بعد أن أوصت الشرطة الإسرائيلية بتقديم لائحة اتهام ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في قضيتي فساد تعرفان برقمي (1000) و (2000)، بالرغم من كل الجهود التي بذلها نتنياهو للحيلولة دون صدور هذه التوصية بما في ذلك محاولة سن قانون جديد يحرم الشرطة من الحق بالتوصية بإصدار لوائح اتهام، جاء اعتقال عدد من المشبوهين في القضية الرابعة المعروفة بقضية (4000)، وهي الأخطر عليه، ليشكل ضربة أخرى قوية تجعل من سقوطه أكثر احتمالاً من أي وقت مضى.


القضية (1000) تتعلق بتلقي رئيس الحكومة وعائلته هدايا ثمينة من رجال أعمال أثرياء مقابل خدمات أسداها لهم، والقضية (2000) هي قضية صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي حاول نتنياهو شراء موقفها، أي الحصول على تغطية إيجابية ومنحازة لصالحه في الصحيفة الأهم من حيث توجيه الانتقاد له، بثمن إصدار تشريع يضيق الخناق على صحيفة "إسرائيل اليوم" الأوسع انتشاراً لأنها توزع مجاناً، والتي يملكها رجل الأعمال شيلدون أدلسون وتعمل لصالح نتنياهو بشكل مطلق، وفي هذه القضية هناك تسجيلات صوتية لنتنياهو وهو يعرض الصفقة على مالك "يديعوت أحرونوت" أرنون موزيس. 


ثم القضية الثالثة (3000) هي قضية شراء الغواصات الألمانية والتي فيها شبهات بالرشوة، أما القضية (4000) فهي مرتبطة بشركة الاتصالات الأرضية "بيزك" والموقع الإخباري الأهم في إسرائيل "واللا"، ومن حيثيات هذا الملف يبدو أن نتنياهو قام بمنع إجراء إصلاحات في قطاع الاتصالات الأرضية التي تحتكرها شركة "بيزك" والتي من شأنها تخفيض فاتورة المستهلك بصورة ملموسة كما حصل في قطاع الاتصالات الخليوية، ما منح الشركة مكاسب بمئات ملايين الشواكل، مقابل الحصول على تغطية إخبارية منحازة في موقع "واللا" الذي يملكه شاؤول ألوفيتش مالك الحصة الأكبر في شركة "بيزك". 


لقد مثل اعتقال ألوفيتش وعدد آخر من المتهمين من المقربين لنتنياهو والمعينين من قبله في وزارة الاتصالات ومواقع أخرى، تطوراً سلبياً جداً على مستقبل نتنياهو وإمكانية محاكمته بتهم الفساد، علماً أنه متهم في القضيتين الأولى والثانية بتلقي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، بينما في القضية الرابعة ترتبط التهم بالاحتيال وغسيل الأموال والأوراق المالية. 
وإذا ما صدرت توصية من الشرطة بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو في هذه القضية عقب التحقيق مع المتهمين الذين سيتحول قسم منهم إلى "شهود ملك" مقابل التملص من العقوبة أو تخفيفها بصورة كبيرة، فلا مجال أمامه للإفلات من المحاكمة.


على كل حال لا يزال من المبكر الحديث عن تقديم لوائح اتهام ضد نتنياهو على الرغم من توصية الشرطة، فهذا الموضوع سيخضع لدراسة النيابة العامة لفترة طويلة من الوقت قبل أن يعرض على المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت الذي بدوره سيقرر إذا ما كانت ستقدم لائحة اتهام أو لا. 


طبعاً إذا كانت الأدلة دامغة وغير قابلة للشك لا يستطيع أحد أن يمنع ذلك، ولكن التوقيت يمكن التلاعب فيه قليلاً. 


وهناك تقديرات بأنه لن يتم البت في الموضوع قبل مرور ستة شهور على الأقل، أي لا يزال هناك بعض الوقت أمام نتنياهو للبقاء رئيساً للحكومة طالما أن أطراف الائتلاف الحاكم لا تريد إسقاط الحكومة والذهاب لانتخابات مبكرة.


كان الإعلام عقدة نتنياهو الأبرز كرئيس حكومة، وكما يلاحظ هناك قضيتان من أصل أربع مرتبطتان بالسيطرة على الإعلام، وهو يعلم أن استمراره بالحكم يتعلق بمدى نجاحه في الإعلام، وللحقيقة هو نجح في هذا المجال بامتياز، كيف لا وهو الذي استطاع أن يخرج الجمهور للتصويت المكثف في الانتخابات الأخيرة بعد أن أخاف الإسرائيليين اليهود من الخروج العارم للجماهير الفلسطينية في إسرائيل للمشاركة في التصويت. 


ونجح في تسويق نفسه باعتباره أكبر المدافعين عن أمن إسرائيل في وجه التهديدات الوجودية، غير الموجودة في الواقع لا في إيران ولا في أي مكان. 


ونجح كذلك في إيهام الإسرائيليين بأنه إذا غاب لن يكون هناك من يحفظ أمن ومصالح إسرائيل مثله. ويستطيع أن يسجل لنفسه نجاحات أخرى مثل شيطنة إيران، واتهام الفلسطينيين بالتحريض وتأليب أطراف دولية ضد السلطة بحجة أن دفع رواتب الأسرى والجرحى والشهداء يندرج في إطار التحريض وتشجيع المقاومة المسلحة.


الآن سيتحول الإعلام إلى سلطة قوية ضده وربما يساهم بصورة جدية في إسقاطه بدفع الجماهير للخروج ضده في تظاهرات حاشدة تؤثر على استمراره في الحكم حتى تتم إدانته. 


وربما تؤدي تظاهرات حاشدة إذا ما حصلت إلى دفع بعض أطراف الائتلاف مثل حركة "كلنا" للانسحاب من الحكومة وإسقاطها في إطار الخوف من دفع الثمن الشعبي إذا بقيت تغطي على فساد رئيس الحكومة. وهذا ربما يدفع نتنياهو إلى التفكير بحرب لصرف أنظار الجمهور عن فساده. ولكن أي حرب لن تكون نزهة وكل مغامرة ستكون محفوفة بمخاطر كبيرة تضرب فيها الجبهة الداخلية بقوة، وقد تكون نتائجها معاكسة تماماً لما يريده، وبدلاً من أن يثبت أنه سيد الأمن سيقود إلى وضع يشعر فيه الإسرائيليون بأنهم بسببه يفقدون الأمن والاستقرار. ولهذا لن يسارع نتنياهو إلى حرب طالما لا يضمن أنها ستكون سريعة وحاسمة وبأقل الأضرار على الجبهة الداخلية، فهل يوجد خيار كهذا؟.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد