دأب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تصوير كل رحلة خارجية له على أنها إنجاز كبير واختراق سياسي مثير، على الرغم من أنه في الحقيقة يحصد الفشل تلو الآخر. 
فقبل فترة تحدث نتنياهو عن نجاحه الكبير في اختراق الساحة الإفريقية وتجنيد دول القارة السوداء لصالح إسرائيل، وتغيير صورة التصويت التلقائي الإفريقي والدولي الداعم للشعب الفلسطيني في المؤسسات الدولية، وروج لانعقاد قمة إفريقية - إسرائيلية لم تحصل طبعاً لموقف دولة جنوب إفريقيا الرائع وموقف دول عديدة في الاتحاد الإفريقي. 


وجاءت زيارة الرئيس أبو مازن الناجحة والقرارات الإفريقية المساندة للموقف الفلسطيني لتصفع نتنياهو وتفضح أكاذيبه وادعاءاته الفارغة.


وهذا ينطبق على زيارته الفاشلة لأوروبا والترويج لأكذوبة أن هناك دولاً أوروبية ستحذو حذو الولايات المتحدة الأميركية في الاعتراف ب القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفاراتها من تل أبيب إلى القدس، واستخدم الإعلام الإسرائيلي التصريح الذي صدر عن رئيس حزب روماني يتحدث عن تفكير بلاده بنقل سفارتها إلى القدس كدليل على نجاح زيارة نتنياهو الذي ادّعى أن دولاً أوروبية أبلغته بموقفها الذي يتوافق مع الموقف الأميركي، ليتضح بعد ذلك أن زيارته لأوروبا كانت فاشلة تماماً وأنه أبلغ بالموقف الأوروبي الجماعي الرافض للخطوة الأميركية، بل والرافض تماماً للسياسة الإسرائيلية تجاه المناطق الفلسطينية المحتلة وخاصة الاستمرار في البناء الاستيطاني وهدم البيوت والمشاريع في مناطق (ج) في الضفة الغربية، وكذلك السياسة الإسرائيلية تجاه قطاع غزة .


ولعل الموقف الأوروبي من موضوع الدعم الأميركي للأونروا هو دليل آخر على الفشل الإسرائيلي والأميركي على السواء.


ونفس الشيء يتكرر في زيارة نتنياهو لروسيا ومحاولة إظهار التفاهمات والعلاقة الجيدة مع روسيا وكأن روسيا قد تغيرت، فالموقف الروسي كان واضحاً وقاطعاً في معارضة السياسة الأميركية والإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية. 


بل إن الموضوع الوحيد الذي حاول فيه نتنياهو أن يحقق إنجازاً أو تقدماً وهو إبعاد الإيرانيين عن حدود الجولان المحتلة مسافة كبيرة، لم ينجح فيه. 


ورفضت روسيا الادعاءات والحجج الإسرائيلية، وتابعاً لهذه الزيارة جاء الموقف السوري الذي هدد بقصف مطار اللد إذا ما استمرت إسرائيل باستباحة الأجواء السوري واستهداف مواقع في سورية، وهذا إنما يعبر دون شك عن تحول في الموقف الروسي تجاه العدوان الإسرائيلي. 


وللعلم ستحصل سورية على صواريخ أس 400 المتطورة جداً من روسيا مقابل السماح لروسيا بإقامة قاعدة جديدة، أي أن الأمور ذاهبة باتجاه أكثر خطورة على إسرائيل التي تحاول اللعب بالورقة الإيرانية وورقة "حزب الله".


حتى الهند التي عقدت صفقات تسليح كبيرة مع إسرائيل والتي زارها نتنياهو بوفد تجاري كبير للغاية أظهرت أن مواقفها تجاه القضية الفلسطينية لم تتغير، بل وهناك أحاديث عن تقليص حجم صفقة صواريخ كانت الهند تنوي شراءها. 


ولم يفهم نتنياهو الفرق بين صفقات تجارية تحاول فيها بعض الدول الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية، الأميركية والغربية في الأصل وبين المواقف السياسية التي لا تتبدل بسهولة خاصة تجاه قضية تحظى بإجماع دولي غير عادي.


في الواقع، لا يوجد مكان يمكن لنتنياهو أن يدعي أنه حقق فيه نجاحاً سياسياً سوى مع إدارة الرئيس دونالد ترامب وبعض الجزر الميكروسكوبية، وحتى الدول التي تؤيد إسرائيل تلقائياً مثل كندا وهولندا وجدت نفسها في تناقض مع الموقف الأميركي وموقف إسرائيل التي حاولت استثمار ذلك من أجل تكريس ضمها للقدس والحصول على الاعتراف الدولي ولو جزئياً بالأمر الذي تحاول فرضه.


مقابل هذا الفشل الذريع التي مني به نتنياهو دولياً فقد نجح في كسب الرأي العام الإسرائيلي، ونجاحه هنا في الحقيقة غير مسبوق، فكلما اعتقد معارضوه أنه يفشل وأنه على وشك السقوط ينهض من جديد ويخرج من جعبته أوراقاً تمكنه من استمرار اللعب كملك لا منافس له، وهو ناجح جداً في استخدام الإعلام وفي إثارة خوف الإسرائيليين وإقناعهم بأنه الوحيد الذي يحافظ على أمن إسرائيل وشعبها من الأعداء الخارجيين الذي هم تارة إيران وحزب الله، وتارة أخرى الفلسطينيون والتنظيمات "الإرهابية: المتطرفة، وثالثة كل العالم وأوروبا اللاسامية التي اضطهدت اليهود والتي تدعم الفلسطينيين ولا تبالي بالرواية التاريخية عن حق اليهود، وترفض التصويت لصالح إسرائيل في منظمة اليونسكو وفي الجمعية العامة ومجلس الأمن وفي أحسن الأحوال تمتنع دولها أو بعضها عن التصويت. 


ويفشل كل من يحاول الإثبات أن نتنياهو يضر مصالح إسرائيل ويخاطرون بمستقبل الدولة وحتى بالفكرة الصهيونية المبنية على دولة يهودية أي ذات أغلبية يهودية واقعياً، ويقود الشعبين إلى دولة ابرتهايد وصراع أزلي قد لا ينتهي في المستقبل المنظور.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد