هل تدفع إسرائيل في اتجاه انتفاضة فلسطينية جديدة؟

84-TRIAL- رام الله /سوا / يوم 12 تموز (يوليو)، اختُطف ثلاثة مراهقين إسرائيليين، وأسفر ذلك الحَدث عن عملية عقاب جماعي في حق الفلسطينيين في كامل المناطق الفلسطينية المحتلة. وقد شن الجنود الإسرائيليون حملة مطاردة من أجل العثور على الأولاد، والتي قاموا خلالها بنهب آلاف البيوت -وتم العثور على جثث الأولاد الثلاثة بعد أسبوعين ونصف من ذلك. كان نفتالي فرينكل، جلعاد شعار، وإيال يفراخ قد قُتلوا بالرصاص بعد وقت قصير من اختطافهم.
ونشر موقع ميدل إيست مونيتور تقريرا قال فيه :"أطلق مقتل هؤلاء المرافقين العنان لصيف من النار التي ما تزال تشتعل بقوة عبر كامل مناطق القدس الشرقية، والضفة الغربية وقطاع غزة . ومن دون أي علامة على التراجع، تصبح الشكوك والمخاوف إزاء اندلاع انتفاضة فلسطينية جديدة أقوى باطراد. وسواء كانت الأحداث الحالية ستشعل انتفاضة أم لا، فإن إسرائيل تبدو عاكفة بدأب على إذكاء الجذوة".
الأسبوع الذي بدأ بجنازات المراهقين الإسرائيليين الثلاثة، انتهى بجنازة صبي فلسطيني. فقد تم اكتشاف الجثة المتفحمة بشدة للفتى محمد أبو خضير البالغ من العمر 16 عاماً من القدس الشرقية، يوم 2 تموز (يوليو) بعد أن اختطفه متطرفون إسرائيليون وأحرقوه انتقاماً لمقتل المراهقين الإسرائيليين الثلاثة. وبعد جنازته، احتج المتظاهرون في شوارع القدس الشرقية مطالبين بالعدالة والتغيير. وبحلول ذلك الوقت، كانت محادثات السلام التي توسطت فيها الولايات المتحدة قد انهارت مُسبقاً، وسط استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات، مما أفضى إلى قتل أي أمل في وضع حد لهذا الوضع عن طريق الوسائل الدبلوماسية.
بعد أيام فقط، بدأت إسرائيل عدوانها العسكري على قطاع غزة. وأفضى شن "عملية الجرف الصامد" إلى ما وصفه البعض بأنه أقوى وأكثر الانتفاضات ديمومة، والتي قام بها سكان المدينة الفلسطينيون في عقد كامل. وخلال هذه الاحتجاجات، تعرض الفتى محمد سنقرط (16 عاماً) إلى إطلاق النار على رأسه برصاصة ذات رأس إسفنجي، ثم توفي متأثراً بجراحه بعد أسبوع من ذلك.
منذ اختطاف محمد أبو خضير وحتى التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة بعد نحو 56 يوماً، قامت السلطات الإسرائيلية باعتقال نحو 727 شخصاً من القدس الشرقية، ويُعتقد أن 260 منهم هم تحت سنّ 18 عاماً، والذين وُجِهت إلى معظمهم تهمة رمي الحجارة والمشاركة في الاحتجاجات.
بعد ذلك، شهد شهرا تشرين الأول (أكتوبر) وتشرين الثاني (نوفمبر) سلسلة من حوادث الصدم بالسيارات التي نفذها فلسطينيون، وأودت بحياة عدد من الإسرائيليين، من بينهم شرطي من حرس الحدود ورضيع -والتي أطلقت عليها صحيفة نيويورك تايمز اسم "انتفاضة الدهس". ويوم العاشر من تشرين الثاني (نوفمبر) أدت حادثتا طعن في اليوم نفسه إلى مقتل جندي إسرائيلي في تل أبيب وامرأة في الضفة الغربية. وتم اغتيال معظم المشتبه خارج نطاق القضاء وبلا محاكمة. واختارت إسرائيل العودة إلى سياسة "هدم المنازل العقابية" للمزيد من معاقبة منفذي العمليات وأسرهم.
كان هذا كله يحدث على خلفية مطالب اليهود المتجددة بالمسجد الأقصى. ويدّعي اليهود الإسرائيليون أن المسجد يقع مباشرة فوق موقع معبد جبل الهيكل، وهو أقدس موقع في اليهودية، رغم أن العديد من الحاخامات، بمن فيهم الحاخامية الكبرى في إسرائيل، يعتقدون بأن دخول الأقصى، ثالث أقدس موقع في الإسلام، هو انتهاك للقانون اليهودي. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، كشف عضو عربي في الكنيست أنه لن يكون هناك تصويت على القانون الذي صاغته لجنة إسرائيلية بشأن تقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود. وقد اجتاحت المصادمات الموقع المقدس المُبتلى أكثر من أي وقت مضى في الآونة الأخيرة.
في 29 تشرين الأول (أكتوبر) حاول فلسطيني على دراجة نارية اغتيال اليميني الأميركي المولد، يهودا غليك، المتحدث باسم مجموعات إسرائيلية تدعو إلى وصول يهودي أكبر لجبل الهيكل. وبعد يوم من ذلك، تم إغلاق الأقصى في وجه المصلين لأول مرة منذ العام 1967. وفي 16 تشرين الثاني (نوفمبر)، تم العثور على رجل فلسطيني من القدس الشرقية مشنوقاً في حافلة، وقال زملاؤه إن ستة من المستوطنين المتطرفين هم الذين قتلوه. وقد تناقض ذلك مع الرواية الرسمية الإسرائيلية التي تحدثت عن انتحار الضحية، والتي رفضتها بقوة عائلة الرجل والعديد من الفلسطينيين الذين خرجوا إلى شوارع القدس الشرقية احتجاجاً على ذلك.
وبعد يومين، في كنيس يهودي في القدس الغربية، قتل أربعة حاخامات إسرائيليين وشرطي خلال صلاة الصبح. وقُتل اثنان من المهاجمين الفلسطينيين، أبناء عمومة من القدس الشرقية، في مكان الحادث.
وجاءت الهجمات الانتقامية وجرائم الكراهية الموجهة ضد الفلسطينيين في أعقاب الهجوم على الكنيس، فأطلق أحد المستوطنين النار على صبي يبلغ من العمر 16 عاماً. ثم دهست سيارة امرأة فلسطينية. وبدلاً من السعي إلى تخفيف التوترات، خففت إسرائيل تعليمات حيازة السلاح لمواطنيها بذريعة الدفاع عن النفس.
بعد سنوات من الإحباط، عملت شتى أنواع الحوادث المختلفة لتكون بمثابة نقاط التحول التي أشعلت الانتفاضتين الأولى والثانية. وغالباً ما تُعزى الانتفاضة الأولى إلى مقتل ستة مدنيين فلسطينيين دهساً بسيارة جيب أسرائيلية، والقتل اللاحق لفتى بعمر 17 عاماً على يد ضابط إسرائيلي أطلق النار على حشد من الفلسطينيين المحتجين. لكن الانتفاضة كانت مع ذلك رد فعل على 20 عاما من الاحتلال الإسرائيلي -20 عاماً من الحرمان والتدهور والإحباط.
زيارة أرييل شارون إلى الأقصى، تحيط به قوة أمنية قوامها 1.000 رجل، كانت السبب الذي أشعل لهيب الانتفاضة الثانية. وعلى خلفية سنوات من المفاوضات الفاشلة، كان ذلك الحدث هو القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للفلسطينيين المحبطين والمضطهدين، الذين لم يشهدوا من اتفاقات أوسلو سوى التنازلات فقط.
كان الصيف الأخير في الأراضي الفلسطينية المحتلة مليئاً بـ"نقاط التحول" المحتملة. ولا يعني هذا العرض بالضرورة أن يكون قائمة شاملة لها كلها، ولكنه يبرز فقط بعض الحوادث التي يمكن أن تكون قد وحدت الفلسطينيين في انتفاضة جماهيرية مستمرة وجماعية. وإذا ما أضيفت إلى استمرار العقاب الجماعي والسياسات التمييزية الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين؛ والمفاوضات الفاشلة؛ والقصف المدمر لغزة، والمطالبات اليهودية بالأقصى، فإنها تصبح مزيجاً قابلاً تماماً للانفجار.
تبدو إسرائيل بالتأكيد عازمة وعاكفة على ضغط الأزرار المناسبة لإشعال انتفاضة فلسطينية. وإذا ما نجحت في ذلك، فإنها ستعمد على نحو شبه مؤكد إلى استخدام التعبيرات الفلسطينية عن الإحباط، سواء كان ذلك في شكل الصواريخ أو الاحتجاجات، أو حتى حوادث الصدم بالسيارات، لكي تقوم بسحق السكان الفلسطينيين بوحشية تحت شعار "الدفاع عن النفس"، مرة أخرى. 39
اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد