بالرغم من أنني ضد أن يكون للمجتمع المدني أي دور في أي حكومة لاعتقادي الجازم بان انتقال أي ناشط من المجتمع المدني من موقع المنتقد للحكومة إلي موقع الحكومة الذي يوجه لها دائماً الانتقاد يشوبه الكثير من النقائص وازدواجية المفاهيم والمعايير التي تشكل تناقضا اساسيا مع المهام التي ناضل من اجلها هؤلاء النشطاء عقودا طويلة.

وأعتقد أن وجود نشطاء من المجتمع المدني في أجسام الحكومات يشكل لطمة كبرى لكل العارفين بخبايا مشروع تقوية المجتمع المدني وشفافيته التي ناضل ويناضل من اجلها الجميع .

إلا أنني في الوقت ذاته اعتقد أن الإعلام ووكالات الأنباء تتحمل مسؤولية أولى عن خلق حالة من البلبلة وإشغال المجتمع في قضايا ليست ذات أهمية أولى في لحظة اكبر من التفاصيل، وهي أن المصالحة تتحقق بعد سبع سنوات من المعاناة والتراجع والفقر، والأمراض الاجتماعية، وانهيار النظام السياسي الفلسطيني، وتخلف المشروع الوطني.

ومن البديهي ايضا القول ان الأسماء التي ذكرت في الإعلام لا تتحمل مسؤولية عما نشر، ولا تتحمل مسؤولية عن ترشيحهم وزراء من قبل المستوى السياسي في الحركتين " حماس وفتح  " ، حيث لم يصدر عن أي منهم تصريح أو تلميح يشير إلى موضوع الحكومة.

وما أود قوله هنا هو، أن المجتمع المدني بني بضالات نشطائه على مدار سنين طويلة، وتحمل ما تحمل من ملاحقات من الاحتلال، ثم السلطة وأجهزتها، وحملات التشهير والتخوين والاتهام بالفساد ، والعمل لصالح أجندات، ومحاولة السلطات والحكومات المتعاقبة في الضفة الغربية وقطاع غزة إقناع  قطاع واسع من المجتمع ، بأن منظمات المجتمع المدني والعاملين فيها ما هم إلا مجموعة من أصحاب الأجندات الشخصية، رغم ذلك كله صمد هذا المجتمع المدني، وأصبح هو المجتمع المدني الأقوى في المنطقة العربية، باعترافات كافة نشطاء ومنظمات المجتمع المدني في الدول العربية .
والمجتمع المدني الذي يتشرف بأن الدكتور حيدر عبد الشافي كان أباً روحياً له، ومنارا لكل مناضليه، هو نفسه المجتمع المدني الذي وقف ولا زال ضد سياسات القمع والترهيب، وضد شريعة الغاب، وضد الانقسام ، والحصار والاحتلال وجرائمه، وهو نفسه الذي قاد وبني حركة المقاطعة الدولية ضد الاحتلال، وهو الذي يرفع صوته ضد قرارات وقوانين متخلفة، وهو الذي يسعى ويحاول من أجل القضاء على البطالة والفقر والمرض.

لا أقول ذلك دفاعاً عن المجتمع المدني، وليس من أجل توضيح انجازاته، وليس انتصاراً لأحد، إنما رسالتي من ذلك وهي موجهة للمجتمع، وللقوى السياسية، ثم لزملائي نشطاء المجتمع المدني، هي: يجب علي نشطاء المجتمع المدني أن لا يسمحوا بالتخلي عن مفاهيم ومبادئ ناضلوا من أجلها، او ان يتم التخلي مع مضامينها.
وينبغي على القوى السياسية أن تحافظ على مجتمع مدني قوي، وتحرص على توفير شروط بقاءه واستمراره من خلال عدم الزج بهم في تشكيلات وزارية وحكومية حتى من باب الترشيح، فمجتمعنا الفلسطيني لديه من الكفاءات والخبرات الهائلة التي تفوق في الكثير من الأحيان رؤية المستويات السياسية في الأحزاب والحركات.

وفي تصوري ايضا انه ينبغي على الفصائل والقوى السياسية ان تركز بحثها عن عوامل القوة في المجتمع، وتقدم له وللعالم الكفاءات والطاقات المهملة، اللذين تم تجاهلها نتيجة لضعف أصحاب القرار، وتخلفهم، وعدم قدرتهم على مواجهة ضعفهم أمام من هم أكفأ منهم.

المجتمع المدني مكانه وموقعه ليس في حكومات، ولا وزارات  بل، مكانهم الطبيعي النضال مع أبناء المجتمع من أجل سيادة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وقيادة الحركة التنويرية، ضد الفقر والجهل والمرض والتخلف والبطالة، دورهم هو رقيب على أداء السلطات، ورفع صوتهم ضد الممارسات الخاطئة وليس الانتقال من موقع إلى موقع نقيض بالشكل والمضمون.

ومملا ريب فيه بان نشطاء المجتمع المدني يستطيعون خوض  غمار  السياسة إن أرادوا ورغبوا، من خلال مشاركة في انتخابات، ليقول الشارع كلمته فيهم، فليس مهم أن يرشحك مسؤول، أو ماذا يقول عنك المسئول، بل الأهم هو رأي المواطن الذي يختار قيادته.

ان الانحياز الى الحقيقة والدفاع عن المظلومين وتنمية عوامل واسس المدنية اهم بكثير من مناصب قد تستمر اسابيعا او شهورا على اكثر تقدير ستساهم حتما في تشويه صورة اولئك النشطاء وتوجيه ضربات قاصمة الى المشروع المدني الذي يتعرض لاخطار دائمة ومتواصلة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد