صحيح أن التحالف القائم اليوم بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو بكل المقاييس تحالف غير مسبوق، وصحيح، أيضاً، أن هذا التحالف قد تجاوز بمراحل ما كان عليه الأمر في مرحلة حكم المحافظين الجدد إبّان الفترة الرئاسية الأولى للرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وصحيح، أيضاً، أن كل الإدارات الأميركية وبدون استثناء ظلت «تلتزم» بالقانون الدولي ـ من ناحية الشكل على الأقل ـ إلاّ أن الصحيح، أيضاً، أن التحالف الأميركي الإسرائيلي كان ولا يزال وسيظل على ما يبدو (لفترة طويلة قادمة) هو التحالف الأقوى والأصلب والأكثر تماسكاً في التاريخ المعاصر للعلاقات الدولية.


ولهذا بالذات فإن تحالف ترامب مع نتنياهو كنسخة خاصة وواضحة في اطار هذا التحالف ليس إلاّ نتاجاً طبيعياً لتطورات داخلية أميركية، وأخرى إسرائيلية، في ظل مرحلة تاريخية جديدة من الصراع الدولي من جهة، وفي ظل واقع إقليمي وعربي، كان سيذكي هذا التحالف لو كان هذا الواقع مختلفاً.


ولأن هذه المسألة بالذات، مسألة التطورات الداخلية في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك الواقع الإقليمي والعربي مسألة يطول شرحها إلاّ انها معروفة بشكل عام، وتكاد تكون مفهومة و»متفهّمة» من قبل المتابعين لهذه الشؤون، أو من قبل بعضهم على الأقل.


المهم في الأمر هنا هو أن إسرائيل كانت دائماً الابن المدلّل للولايات المتحدة، وبقيت دائماً موضع «إجماع» قومي من قبل الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة، ومدعومة بصورة شبه مطلقة من قبل الكونجرس وبصورة دائمة وعامة من قبل مختلف الإدارات الأميركية.


الشيء الذي أقدم عليه الرئيس ترامب هو «الخروج» عن السياسة الأميركية المعتادة في الإبقاء على الالتزام الشكلي بالقانون الدولي حول القدس واللاجئين وبقية قضايا الخلاف للصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراع الإسرائيلي العربي، والذهاب باتجاه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والبدء بشطب قضية اللاجئين، والاعتراف الضمني «بضم» المستوطنات»، وبالسيطرة الأمنية الإسرائيلية على كامل الأرض الفلسطينية في الضفة.


هذا إضافةً إلى «تعويم» حل الدولتين، والشروع في إعداد مشاريع لقطاع غزة ، باعتبارها كياناً قابلاً لأن يكون مستقبلاً هو الدولة الفلسطينية.


هذه السياسات الأميركية الجديدة في الكثير من مظاهرها لقيت وتلقى ترحيباً حاراً من اليمين الإسرائيلي، وبات التحالف الأميركي الإسرائيلي تحالفا بين اليمين الأميركي الصاعد الجديد، وبين اليمين الإسرائيلي المتطرف والممسك بزمام الحكم منذ أكثر من عقد كامل من الزمن.


اليمين الأميركي بحاجة إلى قوة اليمين الإسرائيلي في الولايات المتحدة، واليمين المتطرف في إسرائيل لا يمكنه الاستغناء عن اليمين الأميركي لمواجهة العالم كله.


المسألة تحولت في الواقع (أي مسألة التحالف بينهما) مسألة بقاء ومسألة قدرة على الاستمرار، ومسألة حياة أو موت من نواح وزوايا كثيرة.


دمار الإقليم العربي وتغير أولوياته أعطى لهذا التحالف الجديد زخماً كبيراً، ومكّن هذا التحالف من الخروج على العالم بهذه الصفاقة، وبهذا السفور الاستفزازي، إلى الدرجة التي أوصلت الرئيس ترامب للحديث عن «إنجازاته» الكبيرة حين «أخرج» قضية القدس من المفاوضات، و»سهّل» على الأطراف الذهاب للتفاوض بعد أن حسمها لصالح إسرائيل. الوجه الآخر لهذا التحالف هام وهام للغاية.


لم تعد إسرائيل هي الابن المدلّل لكل الولايات المتحدة، وأصبحت إسرائيل اليوم أكثر من أي وقت مضى الابن المدلل للحزب الجمهوري، بل وليس كل الحزب الجمهوري، لم تعد إسرائيل تلقى نفس الدعم ونفس التعاطف الذي كانت تلقاه من الحزب الديمقراطي.


أوساط جديدة بقيادة ساندرز أصبحت تجاهر باعتراضها الشديد على السياسات الإسرائيلية وأصبحت تندد علانية بهذا «الاندفاع» المغامر لسياسة الرئيس ترامب على الحلبة الدولية، وخصوصاً حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.


يُقال هنا إن انخفاض تعاطف الحزب الديمقراطي مع إسرائيل أصبح ملحوظاً، ويُقال إن أوساطاً متزايدة داخل هذا الحزب لم تعد على استعداد للبقاء متفرجة على تحالف اليمين الأميركي المتطرف مع اليمين الإسرائيلي العنصري والمتطرف، ويُقال إن فلسطين باتت تصنّف في اطار قوى العدل والحق والتقدم مقابل تصنيف إسرائيل باعتبارها قوة عدوان وتوسع وتطرف.


الشيء الأكيد أن هذا التصنيف «الجديد» هو صحيح، على الرغم من الحاجة الماسة للتدقيق في بعض جوانبه، والشيء الأكيد أن هذا التصنيف هو رصيد استراتيجي جديد للقضية الفلسطينية، وهو يضعها أمام فرصة تاريخية قد تشكل إذا ما أُحسِن استثمارها نقطة تحول تاريخية في هذا الصراع.


ترامب ليس مُخلَّداً، وقد لا يتمكن أصلاً من إكمال ولايته الدستورية، ونتنياهو ترنّح أكثر من مرة وكاد يسقط في محطات مختلفة.


إذا فهمت فلسطين هذه المتغيرات الهائلة، وإذا ما أحسنت الصمود في وجه هذا التحدي الكبير، فقد تكون الفرصة التي يمكن أن تتولّد عنه هي الفرصة التاريخية الأكبر في تاريخ هذه القضية.


معادلات العالم نفسه آخذة بالتغير، وقوى كثيرة تستعد لمواجهة تطرف اليمين في أميركا وغير أميركا، وفلسطين أثبتت دائماً أنها قضية عادلة وإنسانية ولكنها ترسّخت الآن في ذهن العالم باعتبارها قضية وطنية وتحرّرية من أعلى درجة إنسانية في هذا العصر.


فلسطين ليست في عزلة وإنما في مرحلة حرجة فقط.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد