من شاهد اجتماع مجلس الأمن ليلة الثلاثاء في النقاش الذي دار حول الهجوم الكيماوي المزعوم الذي شنه الجيش السوري على دوما في الغوطة الشرقية يكتشف بسرعة إلى أي مدى أصبحت المؤسسة الدولية مسرح لألعاب القوى العظمى بعيداً عن القانون والعدالة الدوليين وبعيداً عن الحفاظ على مصالح الشعوب، و يراد منها تصفية حسابات بين الدول الكبرى على خلفية مصالح استعمارية ضيقة،فيما يشبه المسرحية المأساوية المحزنة والمبكية، وكل هذا يجري تحت عنوان الإنسانية والحفاظ على حياة وحقوق البشر ومنعاً لارتكاب جرائم ضد الإنسانية.


الدول الغربية الدائمة العضوية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا تريد معاقبة الدولة السورية وحلفائها وخاصة روسيا بسبب هزيمة حلفائها في الغوطة الشرقية واضطرارهم لمغادرة المنطقة وهم يجرون أذيال الخيبة والانكسار المر، والفشل الذي لحق بمشروع الإستثمار في مجموعات إرهابية كانت مدعومة من هذه الدول بالإضافة إلى إسرائيل وبعض الدول العربية وعلى رأسها قطر. والمسألة الآن تدور حول كيفية ضرب دمشق والقوات السورية التي نجحت في إفشال خطة تمزيق وتقسيم سورية. والمداخلات التي أسمعت في إجتماع مجلس الأمن تركز على اتخاذ موقف مسبق من القيادة السورية بغض النظر عن حقيقة شن هجوم كيماوي من عدمه.

وهذا على الأقل ما عبرت عنه الإدارة الأميركية من خلال الرئيس دونالد ترامب ووزرائه والسفيرة الأميركية في الأمم المتحدة التي قالت أن واشنطن تتعهد بالرد على النظام السوري مهما كان موقف مجلس الأمن.


الغريب أن بعض الدول لا تريد التحقيق في حقيقة ما جرى حيث أن الخبراء الروس ينفون بشكل قاطع حدوث هجوم كيماوي ويطالبون بوصول لجنة تحقيق من المنظمة الدولية الخاصة بحظر الأسحة الكيماوية، واميركا تستعد لمهاجمة سورية والرئيس ترامب ألغى رحلته إلى أميركا اللاتينية بسبب الوضع في سورية واجتمع مع القادة العسكريين الأميركيين للاستعداد للضربة العسكرية على دمشق على الرغم من التهديدات الروسية بالعواقب الوخيمة لمثل هذه الضربة أو الاستفزازات الأميركية. ولا يبدو أن أي قرار من مجلس الأمن سيكون مانعاً لتصعيد الموقف خاصة وأن أميركا وروسيا تقدمتا بمشروعي قرارين مختلفين حيث تطالب روسيا بتعديل القرار الاميركي وتريد إرسال لجنة تحقيق دولية للتأكد من المزاعم الغربية.


سوريا تأخذ التهديد الأميركي على محمل الجد وبدأت بإعادة انتشار لقواتها ولأسلحتها ومسؤوليها تحسباً للضربة الأميركية وربما الغربية التي تشمل الحلف الأطلسي. والسؤال هنا هل يتسبب الجنون الأميركي بحرب كونية جديدة أم أن الأمر سيكون على طريقة قصف مطار الشعيرات العام الماضي ؟، وأياً كان حجم الهجوم فمن المتوقع أن تتصدى المضادات الروسية للصواريخ الأميركية وربما الطيران الغربي تجنباً لضربة ساحقة تنهي المكاسب الروسية والسورية بعد حرب دامت سبع سنوات.


ونحن نشاهد ما يحدث في مجلس الأمن نستغرب هذا الانقضاض على سورية المنتصرة على مشروع التقسيم بينما لم يحرك أحد ساكناً عندما كانت طائرات التحالف الدولي تهاجم الرقة وتقتل مئات المدنيين الأبرياء بحجة مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» التي هي من صنع الغرب وتسويقه. ولكن ربما هناك فرق بين المواطن السوري الذي يقتل بنيران قوات التحالف والقوى الإرهابية وبين المواطن الذي يقتل على يد قوات الجيش السوري وحلفائه في الحرب الشرسة التي يخوضها لمنع انتصار الإرهاب.


لا أحد يمكنه أن يدافع عن قتل المدنيين السوريين أو في أي مكان في العالم، ولكن يجب أن يكون هناك مكيال واحد للتعامل مع الجرائم ضد البشر. فقبل أيام رفضت الولايات المتحدة نفسها إصدار بيان يدين العدوان الإسرائيلي على المواطنين الفلسطينيين العزل الذي يتظاهرون بشكل سلمي مطلق ويتعرضون لوابل من النيران الإسرائيلية، بل وترفض واشنطن مجرد إرسال لجنة تحقيق في هذه الأحداث. وطالما يتعلق الأمر بحلفاء الولايات المتحدة فهم محميون بغطاء دولي وفيتو أميركي جاهز لإثبات الإزدواجية في المعايير الدولية في التعاطي مع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فهل المواطن الفلسطيني هو أقل شأناً من أي إنسان آخر في هذا الكون عندما تنتهك حقوقه وتعتدي عليه إسرائيل وتمارس بحقه جريمة حرب تستوجب المحاسبة؟ وهل الإحتلال الإسرائيلي شرعي وينسجم مع القواعد الدولية وحقوق الأنسان التي تدافع عنها الولايات المتحدة في سورية؟! وربما يكون العدوان الإسرائيلي على سورية وقتل مدنيين وعسكريين أيضاً ينسجم مع القواعد الدولية السليمة؟


قد نكون في هذه الأيام شهودا لحرب دموية جديدة على سورية لتدمير ما تبقى منها بحجة الأسلحة الكيماوية كما دمر الغرب العراق تحت نفس الحجة وعلى أرضية أكاذيب فاقعة أكتشفت بعد فوات الأوان كانت بريطانيا وأميركا ودول شركاء فيها وحظوا بغطاء مجلس الأمن. ولكن هذه المرة لن يغطي مجلس الأمن مثل هذه الجريمة بسبب الموقف الروسي الحازم. ومع ذلك هذا لا يردع إدارة ترامب التي استبدلت كل العقلاء بالأكثر تطرفاً وتشدداً ليكونوا على قلب رجل واحد مع زعيمهم الذي ي فتح حروباً مع أصدقاء الولايات المتحدة وخصومها على السواء، ويهدد بحروب دولية تجارية وسياسية وربما عسكرية. فأي عالم هذا الذي يقوده المجانين، وهل من سبيل لإنهاء هذا الوضع الشاذ؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد