أملت إسرائيل أن تشن الولايات المتحدة وحليفاتها في الغرب هجوماً كاسحاً على سورية يؤدي إلى ضرب الجيش السوري وإضعافه وخاصة في مجال الدفاع الجوي، ويملي على سورية وروسيا قواعد لعبة جديدة فيما يتعلق بالوجود الإيراني في سورية. ولكن حجم الضربة المحدود والتصدي السوري الناجح لها خيب آمال القيادة الإسرائيلية، ليس هذا فحسب بل زادها خشية من أن تدفع الثمن لهذا الفعل الهزيل والذي لا يرقى إلى المستوى المأمول إسرائيلياً. وعلى ما يبدو أن هذه النتيجة المزعجة جاءت بسبب تصميم روسيا على عدم السماح بايقاع الأذى بالقدرات السورية، خصوصاً وأن الهجوم جاء على خلفية الانتصارات التي حققها الجيش السوري ضد جبهة النصرة المدعومة إسرائيلياً ومن جهات غربية وضد فصائل إرهابية أخرى تجتمع على دعمها دول غربية وعربية.


 الهدف الإسرائيلي كان ولا يزال تدمير سورية وتمزيقها وإخراجها من معادلة الصراع مع إسرائيل كباقي الدول العربية المركزية، على غرار ما حصل مع العراق والمحاولات الجارية في مصر والتي تحولت بعد سقوط نظام «الإخوان المسلمين» برئاسة محمد مرسي. ومع فقدان الأمل في تمزيق سورية بعد انتصارات الجيش السوري وعملية استرداد الأراضي التي فقدها خلال الحرب المستمرة منذ سبعة أعوام، تقلصت التطلعات الإسرائيلية إلى ضمان إبعاد إيران عن حدودها مع سورية ومع الجولان المحتل لمسافة بعيدة لا تقل عن 40 كليومتراً، وعدم السماح ببناء قواعد إيرانية أو مصانع للصواريخ في سورية وعدم السماح كذلك بانتشار «حزب الله» في تلك المناطق ومنع نقل الأسلحة إلى قوات الحزب في لبنان.


 اليوم بعد العدوان الثلاثي على سورية تشعر إسرائيل بأن النتائج المحتملة والمترتبة عليه ستكون تزويد سورية بأنظمة دفاع جوي أكثر تطوراً ربما صواريخ أس 300 وحتى أس 400 حسب تقديرات الجانب الروسي الذي بات يشعر بأهمية تمكين الجيش السوري من التصدي لأي اعتداء عليه في المستقبل. وإذا حصل ذلك ستفقد إسرائيل ما تسميه حرية العمل في سورية أي حرية استباحة الأجواء والأراضي والسيادة السورية. وهذا يعني باختصار حرية الحركة لإيران بالانتشار وبناء القواعد وجلب أو إنتاج الصواريخ في سورية وأيضاً تسليح «حزب الله». أي تغيير قواعد اللعبة والتوازنات في المنطقة كلها. ولهذا السبب نجد وزير الأمن( الدفاع) الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان يصرح بأن إسرائيل لن تقبل بأن تقيد روسيا تحركاتها في سورية، وأنها لن تقبل اية قيود فيما يتعلق بمصالحها الأمنية، وذلك في إطار التعقيب على توجيه اللوم وربما التحذير لإسرائيل لقيامها بالهجوم على مطار تي 4 الذي قتل فيه ستة إيرانيين. فما بالنا لو منعت سورية بقوة النيران إسرائيل من العمل في سورية. وهناك مشكلة كبرى أخرى تهدد بتغير المعادلة كذلك وهي انسحاب القوات الأميركية من سورية- حسب اعلانات الرئيس دونالد ترامب.


وفي غزة تواجه إسرائيل مشكلة من نوع آخر تفقدها القدرة على العمل، وهذه المشكلة تكمن في إجماع الشعب والفصائل على العمل الشعبي السلمي المتمثل في مسيرات العودة على الحدود. ومثل هذا الفعل الشعبي الواسع يجعل إسرائيل في وضع لا تستطيع معه مواجهة الجموع الهائلة من المواطنين الفلسطينيين الذين يناضلون بطرق سلمية وبدون أي شكل من أشكال العنف وبأجسادهم من أجل كرامتهم وحريتهم وحقوقهم المشروعة. وعندما حاولت إسرائيل ردع الجماهير باستخدام النيران الحية المكثفة التي أطلقت على المتظاهرين في الجمعة الأولى تعرضت لسيل من الانتقادات الدولية عدا عن الانقسامات التي حصلت داخلها، وهي لم تستطع التأثير على حركة الناس بل أدى العدوان الإسرائيلي إلى نتائج عكسية وتصميم أكبر لدى المواطنين لمواصلة هذا الأسلوب من الكفاح الذي يمنع إسرائيل فعلياً من شن حرب دموية على غزة والاعتداء على الفصائل هناك. لقد فهم الجميع قوة النضال الشعبي السلمي وأبرزوه شوكة في حلق الاحتلال الذي لا يزال يتخبط في كيفية التعامل مع المشكلة الجديدة.


مواجهات غزة تمثل درساً عظيماً في قوة الحراك الشعبي الواسع ويعيدنا إلى مربع الفعل الإيجابي الفعال والمثمر وإلى تجربة الانتفاضة الأولى المجيدة في عام 1987، ولكن هذا الدرس إذا لم يعمم ويشمل كل أرجاء الوطن المحتل في الضفة و القدس لن تكون آثاره كما نريد وكما يريد الشعب الثائر. وبالفعل هناك حاجة لتطوير آليات جديدة للكفاح السلمي تشمل التظاهرات الضخمة والاعتصامات الكبرى بما في ذلك إغلاق الشوارع المركزية في وجه المستوطنين، والبناء في مناطق(ج) على غرار قرية «باب الشمس» في محافظة أريحا وغيرها من مشاريع المقاومة الشعبية، وتحركات أخرى تجعل الاحتلال مكلفاً. وأيضاً الحركة السياسية والدبلوماسية لمقاطعة المستوطنات وفرض العقوبات عليها وعلى منتجاتها، وتوسيع الاعتراف بدولة فلسطين في حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووضع برنامج تفصيلي يتقدم خطوة خطوة على بناء وتكريس دولة فلسطين في كامل الأراضي المحتلة. وكل هذا يعتبر مجرد شعارات أو عملاً ناقصاً ومجزوءاً إذا لم تتحقق الوحدة الوطنية الفلسطينية وينتهي الانقسام، ولن ننجح بإقناع الأطراف الخارجية لتقديم الدعم الكافي لنا إذا لم نقم بما هو مطلوب منا أولاً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد