كما في كل عام، سيتم الاحتفال باليوم العالمي للمرأة الذي يصادف الثامن من آذار، وكما في كل مرة سيتم الخروج بمسيرات وتعقد الندوات والمؤتمرات، ويخطب الخطباء ويقف الساسة أمام الحشود مشيدين بالتضحيات الجسام التي قدمتها المرأة في التاريخ الوطني وفي مسيرة الكفاح التحرري على صعيديه الاجتماعي والوطني، ولابد من الإشادة بالجهود الكبيرة التي بذلت لتطوير وضع المرأة في المؤسسة العام كما في العمل الأهلي. 


عبارات كبيرة وبلاغة زائدة ستسيل في الأروقة وتندلق في الممرات، وستنتهي الاحتفالات وينفضّ الجمع ويعود المحتفلون إلى بيوتهم، وهم يتبادلون الأحاديث عن يوم جميل، وخطب رائعة، وتعهدات تسر القلب ووعود تبتسم في وجه المستقبل. 


وكما في كل عام سينتهي اليوم وسيواصل الجميع حياته في انتظار العام الجديد، حتى تتم إعادة إنتاج اللحظة السابقة ربما مع بعض التغييرات الطفيفة هنا وهناك، وربما من بعض التنوع في طريقة الاحتفال، ولكن أيضاً دون تغير جوهري في أي شي. 


فثمة لحظة منتظرة لابد من أن تأتي من أجل الاحتفال. الاحتفال لأن اليوم يستحق ولأن المرأة فعلاً تستحق. ويمكن لنا هنا أن نعيد بعض العبارات اللازمة في هذا السياق وهي حقيقة بالتأكيد مثل أن المرأة نصف المجتمع، وأن المرأة هي البطلة والمناضلة وهي الشهيدة وأم الشهيد وأخته وزوجته، وأشياء كثيرة جعلت منها فعلاً شريكاً مهماً في النضال الوطني ولا يمكن تصوره دونها. 


ولكن هل يتغير أي شيء؟ يصعب الافتراض أن مثل هذه الاحتفالات من شأنها أن تغير شيئاً، كما يبدو الافتراض أنه يمكن أن ندع مثل هذا اليوم يمر دون التذكير به أكثر صعوبة، على الأقل هذا ما تطمح هذه المقالة لفعله في جزء كبير منها. 


ولكن الحقيقة أن هذا لا يكفي. وحين يكون الشيء لا يكفي فإن ثمة حاجة للبحث عن سبل تطويره والنظر في آليات جديدة تجعله أكثر نجاعة. 


المؤكد أن مجرد الاحتفال لا يسمن ولا يغني من جوع، وربما التذكر والتحليل والتفسير والتبرير أيضاً لا يفيد في شيء. كل هذا على أهميته لا يغير شيئاً في واقع المرأة.


فعند النظر للبيانات والإحصائيات المتعلقة بالمرأة في فلسطين فإن الأمر سيبدو صادماً خاصة أن مكانة المرأة في الكثير من المواقع بالقدر الذي تشهد به بعض التحسن فإنه لا يساوي كثيراً تسارع المؤشرات الأخرى.


فمثلاً عند الحديث عن الجامعات ونسبة المرأة الكبيرة بين المنتسبين للجامعات فإن الأرقام تبدو مضللة إذ إن تدني نسبة المرأة في سوق العمل سيهدم أي تحسن قد نلمسه في مشاركتها الجامعية. 


وعلى اعتبار أن من بين أسباب كثيرة للدراسة الجامعية فإن البحث عن وظيفة تكاد تكون الأكثر أهمية وهي مبتغى الدارسين، فإن حقيقة أن قرابة 80 بالمائة من الإناث في غزة كما دلت الإحصائيات في العام الماضي هن بلا عمل تبدو صادمة. 


والأساس في مثل هذه المناسبات هو التمعن في وضع المرأة بشكل جيد حتى نتمكن خلال العام القادم وفي صباح اليوم التالي للاحتفال بيوم المرأة من العمل على تحسين واقع المرأة، بذلك فإن يوم المرأة يكون بداية حقيقية لتثوير النضال من أجل إجراء تغيير على هذا الواقع والكفاح من أجل تمكين المرأة بشكل جيد في المجتمع، التمكين الذي يجعلها قادرة على القيام بدورها الكبير ويعمل على تعظيم طاقاتها الفاعلة في عملية البناء. 


دون ذلك فإن مجرد الاحتفال ليس إلا مناسبة للاحتفال، وليس إلا مجرد احتفال آخر. ما الذي يمكن أن يحدث أكثر من ذلك؟! حتى يحدث شيء أكبر من ذلك لابد من الوقوف بصلابة أمام المسؤوليات من أجل خلق واقع أفضل، واقع تكون المرأة الفلسطينية فيه ذات مكانة تليق بها وبتضحياتها وبدورها الكبير في المجتمع. 


هذا الدور الذي يعني ضمن أشياء ونتائج كثيرة تعزيز دور الرجل أيضاً وتعزيز عملية النضال والبناء. المسؤولية تقتضي مراجعة واقع المرأة ووضع آليات لتطويره. وهذا يتطلب وضع خطط في كل الاتجاهات وفي كل المجالات بدءا من الحيز القانوني والسياسات العامة مروراً بالخدمات المقدمة وليس انتهاءً بالخطاب الثقافي والسياقات الأدبية والمعرفية والإعلامية وتغير الصور النمطية. 


تحقق الكثير في هذا المجال لكن ثمة الكثير الذي لابد أن ينجز حتى نكون قادرين على أن نقول لأمهاتنا على الأقل شكراً لكنّ على أننا وجدنا.


تأملوا مكانة المرأة في المشهد السياسي والحزبي. ضعوا جانباً نظام الكوتا والحصة الذي يجعل المرأة موجودة ضمن نسبة محددة في المجلس التشريعي كما حول طاولة مجلس الوزراء، لأنه بالقدر الذي يعني هذا حماية لها من عدم الوجود في ظل الثقافة المهيمنة فإنه يعني في الكثير من الحالات أن ثمة حاجزاً لا يمكن القفز عنه. 


عموماً هذا جيد على سوئه، ولكن تمعنوا في مكانة المرأة في التنظيمات الفلسطينية. كم سيبدو هذا صادماً. فاللجنة المركزية ل فتح لا يوجد فيها إلا أخت واحدة. ولكن تنظيما مثل حماس لا نعرف أي شيء عن تمثيل المرأة في أطره الحزبية، وبالطبع السؤال الأول يجب أن يتعلق بالمكتب السياسي لحماس. 


المؤكد أنه لا توجد امرأة واحدة فيه. الوضع في أطر الجهاد الإسلامي ليس أحسن حالاً. أما في اليسار فإن الأمر لا يرتقي إلى درجة البلاغة الكبيرة التي يتحدث فيها اليسار عن نفسه حين يتعلق الأمر بحقوق المرأة. ما أرمي إليه أن ثمة حاجة ربما في حال تمت صياغة نظام للأحزاب الفلسطينية بعد تجسيد الاستقلال لوضع قيود من هذا القبيل، تجعل تمثيل المرأة في أطر الحزب والتنظيم جزءا من تمثيلها الحقيقي في المجتمع. 


عموماً رغم كل شيء فإن ثمة مناسبة لابد من تذكرها والتذكير بها، لأن مثل هذا اليوم يصلح بداية حقيقية للحديث عن تحسين وضع المرأة كما يصلح كل يوم للعمل من أجل ذلك. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد