة و قطاعها, لضبط الساحة و تحجيم نشاط حماس العسكري و لو مرحلياً, للوصول إلى التفاهمات الفلسطينية الإسرائيلية, و ما جرى بعد ذلك من تضخيم في عمليات الاعتقال, سواء في الكم و الكيف, كان يهدف إلى خلق حالة من عدم الثقة و التشكيك في دحلان شخصيا و جهاز الأمن الوقائي.
كان الاعتقال ينتهي عادة و ضمن سياق الفهم و الوعي الوطني للأمن الوقائي و قيادته, التي لم تكن بعيدة عن هموم شعبها بإحدى أو كلا الخيارين, إما الإفراج عن الشخص المعتقل ,أو التفريغ في الجهاز لحل بعض المشاكل الأمنية لبعض كبار عناصر القسام و المطلوبين لدولة الاحتلال, و بناء على هذا الأساس؛ قد يستغرب من لا يدري عندما يعرف أن كوادر مهمة في كتائب القسام, بعضهم شهداء عند الله تعالى , مثل الأخوة عماد عباس و عوض سلمي و بلال الغول و خالد أبو سلمية و عدنان الغول و سعيد أبو حمام و غيرهم كثر , كانوا موظفين على قيد الأمن الوقائي, رغبة من قيادة الجهاز في أن يتمتعوا بحماية الجهاز و إمكانياته ,فيما استشهد العديد من عناصر حماس و بالتحديد من كتائب القسام و هم على قيود جهاز الأمن الوقائي ,بينما الآخرون كانوا على قيود الجهاز قبل تاريخ استشهادهم .
لم يكن يعني تصرف جهاز الأمن الوقائي, في تلك المرحلة على أنه ضد المقاومة, بل إن السلطة دفعت ثمن حماية حماس و الجهاد الإسلامي على مدار عشر سنوات, و ذكرنا دور الوقائي في تفعيل و إسناد الانتفاضة الثانية, حتى بلغ عدد شهداء الأجهزة الأمنية في الانتفاضة إلى أكثر من 40%, و قد ارتبط دحلان بعلاقة طيبة مع الجهاد الإسلامي منذ فترة الاعتقال, و طُرد من مصر لتهريبه مجموعة من عناصر الجهاد إلى السودان عام 1987م كما أسلفنا, و كذلك ربطته علاقة جيدة مع عناصر حماس مثل يحيى السنوار, الذي دخل ميدان المواجهة العسكرية ضد إسرائيل في الانتفاضة الأولى, قبل أن تتخذ قيادة المجمع الإسلامي أو حماس هذا القرار, كما ربطت دحلان بالدكتور عبد العزيز الرنتيسي “رحمه الله” علاقة أخوية بحكم رابطة الجوار في خان يونس, و مرت بعلاقات فتور أحياناً وفقاً للاختلاف في وجهات النظر, و لكنها كانت قائمة على قاعدة الاحترام بحكم الشراكة في النضال.
و يحتفظ محمد دحلان بعلاقات جيدة و متجددة مع معظم أركان العمل الوطني من أقصى اليمين حتى أقصى اليسار في الداخل و الخارج, و ذلك من خلال إدراكه بأهمية دور الجميع في معركة البناء و التحرر بمن فيهم قيادات الحركات الإسلامية التي نجلها كثيراً .
مبعوثاً و مكلفاً من عرفات للتفاوض:
مع صعود بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل, بدأت حالة من الشقاق تنعكس على المفاوضات العسيرة التي كان لها جولاتها, شارك فيها محمد دحلان بالتكليف من الرئيس عرفات “رحمه الله”, في التفاوض في عدة أماكن, كما رافق عرفات في الكثير من المفاوضات الشهيرة, لقوته في طرح ما يريد حتى في أكثر الأوقات تأزماً, و لما اكتسبه من خبرات في “فن” التفاوض مع إسرائيل هو و الدكتور صائب عريقات .
اهتم دحلان بجمع المعلومات الخاصة بأعضاء أي وفد إسرائيلي و تقديمها للرئيس عرفات, من خلال قراءة تاريخ الأشخاص و نشأتها و مرجعياتها الفكرية و السياسية, و ذلك للمساهمة في إدارة أي مفاوضات, و هذا ما حدث على سبيل المثال مع مبعوث نتنياهو دوري جولد, الذي جمع دحلان كل المعلومات المتعلقة به و بزوجته و رحلاته إلى بعض الدول العربية, و قدمها للرئيس الشهيد عرفات, كما اختاره الرئيس ليكون عنصر الاتصال الرئيسي بين مكتب الرئيس عرفات و مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلي, و اختاره أيضاً مبعوثا شخصياً له للإعداد لقمة واي ريفر, فأوكل له كل التفاصيل في قضايا تمثل إشكالات للسلطة الوطنية الفلسطينية, وقد ساعد محمد دحلان أيضاً على المضي نحو التقدم باتجاه تحقيق الهدف الوطني الذي كان يحدده الرئيس, قوتُه و صلابتُه و قناعته أن إسرائيل ليست دولة خارقة للعادة, و ليس كل مواطنيها عباقرة, الأمر الذي عزز من قدرته على المطاولة خلال النقاش و التفاوض, بل و السرعة على الرد على أي تجاوز أخلاقي يصدر عن المفاوضين الإسرائيليين, بدافع العنجهية حتى وصل الأمر إلى أن شتم دحلان أعضاء وفد نتنياهو, مما دفع نتنياهو للتصريح بعدم ثقته في دحلان, و يُذكر لدحلان اشتراطه على إسرائيل أن تدفع ثمن الأمن انسحابات تعيد الأرض للفلسطينيين.
كما حافظ محمد دحلان على علاقات مع بعض أعضاء المؤسسة الأمنية و العسكرية مؤيدين لنيل الشعب الفلسطيني حقوقه, و الشخصيات العامة في إسرائيل, من كتاب و صحفيين جانحين للسلم, للضغط على الحكومة الإسرائيلية, ثم أجبر نتنياهو على التوقيع على بعض التفاهمات في واي ريفر, تسلمت السلطة من خلالها 13.1% من أراضي الضفة الغربية بما فيها مدينة الخليل, إضافة إلى قضايا تفصيلية مثل المطار و الميناء و بعض القضايا الأمنية كافتتاح الممر الآمن و ملف الأسرى, مما يعد إنجازاً تاريخيا في ذاك الوقت الذي كانت فيه حكومة ليكود متشددة تحكم في تل أبيب. استغل دحلان أخطاء الوفد الإسرائيلي في التفاوض, و هذا و ما تجسد في طرح نتنياهو لما سُمي بمبدأ “التبادلية”, التي التقطها و أصر عليها الوفد الفلسطيني و تعمد إحراج الإسرائيليين أمام الطرف الأمريكي, بمطالبته بالتبادلية التي تخلى عنها رئيس الوزراء الإسرائيلي, و تذمر من شدة تكرار دحلان لهذا المطلب.
مع صعود باراك لسدة الحكم في إسرائيل, كان محمد دحلان أول شخص يلتقيه بتكليف من عرفات”طيب الله ثراه”, فخاض مع فريق باراك و باراك نفسه عدة جولات من النقاش , أكد فيها على أن أساس أي اتفاق مع حكومة الأخير لن يتم دون أن تكون القدس كاملةً, عاصمة للدولة الفلسطينية مع ضمان عودة اللاجئين, و في مفاوضات إيلات حدثت مشكلة كبيرة بين دحلان و رئيس الوفد الإسرائيلي عوديد عيران, عندما قدم الأخير 62% من الأرض تمهيداً للحل النهائي, موضحة على خريطة سخر منها دحلان بوجود ياسر عبد ربه و قال لرئيس الوفد الإسرائيلي “إن أي طالب في مدارسنا لن ينجح في رسم الخريطة أي سيرسب كل طلاب فلسطين في الجغرافيا” لعدم منطقيتها, مما أدى إلى مشادة كلامية و صراخ بين الطرفين ,,, كما رافق دحلان الرئيس عرفات إلى كامب ديفد, و لم يتفاوض لدقيقة واحدة بمفرده مع الإسرائيليين كما يشيع المتفذلكون, بل كان يتحرك بإمرة الرئيس و يقدم له المعلومة و المشورة كلما تطلب الأمر, و استغل دحلان دقة اختيار الوفد الفلسطيني الإداري و المهني و الأمني هناك, وعمل معه على استمالة الأمريكيين لصالح الموقف الفلسطيني العام.
و بالنسبة لشارون فإن علاقة دحلان به كانت سيئة, و ذلك لما صدر عن دحلان من تصريحات ضد شخص شارون في واي ريفر, إذ كان شارون وزير خارجية, و عندما كُلف دحلان مع أبي مازن بإكمال خطوات الاتفاق و الذهاب لتل أبيب, هدد شارون من خلال الإعلام قبل مجيئهما باعتقال دحلان فيما لو جاء إلى مقره بالخارجية الإسرائيلية, كما اعتبر شارون دحلان مساعداً لحركتي حماس و فتح, و طالب باغتيال محمد دحلان بعد حادثة مقتل الجنديين الإسرائيليين في رام الله بداية الانتفاضة, فقامت إسرائيل بمنع محمد دحلان من السفر إلى الخارج على اثر اتهام له بالتورط في سفينة السلاح “كارين أيه” بعد سفره مع أحد المتهمين بالضلوع بها, قبل ضبطها بثلاثِ ليالِ, حتى تم إنهاء التحقيقات و تم التوصل إلى حلٍ لإزالة المنع.
الانتفاضة و حصار الرئيس:
لم يكن محمد دحلان بعيداً عن الانتفاضة, إذ عمل على تنشيط الساحة الفلسطينية, و استفز البعض لغرض المشاركة الفاعلة في الانتفاضة, بقصد الضغط على إسرائيل و الحصول على ما تم الاتفاق عليه, فاندفع جهاز الأمن الوقائي بقوةٍ إلى الميدان, و التحم مع الجيش الإسرائيلي في كافة الاشتباكات المسلحة, التي أدت إلى استشهاد العديد من خيره عناصره, و ساعد على تكوين بعض فرق كتائب شهداء الأقصى المعروفة العناوين, و من المهم ذكره في هذا المقام أن معظم حراس دحلان الشخصيين هم من عناصر الكتائب الفتحاوية الأصيلة, كما استشهد ابن أخيه في إحدى المواجهات بمدينة خان يونس, و لا نستطيع التفصيل في هذا الباب أكثر من ذلك.
بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر توقع محمد دحلان أن يستغل شارون الحدث لصالحة, و يصعد من العمل العسكري البربري ضد الشعب الفلسطيني بمن فيه الرئيس نفسه, و أبلغ ذلك للرئيس عرفات “رحمه الله” و طالب بتغيير بعض الأمور تلافيا لما هو قادم, و لكن شارون كان أسبق إلى جنونه الدموي, فاقتحم مقر الرئيس بالمقاطعة, و كان دحلان تلك الليلة برفقة الرئيس حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل, فطلب منه الرئيس المغادرة ليتسنى له القيام بمجموعة اتصالات عربية و دولية, تطالب العالم بالتدخل لإنهاء هذه المهزلة, و كان يتصل بــ و يتصل عليه الرئيس أكثر من عشرين مرة في اليوم, و قد ساعدت الاتصالات على موافقة الولايات المتحدة, على زيارة دحلان و أبي مازن و أبي العلاء و الدكتور صائب عريقات لعرفات في المقر, بعد تدخل عربي جهيد كان أساسه حملة الاتصالات الفلسطينية التي قادها محمد دحلان, و في الأسبوع الثالث للحصار, و بالاستفادة من تكثيف الاتصالات الدولية, تم فتح قناة حوار مباشر مع الإسرائيليين, و كلف الرئيس عرفات دحلان بإدارة الحوار, و هذا ما نجح فيه بالحفاظ على حياة الرئيس, رغم التسليم بقسوة الشروط و تعقيدها, و لكن هذا الممكن في وقت المستحيل.
حكومة محمود عباس :
مع استجابة أبي عمار لتكوين حكومة جديدة و تعيين رئيس وزراء لأول مرة في تاريخ السلطة الفلسطينية, و اختياره لأبي مازن للقيام بهذه المهمة, كان محمد دحلان خارج البلاد, فجاءه اثنان من ذوي الإطلاع, و طلبا منه زيارة عرفات ليكون في الصورة منذ البداية, لم يكن دحلان كما تعود بحاجةٍ إلى سبب للجلوس مع عرفات, فسافر إليه في رام الله وناقشه في تشكيل الحكومة, فقال عرفات اتصل برئيس الوزراء المكلف لعله يريد أحداً غيرك, فقال له دحلان إن منصب وزير الداخلية كما كان مطروحا لن يضيف لتاريخه شيء, و ستكون مغامرة لمن يتسلم هذا الموقع, و انه لن يستطيع القيام بها, و انتهى اللقاء في جو من الود و الألفة, تلاه اتصال من دحلان بأبي مازن الذي علم بتفاصيل لقاءه مع الرئيس, و رحب بدحلان في حكومته و أكد على ضرورة وجوده في تشكيلتها, لما يمتلك من خبرة في المجال الأمني.
فى 12 تشرين أول / يونيو 2011 قررت اللجنة المركزية لحركة حركة فتح' فصل محمد شاكر دحلان القيادي البارز في حركة فتح وانهاء أي علاقة رسمية له بالحركة. كما قررت في اجتماعها الذي عقدته في رام الله، وبعد الاستماع إلى تقرير لجنة التحقيق المشكلة من اعضاء من اللجنة المركزية احالته إلى القضاء فيما يخص القضايا الجنائية والمالية واية قضايا اخرى حسب ماورد في تقرير لجنة التحقيق. وتضمنت القرارات ايضا، الاستمرار في التحقيق مع الاشخاص الاخرين الذين رأت لجنة التحقيق ضرورة استمرار التحقيق معهم بموجب قرار يصدر لاحقا لتحديد القضايا التي يجب متابعتها.
فى 17/ نوفمبر /2015 أكدت اللجنة المركزية لحركة فتح أن قرار فصل محمد دحلان من الحركة نهائي ومحسوم ، جاء ذلك بعد نحو أسبوع من ما نشرته تقارير صحفية مصرية أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يقود جهودا لرأب بالصدع داخل حركة فتح واجراء مصالحة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والقيادي المفصول دحلان. وقالت اللجنة المركزية لـ"فتح" في بيان "تم فصل دحلان من حركة فتح، بشكل نهائي وبقرار من الأطر المخولة والمتمثلة في اللجنة المركزية والمجلس الثوري وحسب النظام بسبب تجاوزات مادية خالفت النظم واللوائح، ومست ثوابت الحركة والمصالح العليا لشعبنا وإقدامه على تنفيذ اغتيالات لمواطنين أبرياء وقد أحيلت كل هذه التجاوزات للقضاء والمحاكم".
تيار الاصلاح الديمقراطي
بعد خلافه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، بادر محمد دحلان بتأسيس تيار الإصلاح الديمقراطي والذي تشكل عقب إقدام الرئيس محمود عباس على فصل عضو اللجنة المركزية لحركة فتح والنائب في المجلس التشريعي الفلسطيني محمد دحلان إضافة للقائد الفتحاوي الأكثر شعبية في حركة فتح وعضو المجلس الثوري سمير المشهراوي . الذي بادر ببناء هذا التيار مع نخبة منتقاة من أبناء حركة فتح .