قبل أن يغادر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، طار فجأة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى القاهرة، فيما قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالاتصال بنظيره المصري الرئيس عبد الفتاح السيسي، وذلك قبل نحو ثلاثة أسابيع فقط من موعد عقد القمة العربية في الرياض، العاصمة السعودية، حيث تحرص المملكة على أن تمثل هذه المناسبة فرصة لتفرد عباءتها من جديد على العالم العربي، الذي بدا مشتتاً وموزع الولاءات بين أطراف إقليمية عديدة، خاصة بعد حروب سورية والعراق واليمن، ومن ثم بعد الشقاق بين الأربع دول عربية وقطر، المعلن منذ حزيران العام الماضي.
وفي الحقيقة مع كل ما حدث وما زال يحدث في عدة دول عربية، من بينها دول مركزية، فإن زعامة السعودية للعالم العربي، إنما هي ممر إجباري، حتى تعود للمملكة مكانتها في العالم الإسلامي، بعد ظهور التحدي الكبير من قبل إيران، منذ عقود، ثم التحدي التركي منذ سنين، والممر الوحيد لزعامة السعودية للعالم العربي، إنما يمر عبر القاهرة، خاصة بعد أن وضعت إيران يدها على سورية، ولم تنجح محاولات السعودية وشركائها في إسقاط نظام الأسد، كذلك ما زالت محاولات السعودية إبعاد بغداد عن التبعية الإيرانية أمراً غير مضمون، نظراً للتوغل الإيراني منذ نحو عقد ونصف العقد في العراق، فيما نجحت السعودية إلى حد ما في مقابلة النفوذ الإيراني/السوري في لبنان عبر "حزب الله" بتقوية سعد الحريري.
وفي الحقيقة فإن تحالف السعودية/الإمارات الذي يبقي على العباءة السعودية على الخليج وإن كان بالشراكة مع الإمارات هذه المرة، لم يقدم الكثير لمصر منذ العام 2013، أي منذ إخراج قطر من مصر عبر إسقاط حكم الإخوان المسلمين، ذلك أن الثنائي الخليجي ظنّ أن مصر دولة صغيرة يمكن عبر بضعة مليارات من القروض أن يظفر بقرارها السياسي. ورغم أن الرئيس السيسي أدرك عن وعي بأن مشكلة مصر اقتصادية أولاً وأخيراً وليست سياسية، فحاول عبر توسيع قناة السويس ومن ثم حث الأثرياء المصريين للاستثمار في بلدهم، لكن الأمر لم ينجح كثيراً، لتبقى مصر تواجه مصاعب اقتصادية. نقول: إن مصر حرصت على خلق حالة توازن بين حلفائها الإقليميين والدوليين، والمهم أن الطرفين، السعودية ومصر بدأتا بالتفكير بحل وسط، أي التحالف عبر مشاريع اقتصادية مشتركة، فكانت تيران وصنافير والآن مشروع مدينة نيوم.
مع تداول الأقاويل التي تشي بالخطوط العامة ل صفقة القرن الأميركية، فإن ما يلوح في الأفق،لا يبشر بخير إن كان للجانب الفلسطيني أو للجانب للعربي، وتجنب الإحراج إن كان للطرف الفلسطيني أو حتى للأطراف العربية، يتطلب تعديلاً على الأقل للصفقة. فكما هو معروف، وكما سبق لنا وقلنا في أكثر من مقال، فإن الصفقة دون تدخّل أطراف دولية وعربية لن تكون مقبولة فلسطينياً، وبالتالي ستجبر الرئيس محمود عباس على رفضها، وهذا سيجبر العرب على مواجهة خيارين أحلاهما مر، أما رفضها أيضاً، ما يعني أن تتوتر العلاقة الأميركية أكثر مع الفلسطينيين ومن ثم مع العرب، أو قبولها، ما سيجعلهم يواجهون رفضاً وتحدياً فلسطينياً وشعبياً عربياً، وربما مزيداً من المشاكل ليس أقلها الضعف في مواجهة إيران وشبه استحالة الدخول في تحالف أمني مع إسرائيل.
لذا فإن المخرج للجميع هو تعديل الصفقة، وهكذا فإن البدء بإرساء بعض المشاريع على الأرض التي ت فتح الخطوط البرية بين السعودية ومصر والأردن وإسرائيل ومعهم فلسطين، يعني فتح الأفق للسياسة التي تصطدم حالياً بالحواجز الصعبة.
لا شك في أن قيام محمد بن سلمان، بزيارة خارجية أولى إلى مصر، تعتبر في غاية الأهمية، ذلك أن الأمير الذي هو مستقبل المملكة، بل ومحدّثها والذي سيعتبر تتوجيه ملكاً عليها بمثابة تأسيس للمملكة الثانية بعد جده عبد العزيز، بتوجهه الخارجي الأول لمصر، يعلن عملياً أن مصر خياره الأول في الشراكة الإقليمية، وأن هذه الشراكة لا بد من أن تقوم على أسس اقتصادية ولا تكتفي بالروابط القومية والجيرة ولا بد من أن تقوم على أساس من الندية.
لقد جربت كل الدول العربية مواجهة الآخرين منفردة، وقد تبين بوضوح، خاصة فيما يحدث في سورية، بأنه ما لم يقم محور عربي أساسه التحالف بين مصر والسعودية، فإن العرب سيتوزعون بولاءاتهم الكونية بين أميركا وروسيا والإقليمية بين إيران وتركيا وحتى إسرائيل.
لذا فإن محطة القمة مهمة للغاية هذه المرة، لأنها أولاً ستنعقد في نفس الأيام التي ستجري فيها انتخابات الرئاسة المصرية، ما يعني أن الرئيس السيسي على الأغلب لن يحضر شخصياً القمة، لذا فإن التنسيق المسبق السعودي معه قبل القمة أمر مهم جداً، ثم ثانياً لأنها ستنعقد قبل أسابيع من نقل السفارة الأميركية للقدس، حيث تحرص واشنطن على إعلان الصفقة قبل النقل الرسمي للسفارة، حتى تتجنب الكثير من ردود الفعل الميدانية، وموقف القمة من الصفقة أمر مهم جداً لإعلانها، فإن وافقت واشنطن على منح الفلسطينيين أولاً والعرب ثانياً ورقة التوت، أي إجراء تعديل ما، مؤكد أنه لن يستجيب لكل ما يطالب به الفلسطينيون، ولكن أن تراه أوروبا مقبولاً، فهذا يعني أن تفتح القمة الباب لإعلان الصفقة، ومن ثم ترتيب مقاعد الجلوس على طاولتها لاحقاً. وهكذا فإن جدارة ولي العهد السعودي بالملك مرهونة بنجاح القمة، ولعل أول محطة سياسية مهمة أو حتى حاسمة، سيقوم بعبورها هي القمة العربية في الرياض، وما سيقوم بترتيبه قبلها من أجل إنجاحها، وظهورها بمظهر الإطار القادر مجدداً على جمع أشتات العرب، سيظهر الأمير الشاب كرجل دولة بل كزعيم إقليمي، وإن كان وفق مشاريع اقتصادية، لعل الاقتصاد ينجح أخيراً في إصلاح ما أفسدته السياسة.
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية