تشير التقديرات الصادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصاد الفلسطيني على حافة الانهيار وأن الضغوط على الاقتصاد الفلسطيني أصبحت أكثر وضوحاً في العام 2017، وأن نسبة النمو كانت في العام الماضي حوالى 3%، وهي نسبة أقل من التوقعات الفلسطينية، وعزت رئيسة بعثة صندوق النقد كارين أونجلي التي زارت الضفة الغربية في النصف الأول من هذا الشهر أسباب تدهور الاقتصاد إلى جمود عملية السلام والتوترات السياسية.


وأشار البنك الدولي في تقاريره العام الماضي إلى اقتراب الاقتصاد الفلسطيني من حالة الركود، وقال إن غزة على حافة كارثة إنسانية. 


أما سلطة النقد الفلسطينية فتوقعت استمرار التباطؤ في نمو الاقتصاد الوطني ووصوله إلى 2.2%، أي أننا مقبلون على واقع صعب بكل المقاييس.


وعند الحديث عن الاقتصاد الفلسطيني يبرز موضوع اللقاء الذي أجرته وزيرة الاقتصاد عبير عودة مع وزير الاقتصاد الإسرائيلي إيلي كوهين بدعوة من قصر الإليزيه في باريس، واللغط الذي حصل حول هذا اللقاء خصوصاً وأنه تم بعد قرار المجلس المركزي بفك الارتباط مع الاقتصاد الإسرائيلي. 


ومن الواضح أن الوزيرة عبير عودة ليست هي من بادر إلى اقتراح هذا اللقاء الذي تم بمبادرة شخصية إسرائيلية مقربة من السلطة الوطنية وعلى علاقة مميزة بالرئاسة الفرنسية، وأنها ذهبت للمشاركة بعدما حصلت على الضوء الأخضر من المستوى القيادي السياسي الأعلى، ولكن ما يهم أكثر هو فحوى اللقاء  ومساهمته في تحقيق المصلحة الفلسطينية.


بطبيعة الحال لم يكن اللقاء لبحث فك الارتباط مع إسرائيل أو لإلغاء اتفاق باريس، بل لم تكن هناك أجندة محددة له وطرح كل طرف ما يريد، وحسب ما جاء على لسان الوزيرة عودة هي شكت من اتفاق باريس: من عدم تطبيقه وعدم ملاءمته للواقع الراهن ولمتطلبات الاقتصاد الفلسطيني. 


والسؤال هنا هل ذهبت الوزيرة بورقة عمل محددة متفق عليها لبحث الموضوع الاقتصادي، وهل هناك خطة فلسطينية أصلاً لمعالجة الموضوع بصرف النظر عن اللقاء مع الإسرائيليين أو مع أطراف دولية بعينها؟، الجواب المؤكد هو: لا قاطعة. والحقيقة المرة هي أنه لا توجد لدينا خطة لأي شيء يمكنه أن يوقف التدهور الحاصل في المجتمع الفلسطيني في مختلف المجالات.


البعض يبني على المصالحة الفلسطينية لعلها تأتي بدعم دولي وتمويل عربي كبير من أجل إعمار قطاع غزة وتطوير الاقتصاد الفلسطيني بعد رفع الحصار عن غزة. 
ومثل هذا الدعم سينقذ اقتصادنا الوطني من الانهيار والقطاع المحاصر من الانفجار في وجه الجميع. 


ولكن حسابات الحقل لا تطابق حسابات البيدر، فالمصالحة تسير ببطء شديد كما عبر عن ذلك رئيس وفد "فتح" للمصالحة وللعلاقات الوطنية عزام الأحمد. 


وحتى اللحظة لم تنجح الجهود المصرية في إنهاء المشكلات القائمة التي استدعت زيارة عاجلة للوفد الأمني المصري للقطاع وزيارات متتابعة لوفود " حماس " و"فتح" لمصر. 
فالجباية لا تزال بيد "حماس" في غزة، والعقوبات التي تفرضها السلطة على القطاع لا تزال بعينها بل عملية تسريح الموظفين مستمرة وكأن المصالحة غير موجودة أو وصلت إلى حالة موت سريري لا أمل في شفائها.


أما التغيير السياسي الذي يمكن أن يقود إلى اختراق جدي في العملية السياسية مع إسرائيل فلا يبدو أنه سيحصل في المدى المنظور حتى لو استقال بنيامين نتنياهو من رئاسة الحكومة الإسرائيلية وجرت انتخابات مبكرة. 


واستطلاعات الرأي لا تظهر تغيراً في الخارطة السياسية والحزبية الإسرائيلية إذا ما حصلت انتخابات في الفترة القريبة. 


ولا يظهر أن هناك معجزة سياسية في الأفق لا في إسرائيل التي تعاني فيها المعارضة من فقدان بوصلة، ولا في إطار المجتمع الدولي الذي تقوده إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي يجاهر بعدائه لحقوق الشعب الفلسطيني، والذي يثبت كل يوم أنه ماضٍ في خطته التي تقوض أسس التسوية العادلة وحل الدولتين على أساس حدود الرابع من حزيران من العام 1967.


في الواقع السياسة التي تنتهجها الحكومة الفلسطينية لا يمكنها أن تساعد الاقتصاد الفلسطيني، مع أننا لا نقلل من مخاطر القيود الإسرائيلية الاحتلالية من اتفاق باريس الذي لم يتابع أحد تطبيقه الكامل، وبقي التعامل الفلسطيني معه بالقطعة وليس بصورة شاملة ومنهجية، إلى إجراءات الاحتلال في مناطق (ج) الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة التي تحول دون تطوير هذه المناطق ودون حتى القيام بالحد الأدنى من المشاريع التي تساعد سكان هذه المناطق على العيش بصورة كريمة والصمود في موطنهم. 


والاقتصاد الفلسطيني لا يزال يخضع لاحتكار مدمر، وحتى اللحظة لم تطبق الحكومة قراراً اتخذ في العام 2013 يلغي الوكالات الحصرية لاستيراد السلع الاستهلاكية وي فتح السوق أمام المنافسة التي يستفيد منها الشعب والاقتصاد، ولا تزال المشاريع الإنتاجية الكبرى مفقودة، ويجري التدخل في إنشائها بصورة سلبية، ولا تزال القطاعات الكبرى محتكرة مثل قطاع الاتصالات دون إجراء إصلاحات تحمي المواطن، ولا يزال قطاع التجار ورجال الإعمال الذين يدفعون الضرائب ملاحقا بشكل يفوق طاقاته، وجزء من هؤلاء قد أفقر وأفلس.
ولو فحص أحد حجم الشيكات الراجعة في البنوك والقضايا المرفوعة سيجد أنها بالملايين، وقسم آخر مهم يتهرب من دفع الضرائب ولا يلاحق، في ظل عدم وجود خطة حقيقية لتشجيع الاستثمار وتطوير الاقتصاد وخلق فرص عمل. 


كما أن الحكومة تثقل على القطاع الأهلي وتعيق عمله ظناً منها أن الأموال التي يدفعها المانحون للمجتمع المدني ستتحول للحكومة، والنتيجة أن الدعم للمجتمع المدني تقلص بصورة ملموسة، كما تقلص أيضاً دعم الحكومة وهذا أضر بالاقتصاد الوطني وزاد العبء على الحكومة. 


وأمام هذا الواقع نحن بحاجة لدراسة الوضع بصورة جدية للخروج من هذا المأزق واعتماد استراتيجية وطنية على الأقل لإنقاذ ما يمكن في ظل هذا التدهور المتسارع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد