دون صدى تذهب شكاوى إسرائيل من التلوث البيئي، الذي ينجم عن إشعال آلاف الإطارات، فالفلسطينيون لم يستخدموا الكيماوي أو أي سلاح شرعي أو غير شرعي. يتناسَى المسؤولون في إسرائيل أنهم استخدموا القار (الزفت) والزيوت المحروقة، إبّان الانتفاضة الشعبية الكبرى العام 1987. 


القوات الإسرائيلية المحتلة آنذاك قامت بطلاء كل جدران شارع عمر المختار بذريعة منع النشطاء من الكتابة عليها، ولكنها لم تراع الآثار البيئية والصحية التي تترتب عن ذلك العمل. استخدم نشطاء الانتفاضة آنذاك وسائل نضالية أخرى لمواجهة العدوانية الإسرائيلية، لكن إسرائيل اليوم تستخدم السلاح الناري، في مواجهة هذا الشكل من أشكال المقاومة الشعبية السلمية، فيسقط نحو عشرة شهداء، ويصاب ما يقرب من ألف وخمسمائة مواطن فلسطيني.


لم يستخدم هؤلاء الضحايا لا السلاح الناري ولا السلاح الأبيض ولا حتى استخدموا الحجارة، أو اقتربوا من السياج الحدودي، لكنهم في كل الأحوال كانوا يتوقعون ما تعرضوا إليه، لأنهم يدركون، بأن الإرهاب والعنف هو من طبيعة المخطط الصهيوني الأساسي، وهو السمة الأساسية التي تعبر عن جوهر وحقيقة دولة الاحتلال.


يوم الجمعة المنصرم، استخدمت إسرائيل خراطيم المياه العادمة وجندت مراوح ضخمة لإبعاد الدخان، ولكن الأصل هو أن استخدام هذه الوسائل كان بهدف توضيح الرؤية أمام القناصين.


لسان حال أهل غزة وفلسطين عموماً يقول: "احترنا يا قرعة من وين نبوسك". فاستخدام السلاح والصواريخ، عمل إرهابي، وزياد أبو عين إرهابي، وما تقوم به قرى الضفة التي تتقدمها بلعين إرهاب، المقاومة الشعبية السلمية إرهاب، ورفع العلم الفلسطيني يستحق استخدام الرصاص، والدهس والطعن إرهاب، والتوجه إلى الأمم المتحدة طلباً للنصفة إرهاب، خطابات الرئيس محمود عباس تحريض على الإرهاب، وإرهاب أن يرفع الفلسطيني صوته في مواجهة مخططات التصفية، فكيف يمكن للفلسطيني تحت الاحتلال أن يسمع صوته للعالم؟ لا تزال الآلة السياسة والعسكرية والأمنية في إسرائيل مرتبكة وقلقة جداً من استمرار فعاليات مسيرة العودة ، ويتبجحون أنهم نجحوا في إفشال عملية اجتياز السياج الحدودي وكأن الحملة كانت تستهدف ذلك في هذا الوقت.


ليبرمان وزير الدفاع، الذي يتقاسم مع ترامب الرئيس الأميركي العديد من الصفات، يستهزئ من الذين يطالبون بتشكيل لجنة تحقيق في استخدام الجيش الإسرائيلي القوة المفرطة ضد المدنيين السلميين، ويتساءل إن كان جرى تشكيل لجنة تحقيق واحدة في مقتل نصف مليون سوري. يتناسى ليبرمان، أن الأحداث في سورية، ومقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، يعود في أحد أسبابه للتدخلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة من قبل إسرائيل ومن قبل عشرات الدول بما في ذلك وأساساً حلفاء إسرائيل الدوليون. لكن ليبرمان يقصد، أيضاً، أن اغتيال عشرات الفلسطينيين وإصابة المئات لا يشكل حدثاً بالقياس لما يجري في سورية، وبالتالي يستنكر اهتمام دول العالم بالحدث الفلسطيني.


إسرائيل القلقة والمغتاظة مما يجري على الحدود الوهمية المؤقتة مع قطاع غزة، فتحشد جيشها، وتهدد مرة باغتيال قادة " حماس " ومرة أخرى بقصف مقرات الحركة إن لم تبادر إلى وقف هذه الحملة.


في الواقع فإن إسرائيل تحاول استدراج الفلسطينيين، من أجل توفير ذريعة، لتوسيع عدوانها على القطاع، باعتباره الوسيلة الوحيدة لوقف مسيرات العودة، لكنها حتى الآن والأرجح أنها لن تنجح في ذلك خلال المرحلة القادمة.


لا نتمنى أن تكون الجمعة القادمة، جمعة المولوتوف، كما أشارت بعض مواقع التواصل الاجتماعي، حتى لا يوفر ذلك لإسرائيل الذريعة التي تنتظرها فضلاً عن أن استخدام هذا الأسلوب، لا يؤثر على الإسرائيليين فلا يوجد مركبات، ولا سكان، ولا حتى مزارع يمكن أن تصل إليها زجاجات المولوتوف.


الفلسطينيون والإسرائيليون يتساءلون عن الأسلوب الذي، سيبتدعه الشباب في الجمعة القادمة، لكن الأكيد أن هؤلاء الشباب، قادرون على ابتداع أشكال أخرى مؤثرة، وأنهم لن يتوقفوا عن التفكير في مفاجأة الاحتلال بأشكال وأساليب لا يتوقعها. 


المؤسف أن هذا النشاط الشعبي السلمي، وسقوط هذا العدد الكبير من الشهداء والجرحى، الذين تجاوز عددهم الثلاثة آلاف، لم يحقق حتى الآن تحركاً إيجابياً ملموساً باتجاه المصالحة الفلسطينية ولم ينه حتى الاشتباك الإعلامي.


والمؤسف، أيضاً، أن ثمة محاولات حثيثة، للالتفاف على هذا الحراك، بهدف وقفه مقابل إغراءات، غير مضمونة، فضلاً عن أنها، تضع كل هذا الحراك في خانة التجاذبات والحسابات والمصالح الحزبية الضيقة.


من يسعى وراء ذلك عليه، أن يضغط على إسرائيل لرفع حصارها عن قطاع غزة، وألا يكتفي بإصدار البيانات والمواقف وإنما يذهب نحو الاستثمار السياسي والدبلوماسي. 
أليس غريباً أن مجلس حقوق الإنسان لم يجتمع حتى اليوم، لمناقشة هذا الأمر بالرغم من أن الأمين العام للأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وحتى "هيومان رايتس ووتش" الأميركية، طالبوا بتشكيل لجنة تحقيق دولية؟


باستثناء توسع الإدانات الدولية، للسلوك الإسرائيلي وهو أمر مهم طبعاً، لم نبادر نحن الفلسطينيين إلى استثمار هذه الأحداث، وظلت الحسابات الفصائلية هي التي تحكم السلوك العام السياسي. في كل حال الموضوع ليس موضوع "حماس"، وليتأكد الجميع أن مسيرة العودة، هي فعل شعبي وطني غير فصائلي، وثمة من يتكفل باستمراره.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد