تطور التحالف الإيراني قوات حزب الله ، و إعلان الحكومة اللبنانية عزمها للاستمرار في التنقيب عن النفط و الغاز في المياه الإقليمية اللبنانية ، لا يكاد أن يمر يوما دون سماع تصريح سياسي أو عسكري لمسئول إسرائيلي ، يُعبر به عن مدى قلق إسرائيل من استغلال حزب الله لهذا الغاز ، و عن تخوف إسرائيل من زيادة النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ، و بالأخص التواجد المستمر لقوات الحرس الثوري الإيراني بالقرب من الحدود الإسرائيلية. لذا بدأت إسرائيل تُصعد من لهجة التهديد و الوعيد تجاه قوات حزب الله تارة ، و تجاه القوات الإيرانية تارة أخرى ، و في نفس الوقت أصبحت ترسل رسائل تحذيريه للشعب اللبناني حول طبيعة الحرب المقبلة على لبنان.
التهديدات و التحذيرات الإسرائيلية للبنانيين
و ضمن محاولة إسرائيلية حثيثة لتحذير اللبنانيين من خطر التحالف الإيراني مع قوات حزب الله في لبنان ، توعد وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الشعب اللبناني ، و بالأخص سكان بيروت ، قائلا : "لن يكون هناك صور مثل حرب لبنان عام 2006 ، حين شاهدنا سكان بيروت يتجولون على شاطئ البحر وسكان تل أبيب في الملاجئ. المرة القادمة في تل أبيب وفي بيروت سيكونون في الملاجئ".
و لم يكتف ليبرمان بتهديد اللبنانيين بالحرب فقط ، بل أيضا أعلن ليبرمان عبر تصريح له في الصحف الإسرائيلية بأن بلوك الغاز في البحر رقم 9 هو لإسرائيل ، ومع ذلك أعلن لبنان مناقصة بشأنه ، و وصف ليبرمان المناقصة اللبنانية للتنقيب عن الغاز والنفط بأنها أمر” استفزازي جدا“ و أسهب بالقول بأن الشركات الدولية التي ستشارك في المناقصة سترتكب خطأ فادحا.
أما الوزير الإسرائيلي نفتالي بينيت ، فقد صرح أثناء المؤتمر السنوي لمعهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب بأن رأس الأخطبوط ، يجلس في طهران ويمد أذرعه، واحدة في لبنان وهي حزب لله، وواحدة في غزة وهي حماس . و أكد أن إسرائيل لن تسمح بذلك و أنها أصابت حتى الآن ، الرسول أي حزب الله ولم تصب المرسل إيران.
و حذر بينيت بأن إسرائيل لن تكتفي بضرب حزب الله هذه المرة، وإنما ستشمل ضرب لبنان بموجب المعادلة التي كان اقترحها في الماضي وهي: حزب الله يساوي لبنان.
و لم تشمل التهديدات الإسرائيلية مجرد إطلاق تصريحات سياسية غاضبة على لسان القادة الإسرائيليين ، بل وصل الأمر لاقتراح اسم جديد لأية حرب قد تشنها إسرائيل على لبنان ، حيث كتب الجنرال الإسرائيلي، إيلي بن مائير في مقال له نشره في صحيفة معاريف ، بأن الاسم الأكثر ملائمة للحرب القادمة على الجبهة الشمالية للجيش الإسرائيلي ، هو "حرب الشمال الأولى"، وليس حرب لبنان الثالثة، لافتاً إلى أن هذا يعني دخول إسرائيل بحالة استنزاف غير مسبوقة في حال اندلع القتال.
و تدل تلك التصريحات النارية الإسرائيلية على وجود بالفعل مخطط إسرائيلي لشن حرب ثالثة على لبنان قد تهدف لتجريد حزب الله من قدراته العسكرية ، و تحييد لبنان عسكريا ضمن خطة إقليمية كبيرة لإحداث تغيير جذري في الشرق الأوسط.
و في حال حدثت تلك الحرب ، على ما يبدوا أن إسرائيل لن تتردد في استهداف البنية التحتية اللبنانية ، حيث تعتبر إسرائيل أن حزب الله هو من يمثل لبنان في المعركة القادمة ، و أن على الجميع دفع الثمن ، لذا ليس من المستبعد أن تقوم إسرائيل بعمل مغامرة خطيرة في لبنان، من اجل الانتقام من ذراع إيران الأكبر في لبنان في حرب قد تكون أكثر تدميرا من الحروب السابقة.
المحاولات الإسرائيلية للتأثير على الانتخابات اللبنانية
و لم تكتف إسرائيل بالتهديد العنيف لتدمير لبنان في الحرب المقبلة ، بل امتد الأمر لأن يتم حشد أصوات بعض القادة العسكريين الإسرائيليين من أجل التأثير على سير الانتخابات اللبنانية في المستقبل ، عن طريق شن حملة تحريضية ضد حزب الله في مواقع التواصل الاجتماعي التي يمتلكها المتحدثون الرسميون للجيش الإسرائيلي ، من أجل العمل على تشويه صورة حزب الله في الشارع اللبناني ، كتصويره على سبيل المثال ، بأنه يهدد مصالح اللبنانيين باعتباره وكيل لإيران في لبنان.
وقد نشر مؤخراً ، العميد العسكري الإسرائيلي ، رونين منليس ، مقالا طويلا باللغة العربية في موقع المصدر الإسرائيلي بعنوان "2018 .. خيار اللبنانيين! "
و حذر رونين في هذا المقال ، من محاولات حزب الله للسيطرة على الأحزاب اللبنانية و ترجيح كفة الانتخابات لصالحه مصرحاً بأن : " الصراع يتعلّق بمتغيّريْن اثنين: هل الجمهور الدولي ولبنان سيسمحان لإيران وحزب الله باستغلال براءة رؤساء الدولة اللبنانية ، وإقامة مصنع صواريخ دقيقة كما يحاولان في هذه الأيّام، وهل سينجح حزب الله برعاية الانتخابات الجديدة بإسقاط الأحزاب السّنية في الانتخابات القادمة (أيّار 2018) من التمسك بالحكم وتحويل الدولة بشكل رسميّ إلى دولة برعاية إيرانية؟ "
لذا يبدو بشكل واضح من تلك الحملة التحريضية الإسرائيلية ضد حزب الله و إيران ، رغبة إسرائيل الشديدة لتأليب الرأي العام اللبناني ضد حزب الله ، و التأثير بشكل غير مباشر على سير الانتخابات اللبنانية في المستقبل ، محاولة إسرائيل بذلك تحميل الشعب اللبناني المسئولية عن أي دعم قد يقدمه اللبنانيون لحزب الله في الانتخابات المقبلة ، و في نفس الوقت تحاول إسرائيل أن تثير حمى التنافس الحزبي و النزعة الطائفية بين اللبنانيين السنة و اللبنانيين الشيعة عن طريق إثارتها لتساؤلات حول مدى إمكانية نجاح الأحزاب السنية بالانتخابات اللبنانية مقابل حزب الله الشيعي ، بدعوى أن حزب الله سيحول لبنان إلي دولة شيعيه ، و أن اللبنانيين سيدفعون ثمناً باهظاً نتيجة لتحالف حزب الله مع إيران ، في حال بدأت حرب جديدة بين لبنان و إسرائيل.
ردود فعل حزب الله و الحكومة اللبنانية على التهديدات الإسرائيلية
وردا على تلك التهديدات الإسرائيلية المتعلقة برغبة لبنان في التنقيب عن الغاز ، و طبيعة التحالف الإيراني مع حزب الله اللبناني ، صرح الرئيس اللبناني العماد ميشيل عون ، بحسب بيان صادر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية، بأن "لبنان تحرك لمواجهة الادعاءات الإسرائيلية بالطرق الدبلوماسية، مع تأكيده على حقه في الدفاع عن سيادته وسلامة أراضيه بكل السبل المتاحة". ، وأكد عون على "خطورة الموقف الصادر عن وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان حول البلوك رقم 9 في المنطقة الاقتصادية الخالصة في جنوب لبنان.
و في تاريخ 9 شباط ، 2018 ، وقعت الحكومة اللبنانية ، عقوداً مع ثلاثة شركات أجنبية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية الإقليمية، وهي "توتال" الفرنسية و"إيني" الايطالية و"نوفاتيك" الروسية، متجاهلة بذلك التهديدات والتصريحات الإسرائيلية ، وهي بذلك تكون قد ضربت بعرض الحائط التهديدات الإسرائيلية حول النفط و أعلنت رفضها للإملاءات الإسرائيلية و الأمريكية بشكل عملي.
أما بالنسبة لموقف حزب الله من التهديدات الإسرائيلية ، فقد أعلن الأمين العام لحزب الله ، حسن نصر الله خلال إحياء ذكرى القادة الشهداء، أن المقاومة اللبنانية قادرة على إيقاف منصات النفط الإسرائيلية خلال ساعات، وقال أن ثمة معركة نفط وغاز تديرها واشنطن من شرق الفرات إلى العراق فقطر والخليج، و أشار إلى أن إسرائيل تحاول استغلال إدارة الرئيس دونالد ترامب والوهن العربي للحصول على قرار أميركي بضم الجولان إلى كيانه .
وهدد نصر الله ، إسرائيل قائلاً: بأنه إذا طلب مجلس الدفاع الأعلى اللبناني، وقف المنصات الإسرائيلية داخل فلسطين فإن ذلك الأمر سيتم خلال ساعات.
و تحديا لإسرائيل ، أعلن نصر الله بمناسبة ذكرى الثورة الإيرانية ، اعتزاز حزب الله بالنظام الإيراني ، واعتبر أنه من الظلم اتهام حزب الله الذي يفتخر بعلاقته مع إيران بأنه يخدم مصلحة غير مصلحة لبنان، مؤكداً أنّ إيران لا تتدخل في الشأن اللبناني بل على العكس الحكومة اللبنانية ترفض العرض الإيراني لمساعدة البلاد.
ويبدو من تلك التصريحات اللبنانية ، أن الحكومة اللبنانية لن تتنازل عن مشروع التنقيب عن الغاز و النفط في المياه الإقليمية اللبنانية ، و سيستمر حزب الله في تحالفه الاستراتيجي مع إيران على الرغم من التهديدات الإسرائيلية ، حيث يتمتع حزب الله بدعم كبير من إيران في مجال بناء قدراته العسكرية وفي مجال الدعم المالي لعناصره ، و لدى حزب الله قناعه أنه في حال شنت إسرائيل حرب على لبنان ، لن تتردد إيران بتقديم الدعم اللازم للحزب لمواجهة الجيش الإسرائيلي .
و يُعتبر تهديد حزب الله لإسرائيل بإيقاف منصات غازها خلال ساعات، على أن الحزب يمتلك بالفعل قدرة عسكرية كبيرة ، قد تمكنه من تحقيق توازن في عملية الردع بينه و بين إسرائيل ، و أن إسرائيل ستفكر مئة مرة قبل أن تفكر بقصف لبنان ، نظرا لقدرة حزب الله في قصف مواقعها بدعم من إيران، مما سيسبسب ذلك خسائر فادحة لإسرائيل.
أما بالنسبة للحكومة اللبنانية فهي لا تمتلك سوى استخدام ورقة الدبلوماسية من أجل طلب الدعم الدولي لمشروعها الكبير المتعلق بالغاز ، و في نفس الوقت طلب الحماية الدولية من أي اعتداء إسرائيلي على أراضيها .
و لا يستطيع أي حزب لبناني مهما كبر حجمه أن يمنع تطور التحالف الإيراني مع حزب الله ، فلدى حزب الله نفوذ كبير في لبنان ، و هو يمتلك قوة عسكرية ضخمه ، و هو من يسيطر بشكل شبه كامل على الجنوب اللبناني ، إضافةً إلي وزنه السياسي في البرلمان اللبناني وتمتعه بشعبية كبيرة عند الطائفة الشيعية اللبنانية ، مما يجعل أي حزب لبناني صغير يتردد في انتقاد التحالف المقدس بين حزب الله و إيران ، و لكن هذا لا يعني تجاهل وجود بعض الأحزاب اللبنانية المعارضة لسياسة حزب الله في لبنان وسوريا ، و التي علا صوتها في الآونة الأخيرة ، من أجل الاعتراض على طبيعة التحالف بين حزب الله و إيران ، حيث انتقد سعد الحريري ، رئيس تيار المستقبل ، حزب الله أثناء كلمة له في الذكرى ل 13 لاغتيال والداه رفيق الحريري ، فقد خاطب الحريري الجمهور اللبناني بشكل مباشر ، قائلاً : "نحن تيار يرفض أي تحالف مع حزب الله" ، لافتاً إلى أن "المواجهة السياسية والانتخابية الحقيقية هي بين تيار المستقبل وحزب الله. "
ومن الجدير بالذكر ، أن إسرائيل مازالت تخشى من نمو النفوذ الإيراني في بعض الدول العربية ، مما يشكل ذلك تهديدات جدية على وجودها في الشرق الأوسط ، لذا تسعى إسرائيل على تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة عبر استهداف حلفاء إيران الإستراتيجيين في الشرق الأوسط ، و أبرزهم حزب الله في لبنان .
و تشعر إسرائيل بالقلق من الدعم الإيراني العسكري لحزب الله، الذي تتواجد قواته بشكل مستمر في الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ، مما يُشكل ذلك خطر كبير على إسرائيل من حيث قدرة الحزب لاستهداف البلدات الإسرائيلية الشمالية في أية حرب مقبلة.
ومع شعور إسرائيل بحجم الخطر الذي قد يشكله حزب الله على إسرائيل في حال اشتعلت حرب جديدة بينها و بين لبنان ، تحاول إسرائيل الاكتفاء بالتهديدات و التصريحات النارية من أجل تأليب الرأي العام اللبناني ضد حزب الله على أمل أن تنجح في إحداث ثورة داخلية ضد حزب الله في لبنان.
و من الواضح جدا ، أن إسرائيل تُدرك جيدا أن أية حرب جديدة على لبنان سوف تكون مكلفة و حرب مدمرة للطرفين ، لذا تحاول إسرائيل في هذه المرحلة التلويح فقط بالحرب مع الاحتفاظ بخط الرجعة ، لحين تحسن الظروف الإقليمية ، و لحين توفر الوقت المناسب لبدء حربها الجديدة من أجل تحييد لبنان عسكريا و تجريد حزب الله من أسلحته .
و على أبعد تقدير ، أن إسرائيل تحاول حالياً تأجيل حربها على لبنان لأطول مدة زمنية ممكنة ، حتى تنتهي من بناء جداراها على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، و لكن ذلك لا يعنى أن إسرائيل قد لا تتورط بحرب جديدة على لبنان قبل الانتهاء من بناء الجدار ، في حال قام حزب الله بتنفيذ عملية عسكرية نوعية ضد إسرائيل ، و في حال سقط عدد من القتلى في الصف الإسرائيلي نتيجة لتلك العملية المحتملة في أي وقت.
أما بالنسبة لحزب الله ، فهو يمتلك قوة عسكرية كبيرة لا يمكن الاستهانة بها ، و هو لديه القدرة لاستعمال أسلحة و صواريخ متطورة قد تُغير من المعادلة الإسرائيلية ، و تحقق توازن في عملية الردع المتبادل بينه و بين إسرائيل ، ولكن في تلك المرحلة لا يرغب أيضاً حزب الله في التصعيد، وهو يتخذ موقف الدفاع عن مصالحه في لبنان ، و حليفه الأسد في سوريا ، وفي نفس الوقت يُدرك الحزب ، أن حربا ثالثة قادمة على لبنان ، و لابد من البقاء على أهبة الاستعداد بشكل دوري دون منح فرصة لإسرائيل بجر قدميه لتلك الحرب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية