تتدحرج عجلة الأحداث في غزة ككرة الثلج، ومع كل ساعة تمر دون اتفاق حقيقي على المصالحة يستمر الغليان الذي سيصل إلى لحظة الانفجار.


تبدت اللحظة الحرجة مع محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس الوزراء رامي الحمد الله ورئيس جهاز المخابرات اللواء ماجد فرج ، حيث بدا المشهد سوداوياً منذ اللحظة الأولى. ولكن في النهاية فإن المحاولة قد كشفت عن كثير من القضايا المستورة، أو تلك المغطاة بكومة من القش، ليتطاير المستور من شدة المفاجأة.


عالجت حركة حماس ملف الاغتيال منذ البداية بطريقة خاطئة. وأول هذه الأخطاء إعادة حماس التأكيد على أنها تحكم بلا حكومة، بمعنى أن الحاكم الفعلي في قطاع غزة هو حركة حماس، وليس حكومة التوافق الوطني غير القادرة على القيام بمهامها سوى العمل على تقديم الخدمات، وكأن الوزارات مجموعة من البلديات التي لا تعمل إلاّ في مجال الخدمات فقط.


كان على حماس منذ اللحظة الأولى للمحاولة الفاشلة أن تشرك الحكومة في العمل على الكشف عن الجناة ومن يقف خلفهم. 


في كل الأنظمة سواء أكانت شمولية أم ديمقراطية، فإن وزارة الداخلية هي التي تتولى التحقيق في الأحداث الأمنية وخاصة الخطيرة منها، لذا كان من المفترض بحماس أن تتيح لرئيس الوزراء رامي الحمد الله بصفته وزيراً للداخلية، أن يشرف هو والأجهزة الأمنية على التحقيق في الجريمة. ولكن هذا لم يحصل، ولكن منذ اللحظة الأولى بدت حركة حماس وكأنها تسابق الزمن من أجل إنجاز شيء ما.. حتى ولو كان سيناريو محاولة الاغتيال غير مقنع.


في القضايا الأمنية، لا تكون وسائل الإعلام هي الأساس في الكشف عن المعلومات بسرعة، بل إن التعامل الاحترافي مع الحدث هو الأساس. ربما هناك مجموعة من الأسئلة التي تثير شكوك الناس، لماذا قتلت حماس المتهم بالمسؤولية عن محاولة الاغتيال ومساعده؟.. ألم تحاصر المنزل؟ حتى لو أطلق النار باتجاه عناصرها، كان الأولى ألا تتم عملية تصفيته، لأن هذه العملية أفقدت أي تحقيق قيمته، حتى لو كان الادعاء أن هناك مجموعة من المشتبه بهم قيد التحقيق.


ردة الفعل من السلطة وصفت رواية حماس بأنها مسرحية مكشوفة، بمعنى أن السلطة غير مقتنعة بكل ما حدث. 


الرئيس محمود عباس وخلال اجتماع القيادة الأسبوع الماضي أشار إلى خطوات مهمة للخروج من حلقة الأمر الواقع، فالمصالحة شبه مشلولة، وأوضاع المواطنين في القطاع من سيئ إلى أسوأ، والقضية الفلسطينية بشكل عام تمر بأخطر مراحلها، في ظل تراجع الدعم السياسي والمالي العربي والإقليمي وحتى الدولي، من أجل زيادة الضغوط على القيادة لتقديم التنازلات.


إن أخطر ما في الأمر أن يضطر الرئيس إلى اعتبار قطاع غزة إقليماً متمرداً، ما يترك آثاراً صعبة، وغير متصورة تتحمل حركة حماس المسؤولية عنها بصفتها الحاكم الفعلي لقطاع غزة حتى الآن.


وبناءً على ذلك، فإن المواطن في غزة هو الذي يدفع الثمن الحقيقي سواء من خلال الحصار الإجرامي لسلطات الاحتلال المستمر منذ سنوات على القطاع.. أو من خلال الضغوط العربية والإقليمية لإبعاد قطاع غزة عن سياسة المحاور في المنطقة، والتي يجب أن نظل فيها نحن الفلسطينيين على الحياد.


الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة مزرية والأوضاع المالية أسوأ، والبطالة والكثافة هي الأعلى في العالم، ومياه الشرب لم تعد صالحة للاستهلاك الآدمي، ومنظمات التطرف والتكفير عمّقت جذورها في هذه المنطقة المنكوبة.


واليوم ربما هناك فرصة أخيرة لحركة حماس من أجل إعادة تقييم الأوضاع، والتقدم خطوة إلى الأمام.. لا أحد يريد من حماس الاستسلام ـ لا سمح الله ـ أو الإعلان عن هزيمتها..

ولكن، أيضاً، لا أحد يرغب في كسر غزة وتحطيم ما تبقّى من إنسانية المواطن هناك.. كل المطلوب، هو وضع فلسطين فوق طاولة الحوار الوطني الداخلي، وإهمال المصالح الذاتية والحزبية الضيقة.. ربما عندما تكون فلسطين هي البوصلة ستقتنع حماس بأنها يجب أن تقدم ما هو مطلوب منها لتتمكن هي من البقاء كقوة فلسطينية فاعلة وإيجابية.. أو أن تحل الكارثة بكل قطاع غزة، الخيار عند مكتبها السياسي وقادتها القادرين على اتخاذ القرار.

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد