في الوقت الذي تتكالب فيه أحزاب اليمين الإسرائيلي، ومتطرفوه، لتشريع قوانين عنصرية ضد فلسطينيي 1948، وفلسطينيي مناطق 1967، وفرض الحصار القاسي الظالم غير الإنساني على أهالي قطاع غزة ، ومواصلة رفض حكومات تل أبيب المتعاقبة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم في اللد والرملة ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع وسائر المدن والقرى التي طردوا منها، تبرز أصواتٌ إسرائيلية عاقلة، ومواقف شبابية يهودية شجاعة، ترفض الاحتلال، ومشروعه وسلوكه الاستعماري، وإجراءاته التعسفية العنصرية ضد الشعب العربي الفلسطيني.


ضجيج المستعمرين فاقع، يستثمرون عوامل الزمن، والتفوق المؤقت، ودعم إدارة الأميركي المتعصب دونالد ترامب، ونائبه المتصهين بنس، ودهاليز السياسة والتضليل الإعلامي، والتخاذل العربي الإسلامي، والانقسام الفلسطيني، لفرض رؤيتهم وروايتهم واستعمارهم على أرض وشعب فلسطين، بدون أدنى حس من المسؤولية القانونية والأخلاقية والإنسانية، كما فعل المستعمرون الأجانب بحق الشعوب التي كانت تئن تحت هيمنة الاستعمار وتسلطه.


ومقابل ضجيج المستعمرين، يقبع ثلاثة شبان يهود إسرائيليين، في السجن لفترات مختلفة بدون ضجيج، على خلفية رفضهم المبدئي للتجنيد والخدمة الإلزامية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ورفضهم الأخلاقي للسياسات والإجراءات والممارسات العسكرية الأمنية، وللجرائم التي يرتكبها «جيش الدفاع الإسرائيلي» بحق شعب بأكمله، يتعرض للاحتلال العسكري، وللإذلال المعنوي، وللظلم الكامل، وللبطش المتواصل، وحرمانه من حقه في تقرير المصير أسوة بكل شعوب الأرض التي تحررت من الاحتلالات الأجنبية.


يقبع متان هيلمان، وساعر يهلوم، وإييليت بروخفيلد، خلف القضبان، بلا حراك تضامني يكاد يكون معدوماً، باستثناء تفاعل أسرهم وعدد قليل من أصدقائهم، ذلك لأن ضجيج المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وأجهزته وأفعال مستوطنيه، هو الأعلى والمهيمن فارضاً سلوكه واهتماماته على مجمل المشهد، يقوده نتنياهو حثيثاً من خلال عملية منهجية تعمل على حرف بوصلة الاهتمام الإسرائيلي، نحو إيران وحزب الله وحركة حماس ، وتحولت هذه السياسة التضليلية لتكون هي الأكثر تأثيراً وجذباً أمام الرأي العام الإسرائيلي، أما القوانين العنصرية ضد الفلسطينيين سواء في مناطق 48، أو في القدس ، أو باقي فلسطين، فليس من يهتم بها وبمعاناة من تُفرض عليهم من تمييز وحرمان وتدني مستوى المعيشة لديهم مقارنة مع أقرانهم من اليهود.


بسالة هؤلاء الشباب الإسرائيليين أنهم يلعبون ويتصرفون ويتخذون مواقف خارج السرب الإسرائيلي المشبع بالكراهية ضد الآخر الفلسطيني والعربي والمسلم والمسيحي، ولإدراكهم ذلك، فهم لا يطلبون من أحد التضامن معهم، ولا يلومون الفلسطينيين بسبب التقصير نحوهم، ولا يتراجعون، ولا يتأثرون، يدفعون ثمن تضامنهم بوعي وقناعة مبدئية أخلاقية راسخة مع الشعب الفلسطيني، وانحيازهم لمطالبه، والحث على تلبيتها، بدون أن يحملوا أحداً مسؤولية ما يتعرضون له من أذى وعزلة واعتقال، سوى قيادة المستعمرة الإسرائيلية التي تواصل التنكيل بالشعب الفلسطيني، وبكل إسرائيلي يقف مع الفلسطينيين.


الشبان الثلاثة هيلمان ويهلوم وبروخفيلد، ليسوا أول الطابور الرافض للتجنيد والخدمة الإلزامية في جيش الاحتلال فقد سبقهم في اتخاذ هذا الموقف المماثل العديد من الشبان والشابات الذين ترتفع لديهم درجة الولاء القيمي والحس الإنساني والانحياز الأخلاقي نحو معاناة الشعب الفلسطيني، وهي ظاهرة قد تُسجل بالأفراد ولكنها مهمة، تفتقد للتبني والإبراز كي تتسع لتتحول كظاهرة نبذ وعزلة مثل ظاهرة المقاطعة الاقتصادية والأكاديمية في أوروبا ضد رموز الاحتلال الإسرائيلي، بل لتسير على طريق ما جرى لحكام جنوب إفريقيا المهزومين الذين واجهوا العزلة والتنديد لسلوكهم العنصري، وهو ما تفعله الآن إجراءات وسياسات الاحتلال الإسرائيلي التي لا تقل سوءاً أو شراسة وتغولاً عن أفعال جنوب إفريقيا العنصرية.


h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد