انتهت دورة المجلس الوطني الثالثة والعشرون بانتخاب لجنة تنفيذية جديدة وتسمية عدد من أعضاء المجلس المركزي الجديد، ورغم الطريقة المأساوية التي أديرت بها وخاصة التي صاحبت شطب واختيار الأعضاء بطريقة حتى أدت إلى تحفظ بعض أعضاء اللجنة المركزية لحركة «فتح» وإقدام أحد الأعضاء وهو د. ناصر القدوة على تقديم الاستقالة، إلا أن المشكلة لا تكمن هنا فقط، فمقاطعة الجبهة الشعبية ورفض حركتي « حماس » و «الجهاد الإسلامي» حضور اجتماعات المجلس الوطني يمكن معالجتها بعقد دورة جديدة بعد الاتفاق مع الفصائل. ولكن المشكلة هي أن دورة المجلس الوطني على ما يبدو ستكون علامة فاصلة وستؤرخ لمرحلة جديدة مأساوية في التاريخ الوطني الفلسطيني، ليس المجلس الوطني بالضرورة هو من يتحمل مسؤوليتها.


بالرغم من الانقسام هناك وحدة حال في التعاطي مع القضية الوطنية من الجانب السلبي. فحركة «حماس» ترفض تطبيق اتفاق المصالحة في الشق المتعلق بتوفير الشروط لحكومة التوافق للاضطلاع بمسؤولياتها في قطاع غزة ولا تزال تصر على الاحتفاظ بالسيطرة على أهم المفاصل في القطاع، والمحاولات التي بذلها مسؤول قطاع غزة يحيى السنوار ومجموعته على ما يظهر لم تلق تجاوباً كافياً من قيادات «حماس» التي لم تتنازل عن حلم حكم غزة. وفي نفس الوقت وللانصاف لم يلق أيضاً التشجيع من قبل القيادة الفلسطينية في رام الله التي وضعته أمام خيار الأبيض والأسود. واليوم ترى «حماس» في انعقاد المجلس الوطني بدونها فرصة ذهبية للتنصل من الأطر الوطنية واستحقاق الوحدة الوطنية والذهاب نحو خيار انقاذ الذات على حساب المشروع الوطني بالذهاب نحو التفاهم مع إسرائيل مباشرة للاتفاق معها على هدنة طويلة مقابل تمكينها في غزة في إطار صفقة تشمل كذلك تبادلاً للأسرى.


صحيح أن مسألة الهدنة الطويلة ليست جديدة، ولكنها الآن تطرح في سياق آخر أكثر خطورة، وهو يمكن أن يكون تطبيقاً فعلياً ل صفقة القرن التي تقوم على شطب مسألتي القدس واللاجئين وتحويل الدولة الفلسطينية إلى دولة غزة فقط، وتقاسم وظيفي وشكل من أشكال الحكم الذاتي في الضفة بعد استكمال مشروع الأستيطان وتقسيم الضفة إلى كانتونات معزولة مرتبطة بأنفاق أو جسور استيلاء إسرائيل على قسم مهم من مناطق (ج) وضمها إليها.


في الواقع هروب «حماس» إلى الأمام يرافقه سياسة رسمية تكرس موضوع فصل غزة عن الضفة عبر الإجراءات العقابية المختلفة وليس آخرها قطع الرواتب. فهذه السياسة وإن كانت تستهدف الضغط على «حماس» ودفع الناس إلى الانفجار في وجهها إلا أنها فعلياً تساعد المجتمع الدولي على التعاطي مع غزة بصورة منفصلة باعتباره كياناً قائماً بذاته، ويخطئ من يعتقد أن المجتمع الدولي سيسمح للسلطة أن تقطع الرواتب والمخصصات والمساعدات عن غزة، وإذا حدث هذا بالفعل سيجد المانحون وسيلة لإيصال الأموال لغزة بطرق مختلفة بعيداً عن السلطة، وهناك آليات كثيرة لذلك، منها الأمم المتحدة على سبيل المثال. وربما سنشهد في الفترة القادمة تفاعلات دولية بشأن التعاطي مع غزة تحت عنوان «منع الانفجار» وحل المشكلات الإنسانية المتفاقمة. 


«حماس» الآن تقول بوضوح أنها ضد قبول المبدأ الذي أعلن عنه الرئيس أبو مازن، وهو إما أن يسلموا كل شيء للسلطة وتتحمل هي المسؤولية أو أن يتحملوا هم المسؤولية الكاملة. وهي تفضل الخيار الثاني في ظل توقع أن العالم لن يترك غزة لمصيرها، وفي ظل النجاح في إبراز مسيرات العودة السلمية كوسيلة للانفجار في وجه إسرائيل بدلاً من الانفجار في وجه «حماس». وحتى لو اضطرت «حماس» إلى المبادرة بحرب مع إسرائيل لن تترك المجال لتفجر الوضع الداخلي. وهي تقول أنها تريد شراكة غير متوفرة في القرارات الحالية. وأنها تدير حوارات أو مفاوضات مع إسرائيل، وليست بحاجة لوسطاء لكي تفعل ذلك. كما تم تسريب الرسائل التي وجهتها «حماس» لإسرائيل.


المستفيد الأكبر مما يجري في الوضع الداخلي الفلسطيني وفي العلاقة مع الولايات المتحدة وحتى في التحولات في العالم العربي هي إسرائيل بلا شك، فكل هذه التطورات تخدم مشروعها وتمنحها فسحة الوقت التي تحتاج للقضاء على فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة، وهذه المرة بإرادة فلسطينية وبقرارات تساعدها على التملص من أي استحقاق سياسي يفرضه القانون والمقررات الدولية. وليس مهماً ما نقول من باب ترديد الشعارات والمقولات الوطنية الكبيرة والعظيمة، بل ما هي خطواتنا الفعلية للتصدي للمؤامرات وإفشالها.


للأسف شهد المجلس الوطني نقاشات وصراعات على العضوية والمواقع أكثر بكثير من البحث في موضوع التحديات والمخاطر المحدقة بالقضية الوطنية من كيفية مواجهة السياستين الأميركية والإسرائيلية ونحن على اعتاب نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس والتي سيتبعها نقل لسفارات دول أخرى، وذكرى النكبة وما حل بالشعب الفلسطيني من جرائم وويلات لا تزال قائمة ومستمرة ومتصاعدة برغم مرور سبعين عاماً على هذه المأساة. وعلى النقيض «حماس» تشعر بالسعادة لتحررها من عبء الوحدة وتشعر أن يدها طليقة في الاتفاق مع إسرائيل على ما يمكنها من الخلاص الذاتي. وفي هذا السياق الكل يقول كلاماً جميلاً لا يصدقه الفعل الحقيقي على الأرض.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد