بعد ساعات من إعلان ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران ومباركة نتنياهو للانسحاب شنت (إسرائيل) غارة على سوريا استهدفت أحد المواقع في منطقة الكسوة جنوب دمشق مساء الثلاثاء في الثامن من مايو يُعتقد أن الحرس الثوري الإيراني يستخدمه، وهذه الغارة هي السادسة التي تستهدف مصالح إيرانية في سوريا، وتأتي بعد عشرات الغارات الإسرائيلية على سوريا حتى قبل الحرب الأهلية فيها والحرب الإقليمية والدولية عليها، ولا زالت الغارات الإسرائيلية على سوريا مستمرة حتى إشعارٍ آخر.

إن سياسة عدم الرد على الغارات الإسرائيلية حتى قبل الأحداث الدموية في سوريا واستخدام عبارة «الاحتفاظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين» التي تُعتبر كلمة السر لعدم الرد هي التي شجعت ولا زالت (إسرائيل) على مواصلة الغارات، وهي المسؤولة عن فقدان توازن الردع، وبالتحديد منذ أن حلّقت الطائرات الإسرائيلية فوق قصر الرئاسة السورية في أغسطس 2003 والتي تلتها غارة على معسكر في شمال غرب دمشق في أكتوبر نفس العام، ثم غارة دير الزور عام 2007 التي دُمر فيها مفاعل نووي تحت الإنشاء... وانتهاء بغارة الكسوة الأخيرة .ومهما كانت المبررات لعدم الرد سواء من سوريا أو إيران فإن عدم الرد سيؤدي إلى أضرار أكبر بكثير من الأضرار المُحتملة بسبب الرد. ومن هذه الأضرار فتح شهية (إسرائيل) للتمادي أكثر في غطرستها والذهاب نحو ضربات عسكرية أكثر عُمقاً بهدف التأثير في مسار الحرب السورية لصالحها والذهاب نحو إخراج إيران نهائياً من سوريا.

وفي عودة لحدث يُلقي الضوء على طريقة التفكير لدى القيادة الإسرائيلية ومدى انصياعها والتزامها بقواعد لعبة توازن الردع عندما يكون الطرف الآخر جدياً، ففي المرحلة الأولى لحرب أكتوبر التي انهار فيها خط الدفاع الإسرائيلي الأول المُقام على طول شرق قناة السويس قبل أن يشن الجيش الإسرائيلي هجومه المضاد مدعوماً بالجسر الجوي الأمريكي، كانت الطريق إلى قلب الكيان الصهيوني عبر سيناء مفتوحة أمام الجيش المصري ولم يكونوا قد أدركوا بعد نية السادات بالتوقف شرق القناة، فكانت (إسرائيل) تحت خطر يُهدد وجودها، وهنا فكرت القيادة الإسرائيلية لبرهةٍ من الزمن في استخدام السلاح النووي ضد مصر غير أن إدراكها بأن مصر لديها صواريخ من طراز ظافر تحمل رؤوساً كيماوية جاهزة للإطلاق نحو قلب (إسرائيل) كان أحد أهم عوامل تراجعها عن الخيار النووي، وهذا ما أكده الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات بقوله:» إن صواريخنا المصرية العربية من طراز ظافر موجودة الآن على قواعدها مستعدة للانطلاق بإشارة واحدة إلى أعماق الأعماق في إسرائيل... العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق».

وتعقيباً على تكرار الغارات الإسرائيلية على سوريا كتبت مقالاً قبل أكثر من عامين بعنوان «ماذا لو ردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى؟ «من المفيد إعادة التذكير ببعض ما قلته لأنه يصلح لغارة الكسوة»... لو ردت سوريا على الغارة الإسرائيلية الأولى... لما تجرأ العدو على مواصلة هجماته المتكررة على سوريا... فهذا العدو لا يفهم إلاّ لغة القوة ولا يردعه شيء عن جرائمه إلاّ بقوة ردع مضادة وتوازن رعب متساوٍ... ولا زالت الفرصة موجودة لردع العدوان مهما كان الثمن لأن البديل هو استمرار تلقي الضربات المُهينة إلى ما لا نهاية.» واليوم لم يتغير المشهد كثيراً حتى بعد سقوط الطائرة الإسرائيلية إلاّ بزيادة الحذر الإسرائيلي عند تنفيذ الاعتداءات ولا زالت الغارات الإسرائيلية مستمرة حتى إشعارٍ آخر يضع حداً للعربدة الإسرائيلية.

والإشعار الآخر الوحيد الذي سيضع حداً للعربدة الإسرائيلية ويوقف هذه الغارات هو الرد بالمثل عليها في عمق الكيان الصهيوني وعدم الاكتفاء بالتصدي لها بوسائل الدفاع الجوي فهذا عمل دفاعي بحت وغير رادع لدرجة تكفي لمنع تلك الغارات، والرد العسكري داخل العمق الإسرائيلي قد يجلب ردة فعل إسرائيلية قوية عليها مرة أو مرتين أو ثلاث مرات على الأكثر ولكنه في نهاية المطاف سيوجد بلا شك توازن ردع يمنع العدو من مواصلة غاراته العدوانية أسوةً بالمقاومة اللبنانية والفلسطينية التي حققت نوعاً ما من توازن الردع النسبي بينها وبين عدوها وضعت حداً لعربدته، أما معادلة الضرب والتهديد الحالية بين (إسرائيل) وكلٍ من سوريا وإيران فمريحة للعدو ويُمكن أن يتعايش معها إلى ما لا نهاية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد