معظم الوظائف العليا في الإدارة الأميركية، يتوجب المصادقة عليها من قبل مجلس الشيوخ وفقاً للدستور الأميركي، هناك استثناءات من بينها منصب مستشار الأمن القومي الأميركي، الذي يتم تعيينه من قبل الرئيس ومن دون حاجة إلى التصديق عليه، عام 2005 عين الرئيس جورج بوش، جون بولتون سفيراً لأميركا لدى الأمم المتحدة، ولما كان هذا المنصب بحاجة إلى تصديق من قبل مجلس الشيوخ، فقد استغل بوش دخول المجلس في إجازته السنوية، ليتم هذا التعيين، ولدى عودة المجلس من الإجازة، تم رفض هذا التعيين، وبرر المجلس ذلك أن مواقف بولتون كانت دائماً ضد المنظمة الدولية، كما أن هناك مزاعم بتورطه في التلاعب بمعلومات استخبارية وبترهيب محللين بالمخابرات من أجل دعم تصوراته حول برامج التسلح.


وكما أشرنا، فإن هذا االتعيين ليس بحاجة إلى مصادقة مجلس الشيوخ، لكن وفي ظل الإدارة الأميركية الجديدة، الأكثر يمينية ومحافظة وتطرفاً، فإن معظم شيوخ الحزب الجمهوري، سيدعمون هذا التعيين، ذلك أن بولتون، أحد أهم الصقور في «حزب الشاي» المنبثق عن الحزب الجمهوري، الأكثر صقورية ومحافظة من صقور ومحافظي الحزب الجمهوري، عدواني ومتصلب ومن أكثر منتقدي سياسة «اوباما» أثناء ولايتيه السابقتين على كافة ملفات السياسة الخارجية، إيران وكوريا الشمالية وملف المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، سليط اللسان ولا يأبه باللغة الدبلوماسية، ما يجعله نموذجاً ونسخة قريبة جداً من شخصية رئيسه دونالد ترامب!


مواقف بولتون باتت معروفة إزاء إيران وكوريا الشمالية، كما هو الحال مع المسألة الفلسطينية، فهو لا يؤمن بحل الدولتين، بل يتبنى حل الدول الثلاث، وبحيث يتم ضم الضفة الغربية للأردن، وقطاع غزة إلى مصر، وتبقى إسرائيل دولة ثالثة دون أية تنازلات تمس بأمنها، حدود الضفة الغربية للأردن، وغزة إلى مصر، يتم تعديلها بحيث يتم ضمان كامل للأمن الإسرائيلي، ويدعو الفلسطينيين إلى عدم التمسك بالأماني والأحلام بل التعاطي مع الواقع، وعلى الفلسطينيين الاعتراف بفشل سلطتهم والتعامل مع الإفرازات السياسة الجديدة، مشيراً خلال مؤتمر دولي العام الماضي، إلى أنه واثق من قدرة الرئيس الأميركي ترامب على التوصل إلى حل يأخذ بالاعتبار التداعيات وميزان القوى القائم.


لا يتخذ بولتون موقفاً مستقلاً إزاء الملف النووي الإيراني، بل يتبنى بالضبط المبررات الإسرائيلية بضرورة الخروج من الاتفاق النووي، مع مجازفة انشقاق الموقف الأطلسي إزاء هذا الملف مع إصرار كافة الدول الموقعة على الاتفاق، باستثناء أميركا طبعاً على ضرورة التمسك به، أكثر من ذلك، متجاوزاً الاتفاق، فإن بولتون يظهر دعماً واضحاً لحل عسكري مع إيران، توافقاً مع تهديدات إسرائيلية بهذا الشأن، عندما أعلن في كلمته أمام المجلس الوطني للمقاومة في إيران، الذراع السياسية لمنظمة «مجاهدي خلق» في حزيران، عام 2017: «الاحتفال واللقاء المقبل سيكون في طهران قبل حلول 2019»!


وقبل أن تعلن إسرائيل قبل أيام عن تدميرها المفاعل النووي السوري قيد الإنشاء في دير الزور، كان بولتون قد أيد قيام إسرائيل بتدميره، كما فعلت مع المفاعل النووي العراقي عام 1981، وهو يتوافق في ذلك، مع زميله من بطانة «حزب الشاي» الذي تم تعيينه مؤخراً وزيراً للخارجية، مايك بومبيو، لكي تكتمل الجوقة الحربية في إدارة ترامب، خاصة وأن احاديث تتردد  عن أن إقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، وهو أقل اقتراباً من هذه الجوقة المتطرفة، باتت مسألة وقت ليس إلاّ، ذلك أن ماتيس يعتبر من قبل «حزب الشاي» أكثر اعتدالاً مما ينبغي، ورغم كونه وزيراً للدفاع إلاّ أنه ما زال يؤثر المفاوضات على الحلول العسكرية مع ملفات السياسة الخارجية، بما فيها الملف الإيراني.


بهذا التعيين، تكتمل دائرة الصقور في البيت الأبيض، رسالة موجهة إلى العالم أجمع، من أن إدارة ترامب ستحل الصراعات على طريقتها العدوانية ـ الحربية، بعد ضم مهندس الحرب على العراق، جون بولتون إلى فريق ترامب، سياسة جديدة ـ قديمة، تنبع من فوهات الأسلحة، مع استبعاد المنابر السياسية المملة!!


Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد