التفجير الذي استهدف موكب رئيس الحكومة رامي الحمد الله ولم يصبه ومرافقيه بأذى سوى إصابة بعض الحراس بجروح خفيفة، لم يكن المقصود منه اغتيال الحمد الله والوفد المرافق له بقدر ما كان المقصود تدمير فرص المصالحة وقبرها نهائياً. 


ولو كان معدو الانفجار يرغبون في اغتيال الحمد الله واللواء ماجد فرج لكانت العبوات أعدت بطريقة مختلفة و غزة لا تنقصها المتفجرات بمختلف أنواعها، ومن يستطيع وضع العبوات في هذا المكان بالقرب من معبر بيت حانون يستطيع وضع عبوات أكبر وأكثر شدة وإيذاءً. 


فالموضوع هو في إطار تخريب عملية المصالحة المتعثرة أصلاً، وعلى الرغم من أن زيارة رئيس الحكومة والوفد المرافق له لم تكن على علاقة ببحث موضوع المصالحة بل هي في إطار ممارسة الحكومة لصلاحياتها ونوع من تطبيع العلاقات مع غزة.


هذا العمل المشين يأتي في وقت تمر فيه القضية الوطنية بلحظات صعبة للغاية خاصة في ظل إصرار الولايات المتحدة على موقفها من قضية القدس وطرح مشروعها للتسوية السياسية الذي على ما يظهر لن يلبي الحد الأدنى من المطالب والحقوق الفلسطينية، حيث تشير المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام الأميركية وغيرها إلى أن " صفقة القرن " الأميركية باتت جاهزة وستطرح قريباً، وهي لا تتضمن قيام دولة فلسطينية بل حكماً ذاتياً في غزة له مواصفات الدولة الناقصة وحكماً ذاتياً آخر في الضفة تحت سيطرة إسرائيل الأمنية واحتلالها لأجزاء واسعة من الضفة المحتلة. 


وكأن التفجير يقول إن غزة جاهزة للصفقة ويمكن تمريرها بفضل من يعتقد أنه يمكن لغزة أن تعيش وحدها بمعزل عن باقي الوطن، وأن المسألة هي حل بعض القضايا الإنسانية والمعيشية بعيداً عن البعد الوطني للمسألة ارتباطاً بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل الأراضي المحتلة منذ الرابع من حزيران العام 1967.


يمكن تحميل " حماس " المسؤولية بصفتها السلطة الفعلية في غزة وهي التي تدير الأمن ومعظم شؤون السلطة في القطاع، ولكن لا بد أيضاً من رؤية كامل أبعاد الصورة. 


فعلى الأغلب أن "حماس" لا علاقة لها بهذا التفجير الذي يضر بها أكثر كمن غيرها وربما يشكل مبرراً لمن لا يريدون للمصالحة أن تمضي في طريقها للعمل مجدداً على إفشال أي محاولة للوحدة ولملمة الصفوف. خصوصاً ونحن نعيش لحظات خلاف حول مجموعة من القضايا ولا يفصلنا عن انعقاد دورة المجلس الوطني القادمة سوى حوالى الشهر ونصف الشهر، في ظل أجواء خلاف ونقاش حول المجلس نفسه. 


ولا ينقصنا الآن سوى تفجير لزيادة التوتير ومفاقمة المشاكل والاختلافات.


لهذا ينبغي وضع الأمور في نصابها ورؤية الهدف من وراء التفجير والعمل على إحباطه فوراً بالبدء بحوار وطني جدي لاستخلاص الدروس من كل ما يحدث حولنا بما في ذلك قصة التفجير. 


وبدلاً من التبشير بالقضاء على المصالحة يتوجب دفع المصالحة قدماً بالعمل على تذليل العقبات التي تحول دون تطبيق اتفاق القاهرة. 


كما يفترض البحث المعمق في مسألة مشاركة كل من "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في دورة المجلس الوطني القادمة وضمان تمثيلهما بطريقة منصفة ومقنعة حتى تتجلى الوحدة الوطنية في المؤسسة القيادية التي تمثل كل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده. 


والجميع بات يعلم أنه لا أفق سياسياً في المدى المنظور، فإسرائيل ماضية في استيطانها المكثف وسعيها لقطع الطريق أمام فكرة حل الدولتين على أساس حدود العام 1967، قد قالها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بكل وضوح ووقاحة خلال زيارته للولايات المتحدة. 


وحسب وجهة نظره الاحتلال يجب أن يبقى إلى الأبد ولا دولة فلسطينية. والولايات المتحدة تتبنى الموقف الإسرائيلي والرئيس دونالد ترامب يؤكد المرة تلو الأخرى أن القدس قد أزيحت عن طاولة المفاوضات بمعنى أن أي مشروع من قبله لن يتضمن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين بالإضافة إلى تبني المطالب الأمنية والجغرافية الإسرائيلية.


ولا يفيدنا كثيراً أن نحول اتهام "حماس" بالمسؤولية إلى ذريعة لوقف عملية المصالحة، وهنا من المفروض أن تقوم حركة "حماس" بتعقب منفذي التفجير واعتقالهم وكشف الملابسات الكاملة لما حصل بالتعاون مع أجهزة السلطة الأمنية حتى تزيل كافة الشكوك حول الجهة التي تقف وراء هذه الجريمة. 


وربما تكون هذه القضية فاتحة لتعاون يمهد الطريق أمام قيام الحكومة في رام الله بكامل مسؤولياتها وصلاحياتها في قطاع غزة وتنتهي قصة "التمكين" التي تعيق متابعة كافة ملفات المصالحة والوصول إلى حلول شافية بشأنها. 


وقد ينطبق المثل على ما جرى "رب ضارة نافعة" لو أخلصت النوايا وتكللت بجهود حقيقية لحل المشكلات الحقيقة التي تمنع إنجاز المصالحة والوحدة الوطنية. ويكفي المواطنين في قطاع غزة ما يعانونه وما يمرون به من حصار وعقوبات وبطالة وتدهور على كافة المستويات وفي كافة المجالات.


الآن تجري محاولات جدية لتجاوز القضية الفلسطينية والتعامل معها كأجزاء منفصلة وكقضايا أبعد من أن تكون صراعاً من أجل الحقوق الوطنية ولإنهاء احتلال بغيض هو آخر احتلال على وجه الكرة الأرضية منذ القرن الماضي. 


فالوجهة الدولية هي لمعالجة الوضع في سورية في إطار الصراع على المكاسب وخاصة البترول والغاز حتى لو تم تقسيم البلاد أو الوصول إلى حافة الحرب الكونية الحقيقية التي تدور الآن بالوكالة، خاصة في ظل التهديدات الأميركية للعمل بصورة منفردة ضد النظام السوري. 


ويبدو أنه لا مساحة مناسبة لفلسطين في هذه المعادلة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد