القصف الذي تعرضت له مواقع سورية في حماة وحلب ليل الأحد/ الإثنين الماضي، يقال أنه قصف إسرائيلي هو الأعنف منذ عام 1982على سورية، وقد أوقع - حسب تقديرات صحفية- 26 قتيلاً معظمهم إيرانيون وقوات موالية للجيش السوري. وتقول المصادر الإسرائيلية غير الرسمية أن القصف استهدف قاعدة إيرانية ومخازن للصواريخ البالستية المتطورة والمعدة لقصف إسرائيل رداً على القصف الإسرائيلي لقادة التيفور قرب "حمص" في التاسع من نيسان الماضي قبل أيام قليلة من العدوان الثلاثي على سورية. ولا يزال الغموض يكتنف الغارة ونتائجها وخاصة في ظل نفي إيران للمعلومات حول قصف قاعدة إيرانية أو مقتل جنود إيرانيين.


في كل الأحوال جاءت الغارة في وقت نجحت فيه إسرائيل في تحريض الولايات المتحدة ضد الإتفاق النووي الإيراني- الدولي، وحديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تعديل الإتفاق أو الإنسحاب منه، وقبل أيام قليلة من الموعد الذي يقرر فيه ترامب مصير الإتفاق من ناحية الولايات المتحدة: هل تنسحب منه أم لا، في حال رفضت إيران هو ترفض بالفعل أي تعديل على الإتفاق ليشمل برنامج الصواريخ البالستية والتدخل الإيراني في بعض الصراعات في المنطقة. ولا شك أن ما كشف عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من معلومات يدعي حصول إسرائيل عليها حول البرنامج النووي العسكري الإيراني، وإستمرار إيران بالإحتفاظ بهذا البرنامج وتطويره بعيدأ عن أعين الرقابة الدولية، هو جزء من خطة إسرائيلية لاستهداف الوجود الإيراني في سورية والمنطقة.


مشكلة الكشف الإسرائيلي أنه لا أحد يشتريه على ما يبدو سوى الولايات المتحدة الأميركية التي تحمل نفس الموقف، فأوروبا لا ترى في المعلومات التي كشفت عنها إسرائيل أي دليل على خرق إيران للإتفاق، والخارجية الفرنسية أعلنت أن ما قاله نتنياهو يؤكد أهمية الحفاظ على الإتفاق مع إيران وقالت أن هذه المعلومات ليست جديدة وهي كانت لدى الاستخبارات الفرنسية منذ العام 2002 وأنها تشكل الدافع لتوقيع إتفاق مع إيران، مع أن فرنسا يريد تعزيز الإتفاق ليشمل الصواريخ البالستية ودور إيران في المنطقة وهي تعارض بشدة فكرة إلغاء الإتفاق. والوكالة الدولية للطاقة الذرية لا مؤشرات ذات مصداقية على وجود برنامج نووي إيراني بعد العام 2009.


وما يعني إسرائيل أكثر من أي شيء آخر هو خروج أميركا من الإتفاق مع إيران وتصدع الجبهة الدولية المؤيدة للحفاظ على الإتفاق النووي، واطلاق يد إسرائيل في مهاجمة إيران وبالذات المنشآت النووية ومنشآت تطوير الصواريخ. وإذا نفذ ترامب تهديده بالإنسحاب من الإتفاق فهذا سيخدم التوجهات الإسرائيلية بالذهاب بشكل متسارع نحو حرب مع إيران ستتجاوز مجرد التواجد العسكري الأإيراني في سورية. فإسرائيل لا تريد بأي حال أن تمتلك أية دولة في المنطقة قدرات نووية أو صاروخية ماعداها. وهذا يعيد إلأى الأذهان قيام إسرائيل بتدمير المفاعلين النوويين في كل من العراق وسورية، وسعيها الدؤوب ضد امتلاك مصر لمشروع نووي حتى لو كان للأغراض السلمية، وقد قامت في هذا السياق باغتيال عدد من علماء الذرة من عراقيين ومصريين وعرب آخرين وإيرانيين. ويمثل الموقف الأميركي الذي يتبناه ترامب نجاحاً ملحوظاً للسياسة الإسرائيلية ضد إيران.


لكن النجاحات الإسرائيلية يقابلها إخفاقات قد لا تعيق في هذه المرحلة تقدم المشروع الحربي ضد إيران. فالقصف على المواقع السورية يستفز روسيا كثيراً خاصة وأنها حذرت إسرائيل من أي انتهاك للسيادة السورية وسيسرع بلا شك تزويد سورية بأنظمة صواريخ حديثة للتصدي لأي عدوان إسرائيلي جديد. والتهديد الذي أطلقه وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بضرب صواريخ أس 300 في حال تعرضها للطائرات الإسرائيلية قوبل بتحذير روسي آخر أكثر شدة بأنه سيترتب على أي عدوان إسرائيلي ضد منظومات الصواريخ ردود تفوق ما يمكن ان تفعله هذه الصواريخ، ربما في إشارة لأنظمة أحدث أو تدخل روسي مباشر. وليس واضحاً ما الذي سيقوله الروس للإسرائيليين إذا ما تأكدوا أن إسرائيل هي التي قامت بالقصف. 


إسرائيل تسابق الزمن للقيام بتدمير القدرات الإيرانية وهي تريد أن يتم ذلك بأسرع وقت قبل أن تتغير قواعد اللعب بشكل جوهري بعد حصول سورية على المنظومات الصاروخية المتطورة، وحتى لا تستطيع إيران أن تستخدم الأراضي السورية واللبنانية للرد على إسرائيل دون أن تستطيع الأخيرة منع الهجوم الإيراني أو الرد عليه سريعاً بتدمير قواعد الصواريخ  والقوات الإيرانية في سورية وضرب لبنان بشدة.


وفي هذا الإطار سجل نتنياهو لنفسه انجازاً جديداً بتغيير نظام عمل الحكومة والحصول على مصادقة الكنيست على تعديل للقانون الذي كان يمنع أي رئيس حكومة من الإعلان عن حرب بدون موافقة الحكومة. وبعد التغيير الجديد يستطيع رئيس الحكومة ووزير حربه فقط أن يعلنا الحرب دون الرجوع للحكومة في وقت الضرورة، وهذا أكثر من التعديل الذي كان يطالب به في السابق وهو منح المجلس الوزاري الأمني المصغر رخصة القرار بالحرب.  وهذا على ما يبدو مرتبط بشكل أساسي بالملف الإيراني وبنوايا نتنياهو الذي يريد مباغتة الإسرائيليين والعالم بعدوان على إيران بدعم أميركي واضح. ولكن لكل سيناريو هناك محاذير ونتائج قد لا تكون بالحسبان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد