منذ بداية هذا القرن أصبحت تتشكل خارطة تواصلية جديدة تنبئ بدخول البشرية في بيئة إعلامية يمتزج فيها الإعلام بالاتصال وهو ما بات يعرف تقنيا وحتى فكريا بالاندماج. فمن صحافة الصحفي إلى صحافة الدولة مروراً بصحافة الجمهور وصولاً إلى صحافة المواطن. وقد مثلت صحافة المواطن بالنسبة للجمهور" أشكالا" تعبيرية وتواصلية مبتكرة تتيح للأفراد التفاعل مع الآخرين والانعتاق من إكراهات الزمان والمكان وتجاوز دوائر التهميش التي طالما حبستهم في أدوار التلقي السلبي السكوني, وتثير البيئة الجديدة للإعلام ضرورة البحث في توازن بيئة المجال الإعلامي ويكون ذلك من خلال البحث في العلاقة الجديدة بين حرية التعبير والتنوع في بيئة الإعلام, وأن الواقع سيتحوّل إلى ما يمكن تسميته "الإعلام المندمج الشامل".. لا سيما وأن تحول وسائط الاتصال من التناظري إلى الرقمي ومن الهرمي إلى الشبكي أحدث بيئة جديدة في تبادل الأخبار والآراء يمكن أي يصطلح على تسميتها الإيكوميديا أو البيئة الجديدة للإعلام والاتصال.

ظهرت صحافة المواطن كبديل للصحافة المؤسساتية المسيطرة والمنتشرة في الساحة الإعلامية, وجاءت هذه الممارسة الصحافية الجديدة كبديل للصحافة التقليدية المرتبطة بالنظام القائم وبالنخب وبالمصالح الاقتصادية والسياسية وبالقيم المعروفة كالموضوعية والحياد والحرية.

وكبديل لصحافة التسطيح والتهميش والاستهلاك والاغتراب وصحافة تبرير وتشريع النظام والوضع الراهن."ونلاحظ بأن صحافة المواطن تحولت إلى سلطة خامسة هدفها تحرير الصحافة بوصفها سلطة رابعة من حالة الالتفاف السياسي والاقتصادي والتوظيف العنصري والمصلحي الذي تعيشه, فهي أولا وأخيرا حركة تصحيحية داخلية للنهج الديمقراطي ومرحلة متقدمة في فهم العلاقة بين الإعلام والديمقراطية من زاوية اتصالية حديثة, لتمثل مصدراً بديلا للمحرومين من الحق في المعلومات والأخبار الكاملة, فهي فضاء ينشط فيه الناس المحرومون من فرص المشاركة المجتمعية والسياسية و تكثر أصالة التعبير فيها عن الوقائع الاجتماعية وقد يسر هذا الواقع الجديد للأفراد إمكانات انتاج الخطابات والرسائل والمشاركة في الاتصال العمومي وبذلك بدأ تشكيل فضاء عمومي أكثر انفتاحا يتم فيه التحاور والمناقشة وتبادل الآراء فيما يتعلق بقضايا الشأن العام ومختلف قضايا المجتمع . أضحت صحافة المواطن أن تكون شاهداً على انتصار التفكير الديمقراطي, وتغييب حالة الشك والريبة وقلة الثقة التي أصبحت الفكرة السائدة لدى المواطن في تقييمه لأداء وسائل الإعلام التقليدية, كل ذلك ضمن فلسفة تشاركيه تؤمنها وسائل إعلام المواطن, فيجب أن يأخذ مفهوم صحافة المواطن بعدًا أعمق من مجرّد إنشاء مدونة على الإنترنت و فتح حساب على تويتر ونشر صور ومضامين وتنظيم عمليات إنتاج محتوى معقّد، ووضع خطط إستراتيجية للتواصل، ومن هنا تظهر حاجة ماسة إلى أصوات مستقلة تبرع في سرد الأخبار اليومية على قنوات الوسائل الإعلامية التي يستمع إليها الناس ويتميز هذا الواقع الجديد بزوال الفواصل بين الاتصال الجماهيري والاتصال الشخصي ليبرز نمط اتصال جديد يقوم على التفاعل الحر المباشر.

وأصبح بإمكان كل العالم أن يبث على نحو جماهيري, أي على نحو تكون فيه وسائل الاتصال الجماهيري وسائل اتصال جماهيري فردية, لذلك شرعت عديد بلدان العالم منذ بعض سنوات في تعديل القوانين الأساسية وصياغة قوانين جديدة للاتصالات تكرس التغيير الحاصل في مفهوم دور الدولة في تنظيم قطاعات الاتصال والمعلومات وإدارتها وفي تنظيم مسالك التواصل والاحترام المتبادل وحقوق الملكية الفكرية للجميع( )وقد وصفت المجتمعات الحديثة من هذا المنطلق محور الإصلاح والتشريع والتنظيم ضمن تمشيها الرامي إلى تطوير مجتمع الاتصال والمعلومات, أخذة بعين الاعتبار الحاجة إلى تكييف قطاع الاتصال والمعلومات وما يقتضيه ذلك من الأطراف المعنية من مسايرة التوجه العالمي مع مراعاة طبيعة المحيط المؤسساتي الخاص بها وتنامي الدعوات إلى إرساء ديمقراطية معلوماتية تداولية.

أن تبادر المؤسسات الإعلامية الفلسطينية في هذا السياق كغيرها من البلدان بتعديل القوانين الأساسية وصياغة قوانين جديدة للاتصالات, تكرس التغير الحاصل في مفهوم دور الدولة في تنظيم قطاعات الاتصال والمعلومات وإدارتها, وفي تأمين مسالك التواصل والاحترام المتبادل وحقوق الملكية الفكرية بين الجميع, وأن يتسم القانون الجديد بشمولية, وانفتاحه على مختلف مجالات الحياة, كون الاعتماد على انتاجات صحافة المواطن بات واضحاً إذا لم تتوفر لدى قسم الأخبار إمكانية تغطية حدث ما فيكون هنا التكامل بين النوعين من وسائل الإعلام التقليدية والحديثة ليتحول الواقع الإعلامي الحالي إلى ما يمكن تسميته "الإعلام المندمج المتكامل".

فهل من سبيل لطرح نموذج اتصالي جديد يتماشى والواقع الجديد؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد