162-TRIAL-
الصحفي هو مرآة مجتمعه، وهو الناقل الأمين للحقيقة والمعلومة والحدث، وهو الذي خوّلته مهنته أن يكون أداة مجتمعه في ايضاح الصورة ورسم معالم الطريق أمام المواطن الذي ينتظر من هؤلاء أن يكونوا عينه التي لا تنام سهراً على حقوقه وكشفاً لكل مستور يتم ترتيبه في غيبته، ولذا حملهم الناس إلى "عرش صاحبة الجلالة"، وقضوا لهم "سلطة رابعة" تجاور السلطات الثلاث التي تراعي حرمتها مواد الدستور ومواثيق العدالة، ومن أجل كل ذلك كان واجب المجتمع نحو الصحفيين هو أن يحتضهم ويحترمهم ويقدر عملهم الذي يجلبون بسببه "المتاعب" على أنفسهم، ويضحون أحياناً بحياتهم وينزفون دمهم ثمناً لالتزامهم بالحقيقة ولا شيء سواها.
نقابة الصحفيين هي الوطن المعنوي لكل صحفي في بلده، ودورها في فلسطين يتجاوز حدود التعاطي مع حقوق أصحاب مهنة الصحابة، ويتعداه إلى دور نضالي بارز في المشهد التحرري والنضالي المقاوم للاحتلال، وليس غريباً أن نقابة الصحفيين هي إحدى الهيئات الأساسية المكونة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتضطلع بدورها هذا منذ تأسيس الهوية الوطنية الحديثة، وينبغي عليها أن تظل عنواناً لكل من يحمل لقب "صحفي" في فلسطين، ولا يختلف اثنان على أن الصحفيين ذاقوا الهوان خلال فترة الانقسام البغيض، وحُمّلوا ما لا يحتمله البشر من أجل أن يقوموا بأداء وظائفهم بحيادية ومهنية وموضوعية، وقُمعوا في أكثر من محفل وأكثر من محطة وأكثر من ميدان، ويعتبر موضوع العمل على وحدة الجسم الصحفي في فلسطين إحدى القيم الأساسية التي ينبغي على كل من ينتمي للجسم الصحفي أن يؤمن بها ويعمل على تحقيقها في المرحلة القادمة.
شعر الصحفيون في قطاع غزة ، وكاتب هذه السطور منهم، بكثير من السعادة والابتهاج عندما علموا أن مقراً جديداً لنقابة الصحفيين "الموحّدة" قد تم افتتاحه في غزة، وتأكد لهم اليوم أن لا عزة للصحفيين إلا بتماسكهم، وأن صفحة انقسام الجسم الصحفي يجب أن تغلق للأبد، وأنه آن الآوان لندافع جميعاً عن مهنيتنا، وألا نكون فريسة للحزبية البغيضة، على اعتبار أن الحرية تُنتزع انتزاعاً، وأنها كيان واحد غير قابل للتجزئة، وأن "تغوّل" السلطات المختلفة على الصحفيين نابع من احساس هذه الجهات بأن النقابة المنقسمة على نفسها لن تكون قادرة على اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع التعرض لأعضائها أو قمعهم أو التنكيل بهم تحت أي ذريعة وتحت أي ظرف من الظروف، فالعالم كله كرّم الصحفي الفلسطيني، ومئات الجوائز الدولية حصدها صحفيونا عند الأجانب، بينما لا نرى ولا نشاهد فعاليات فلسطينية يُكرّم فيها الصحفيون أو يُعتد بمواقفهم وجرأتهم في عرض هموم شعبهم وتبيان حقيقة المأساة التي يعيشها.
آن أوان انصاف الصحافة الفلسطينية، ولا مجال لبسط الحضور الصحفي في المشهد الوطني إلا بعودة "الابن" إلى صدر أمه، وبعودة "الشرعية" التي طال انتظارها للجسم الصحفي، وهي شرعية ينبغي أن تتأسس على شراكة دائمة، على اعتبار أن الاحتلال لم ينتهي بعد، وأن نضالات طويلة تنتظر المجموع الصحفي بجوار كل شرائح المجتمع الفلسطيني حتى يأتي يوم الخلاص.
45

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد