قادة ومختصون يشرحون الوضع الكارثي بغزة
حذّر ساسة واقتصاديون وأكاديميون ومثقفون، من خطورة الأوضاع في قطاع غزة ، مجمعين على أهمية تدارك ما يجري سريعًا ومعالجته قدر الإمكان للمضي قدمًا في مسيرة النهضة والتحرير.
جاء ذلك خلال حلقة نقاش، نظمها مركز فلسطين للدراسات والبحوث، مساء الأحد، في مدينة غزة، تحت عنوان (غزة إلى أين في ظل الحصار والتحديات؟).
واستعرض المسؤول الإعلامي بغرفة تجارة وصناعة محافظة غزة الدكتور ماهر الطباع، بيانات وأرقام هامة سلط فيها الأضواء على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الكارثية في القطاع المحاصر.
وأوضح أن عام 2017 شهد ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات البطالة، حيث بلغت 46.6% في الربع الثالث من ذلك العام، وتجاوز عدد العاطلين عن العمل ما يزيد عن 243 ألف شخص, إضافةً لحالة الركود التجاري التي لم يسبق لها مثيل نتيجة لخصم من 30% إلى 50% من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة
وبين الطباع أن الخصومات من رواتب الموظفين أدت لاختفاء 20 مليون دولار من الأسواق في غزة، منوهًا إلى أنه على مدار 9 أشهر اختفت 180 مليون دولار، الأمر الذي تسبب بانعدام القدرة الشرائية، وبخلل كبير في حركة دوران السيولة النقدية، ونقصها من الأسواق، وارتفاع مبالغ وقيمة الشيكات الراجعة، وهو ما كان له تداعيات خطيرة وكارثية على كافة مناحي الحياة.
وأشار إلى انخفاض عدد الشاحنات الواردة إلى غزة يوميًا من 700- 800 لـ 300 -350 شاحنة، لافتًا إلى أن 11 ألف شاحنة تم توريدها للقطاع في يناير 2017، في حين انخفض ذلك العدد في يناير 2018 ليصل إلى 7 آلاف شاحنة فقط.
وعزى السبب في هذا الانخفاض لضعف القدرة الشرائية للمواطنين، ما أدى لتكدس البضائع لدى التجار، وعدم قدرتهم على استيراد بضائع جديدة.
وأبدى الطباع تخوفه من تردي الأوضاع أكثر خلال العام الجاري ، مشددًا على أن قطاع غزة يشهد أزمة خانقة، ويجب افتعال أزمات للخروج ببعض الحلول.
بدوره، شخّص الخبير القانوني والناشط في مجال حقوق الإنسان عصام يونس، الواقع من حولنا بالقول إننا "نشهد أفول الوطنية الفلسطينية، ونشهد أيضًا تفتيتًا جغرافيًا، وهو الأمر الذي يتهدد الهوية الوطنية الجامعة".
ولفت إلى أننا أبعد ما نكون عن تحقيق برنامجنا الوطني، مشيرًا إلى أن عامل الزمن كان ولا زال سيفًا مسلطًا على رقاب الفلسطينيين.
وعدّد في ثنايا حديثه أمثلة متعددة للتأكيد على قوله، منها أن ما بدا أنه انقسام في عام 2007 يختلف عما بدا في عام 2017، وما بدا أنه مصالحة في عام 2007 غير مصالحة 2017.
وشدد يونس على أن "موضوع الهوية أخطر ما يواجه الفلسطينيين، وعليه يجب تدارك هذا الخطر الحقيقي، فالقادم – برأيي- أسوأ إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه"، على حد قوله.
وانتقد تعامل النظام السياسي الفلسطيني بردات الفعل إزاء المخاطر والمشاريع التي تطرح، متوقعًا في السياق من أن موضوع " الأونروا " – على سبيل المثال- لن ينتهي عند الحد الذي أعلنته إدارة دونالد ترامب، بل سيتم الضغط على الأوروبيين في هذا الجانب، وعليه لابد من التحرك جديًا وسريعًا.
وحذّر يونس بشدة من خطورة فشل المصالحة الفلسطينية هذه المرة، معتبرًا أن ذلك سيكون أمرًا بالغ الصعوبة، وسينقلنا إلى حالة من الإحباط الجمعي.
من جانبه، رأى القيادي في حركة حماس الدكتور إسماعيل رضوان، أن السلطة لم ترق إلى مستوى التحديات والمخاطر التي تعصف بالقضية الفلسطينية.
وأكد رضوان أن المطلوب الآن هو تركيع وكسر غزة، حتى تُسلم بما يسمى " صفقة القرن "، التي يراد بها تصفية القضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن هنالك دولًا عربية تعطي الغطاء لهذه الصفقة.
وتساءل في ثنايا حديثه: لماذا لم تحقق الوحدة وتطو صفحة الانقسام؟!، ليجيب قائلًا: "هذه جزئية تدخل في السياق الذي تحدثت عنه للضغط على شعبنا، والمطلوب من كل القطاعات السياسية والفكرية والمثقفين أن يشكلوا ضغطًا لإنهاء الانقسام والتسريع باتجاه المصالحة".
من ناحيته، أكد عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين صالح ناصر، أن غزة يحركها باستمرار المشروع الوطني، مبينًا أنها أسقطت مشروع التوطين، وهي رافعة المشروع الوطني.
ودعا ناصر إلى معالجة وطنية للأزمات التي يعيشها أهالي غزة، لاسيما على صعيد إنهاء الانقسام، لافتًا إلى أنه برغم التجارب التي لم نصل بها إلى نتيجة في هذا الجانب يفترض بنا أن نبذل جهدًا أكبر، وأن نستمر بالبحث عن أساليب وطرق عمل ووسائل مختلفة تقودنا للوحدة الحقيقية.
أما عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جميل مزهر، فاستعرض سيناريوهات قاتمة قد تصل إليها الأوضاع في غزة، إذا لم يتم صياغة حلول وطنية لإنهاء الأزمات القائمة.
ومن بين ما طرح مزهر من سيناريوهات: غزة باتجاه الفوضى، غزة باتجاه التجويع، غزة إلى مزيد من الحروب العاصفة، أو حلول بديلة كدولة غزة أو الانسلاخ، ليتساءل: "هل سنخضع لهذا كله ونُسلم بما هو آتٍ؟! .. برأيي أن المصالحة والوحدة مفتاح الحل للأزمات الوطنية والحياتية والمعيشية".
من جهته، أكد القيادي بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الشيخ خضر حبيب، أن المشروع الوطني في أزمة حقيقية أوصلتنا إلى هذا المنحدر الصعب.
وانتقد بشدة طريقة تعاطي النظام السياسي الفلسطيني مع التحديات والمخاطر التي تعصف بالقضية الفلسطينية، وتبني السلطة لنهج الإقصاء، وتجاهلها التام لمبدأ الشراكة الوطنية.
ودعا الشيخ حبيب إلى إنهاء سياسة التفرد بصنع القرار، واعتماد حوار وطني مسؤول وجاد لإنقاذ القضية الفلسطينية بمجملها، وغزة على وجه الخصوص، من الكوارث والأزمات.
بدوره، أكد المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة السابقة في غزة عصام الدعاليس، أنه لا أحد يعفي الاحتلال الإسرائيلي من مسؤولياته عن حصار القطاع.
وقال :" عندما تتعرض الدول للحصار تقوم الحكومات بدعم الاقتصاد الداخلي لتجاوز المحنة، لكن للأسف السلطة ممثلةً بحكومة الوفاق زادت من عقوباتها وحصارها لشعبنا مما زاد الأمور تعقيدًا".
وتناول الدعاليس تقرير الموازنة الصادر عن وزارة المالية للعام 2016، حيث بلغ إنفاق السلطة الفعلي 4,1 مليار دولار، صُرف منها على غزة 1,014 بنسبة 24% من إجمالي الإنفاق. والبنك الدولي تحدث فقط عن 17%.
وبموجب التقرير فإن الحكومة الفلسطينية تجبي من غزة والضفة 3,5 مليار بمعدل 297 مليون دولار شهريًا، ومن هذا المبلغ يدفع لغزة 119 مليون دولار، أي ما نسبته 40% فقط.
وتعليقًا على هذه المعطيات، قال الدعاليس:" نحن أمام أزمة حقيقية في غزة، فالحكومة تستفيد من غزة ولا تعززها، والعدو الإسرائيلي يواصل حصاره للقطاع".
وخلُص الدعاليس في حديثه، إلى دعوة الحكومة لتحمل مسؤولياتها عن القطاع، وتعزز من صموده وتضخ ما تجبيه من غزة في غزة لتقف على أرجلها. كما دعا الفصائل إلى أن تتحمل مسؤولياتها إزاء ما يجري، ولا تكتفي بالحديث والتوصيف للواقع، فالكل يعيش الواقع، وعليه اتخاذ خطوات عملية للخروج من هذه الأزمات.
بدوره، أكد أستاذ الجغرافية السياسية في جامعة الأزهر الدكتور أحمد دحلان، أن الشارع المنهك ينتظر خطوات عملية للنهوض بحاله، وبقضيته الوطنية التي تتعرض للتصفية.
ولا يعفِ دحلان طرفي الانقسام من كونهما شريكان في الأزمات العاصفة، منوهًا إلى أن غزة تُستهدف لأنها تحمل الهوية الوطنية، وتحافظ عليها.
ونبّه الأكاديمي الفلسطيني، الجميع (قوى، مؤسسات، فعاليات شعبية) من خطورة وصعوبة ما هو قادم لغزة - على ضوء ما أشار إليه