لم يعد ثمة مجال للتكهن، بشأن مضامين وأهداف صفقة القرن التي يقول جيسون غرينبلات إنها قيد الإعداد في مراحلها الأخيرة. الصفقة ليست معروضة للمفاوضات، وإنما مطروحة لفرضها على كل الأطراف، وهي لا تتصل بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنما هي ذات طبيعة إقليمية، وتستهدف إقامة تحالفات إقليمية لمواجهة ما تعتبره واشنطن أولوية خطر الارهاب الإيراني. 


لا مجال في صفقة القرن لحقوق فلسطينية في القدس ، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ينبغي أن تختفي إذ لا يمكنها أن تستمر إلى الأبد كما يقول غرينبلات.
هي الحرب إذاً أطلقها ترامب، ضد الفلسطينيين والعرب وحقوقهم التي تحصرها الولايات المتحدة، لحماية ما تبقى من الدول العربية، وبما يضمن استمرار الهيمنة الأميركية على مقدراتها، ومساعدة إسرائيل على تعظيم دورها ومصالحها في المنطقة.


لكل شيء ثمن، فإن أراد العرب، حماية أنفسهم والمحافظة على استقرار أنظمتهم السياسية، المهددة من قبل إيران وحلفائها فإن عليهم أن يدفعوا الثمن. الثمن باهظ ويبدأ بالتخلي عن القضية الفلسطينية والحقوق العربية التي تسلبها إسرائيل، وخوض حروب داحس والغبراء، على حسابهم ومن دون أن تتكلف الخزانة الأميركية أي دولار، وفي الأخير، تسليم ثرواتهم، وحريتهم إلى التحالف الأميركي الإسرائيلي.


هذا هو الموضوع لا أقل ولا أكثر، أما بالنسبة للفلسطينيين فإن أمرهم متروك لإسرائيل، التي تعتقد أن زمن ترامب يوفر لهم الفرصة للاستعجال في تنفيذ مخططاتها التوسعية، ومصادرة كل حقوقهم، بما في ذلك إعلان السيادة الإسرائيلية على الجولان السورية.


حين نحيل هذه المضامين والأهداف إلى التحليل الموضوعي المنطقي فإن ذلك يعني انتهاء مرحلة البحث عن السلام، باعتماد المفاوضات، كما أنه يعني أن الحقوق التاريخية الفلسطينية كلها مطروحة في الميدان، ميدان الصراع المفتوح. تطابق كامل دون أي خلافات حول الحقوق الفلسطينية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولذلك فإن النضال الفلسطيني بصفة عامة يعود إلى مربعه الأول حيث تقف الولايات المتحدة على رأس أعداء الشعب الفلسطيني.


هل يمكن بعد ذلك المراهنة على أي طرف دولي فاعل، لإحياء عملية السلام على أساس رؤية الدولتين، أم أن السياسة الأميركية الإسرائيلية تغلق الطريق تماماً أمام كل محاولة من هذا النوع ومن أي جهة كانت؟ 


من الصعب انتظار طرف دولي أو أطراف دولية مستعدة لخوض معركة مع الولايات المتحدة لإفشال سعيها لفرض صفقة القرن، التي تفترض دفع بعض العرب لتجاوز الموقف الفلسطيني، ومبادرة السلام العربية، والانتقال إلى مرحلة التطبيع والتعاون مع إسرائيل. خلال هذه المرحلة تحاول إسرائيل احتواء المقاومة الفلسطينية المحتملة، إن كان بشقها السياسي والدبلوماسي، والشعبي أو بشقها العسكري.


خطاب متناقض تماماً، يميز السياسة الإسرائيلية، إذ تتعالى الصيحات بشأن الوضع الإنساني المأساوي الذي يعاني منه قطاع غزة ، وفي الوقت ذاته التهديد بشن حرب جديدة على القطاع باعتبارها الجبهة الأكثر سهولة من بين الجبهات التي تنطوي على تهديد.


يتحدثون في إسرائيل كثيراً عن احتمال انفجار الوضع في قطاع غزة، ويظهرون استعداداً لفظياً، لتقديم عون غذائي وطبي، وبعضهم تحدث عن استعداد إسرائيل لاستثمار مليار دولار لصالح قطاع غزة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والمياه والصحة، ولكنهم يقومون بإجراء مناورات عسكرية في غلاف غزة تحسباً لانفجار الوضع.
من المؤسف أن تبدي إسرائيل المحتلة، هذا القدر من التعاطف الإنساني اللفظي مع سكان القطاع المنكوبين، بينما يصمت العرب، ويصمت المجتمع الدولي، ويتعطل قطار المصالحة الفلسطينية .


في الواقع فإن إسرائيل تعمل على حرف الأنظار عما تقوم به في القدس والضفة الغربية حيث ميدان الحرب الأساسية. في القدس تتصرف إسرائيل بكل قوة، نحو «تطهير» الوجود الفلسطيني فيها فتقوم بإغلاق عديد المؤسسات البحثية، والاجتماعية والثقافية. ليس هذا وحسب بل انها تقرر فرض ضريبة «الأرنونا»على المؤسسات الدولية، والكنائس والأماكن المقدسة، وتفرض عليها دفع عشرات ملايين الدولارات، الهدف واضح، إذ تسعى إسرائيل لابتزاز هذه المؤسسات وإرغامها على بيع ممتلكاتها وعقاراتها ومغادرة المدينة، ومعها مغادرة الخدمات التي تقدمها، ذلك أن هذه المؤسسات غير قادرة على الوفاء بالديون المترتبة عليها وفق القرارات الإسرائيلية.


إذا كانت هذه هي الحرب، فإن الفلسطينيين لا يستطيعون دفن رؤوسهم في التراب، والاستمرار في سياسة التردد، والتباطؤ كما تدل على ذلك كل قراراتهم وممارساتهم. خوض الحرب استجابة لإعلانها من قبل التحالف الأميركي الإسرائيلي يستدعي أول ما يستدعي إنجاز الوحدة الفلسطينية، والعمل بصورة جماعية على تعزيز صمود المواطن الفلسطيني على أرضه، والبدء بتنفيذ القرارات التي اتخذها المجلس المركزي الفلسطيني. ولكن وقبل أن تكتمل الصفقة ويجري الإعلان عنها لا بد للفلسطينيين أن يضعوا أمام العرب خطوطهم الحمراء التي لا ينبغي على العرب تجاوزها وعلى رأسها تحريم التطبيع والتعاون بين أي دولة عربية وإسرائيل. 


بمعنى آخر نزع الشرعية عن أي سلوك أو موقف عربي يتجاوب مع متطلبات صفقة القرن من خلال القبول بأي علاقة مع دولة الاحتلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد