هل إلغاء أوسلو فى صالح القضية الفلسطينية بما يترتب على ذلك من نتائج قد تصل إلى حل السلطة؟

 

عدم وجود سلطة حاكمة سيؤدى لتوقف جهود المصالحة والعديد من المشروعات التنموية التى تمول من دول ومنظمات دولية

 

إسرائيل تتمنى أن تلغى السلطة الفلسطينية أوسلو حتى تكون فى حل من أية التزامات رسمية 

 

لماذا حرصت حكومات شارون ونيتانياهو على محاولة وأد هذه الاتفاقات وعدم تنفيذ بنودها عقب اغتيال إسحاق رابين؟

 

المجلس المركزى كان حريصا على عدم التصعيد تجاه مصير اتفاقات أوسلو قناعة من القيادة الفلسطينية بأن القرارات المصيرية لا يمكن أن تخضع للعاطفة 

 

اجتماعات طابا وصلت إلى مراحل متقدمة للغاية من المعالجة التفصيلية لجميع قضايا الوضع النهائى لكنها توقفت عند انهيار حكومة باراك 

 

ليس من المنطقى أن أحاول الآن وبعد مرور أكثر من عقدين على اتفاقات أوسلو أن أقوم بعملية تقييم لمبادئها أو لجوانبها المختلفة ذلك أنها أصبحت واقعاً ترتبت عليها متغيرات ونتائج كثيرة، كما أن أولئك المفاوضين المحترفين الذين قاموا بالتفاوض وصياغة بنودها هم الأجدر بعملية التقييم إذا ما أرادوا أن يسيروا فى هذا الاتجاه، وتظل قناعتى بأن اتفاقات أوسلو بكل إيجابياتها وسلبياتها ستظل محور وبؤرة اهتمام كل من يتابع الشأن الفلسطينى والإسرائيلى حتى نصل إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وحينئذ ستكون أوسلو مرحلة تاريخية مهمة قد انتهت وطويت صفحاتها.

 

من المؤكد أن السادة المفاوضين الفلسطينيين الذين قاموا بالتوصل إلى اتفاقات أوسلو بعد شهور طويلة من التفاوض الصعب، وصاغوا مئات من الصفحات والملاحق والخرائط كانوا حريصين فى هدفهم البعيد، ولديهم كل الحق على أن تتضمن الاتفاقات أسس ومبادئ وخطوات وآليات حل القضية الفلسطينية فى ظل قناعتهم الكاملة بأن أوسلو تعد مجرد وسيلة فقط وليست الهدف نحو تحقيق الإنجاز الأسمى وهو الدولة، ولذا كان اجتهادهم فى التفاصيل اجتهاداً واضحاً، كما كان اجتهادهم فى بلورة الخطوط العريضة اجتهاداً مشهوداً له بالجدية فى ظل ظروف إقليمية ودولية شديدة الصعوبة وصلوا خلالها إلى أقصى ما يمكن أن يصلوا إليه حينئذ.

 

ومما لا شك فيه أن اتفاقات أوسلو لم تكن اتفاقات مثالية متكاملة تحقق كل المرجو الفلسطينى، ومن المؤكد أنها تحمل بعض النقائص شأنها شأن أية اتفاقات أو معاهدات سياسية من الطبيعى أن تتضمن مرونة أو تنازلات من أطرافها الرئيسيين، كما تشتمل على جداول زمنية وإجراءات بناء ثقة يمكن البناء عليها مستقبلاً، ومن هنا لا توجد أدنى مشكلة إذا ما أردنا إعادة قراءة جوهر هذه الاتفاقات كل فترة من أجل الوقوف على كيفية التعامل معها مستقبلاً، ووصولاً إلى ما يمكن أن يتم من تحرك فى المرحلة المقبلة.

 

ولا يمكن لنا أن نتجاهل أن هناك أصواتاً تصدر من بعض التنظيمات والشخصيات الفلسطينية تطالب بإلغاء هذه الاتفاقات، واعتبارها كأنها لم تكن أو تطالب بتجميدها تماماً، وهى أصوات لا يصح أن نشكك فى وطنيتها لأنها انطلقت بسبب التعنت الإسرائيلى والتحيز الأمريكى وعدم وجود أى أفق للحل السياسى، ويظل السؤال الأهم قائما: هل إلغاء أوسلو يعد فى صالح القضية الفلسطينية بما يترتب على ذلك من نتائج قد تصل إلى حل السلطة الفلسطينية وإنهاء عمل العديد من مؤسساتها، ولا سيما التشريعية والتنفيذية والأمنية وإلغاء العديد من المكاسب التى حققتها السلطة على المستوى الدولى طوال سنوات سابقة من أهمها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 بمنح فلسطين وضعية الدولة المراقب غير العضو NON MEMBER STATE وغيرها من القرارات المعروفة، والتى لا يمكن تجاهل أهميتها حتى لو لم تغير طبيعة معادلة الواقع على الأراضى الفلسطينية.

 

ومن دون أى تحيز أو دفاع عن اتفاقات أوسلو فإننى فى البداية أرى أن وجود السلطة على الأراضى الفلسطينية برئيسها ومؤسساتها المتنوعة وعلاقاتها الخارجية المتعددة وخصوصا على المستوى الدولى وكذا الترجمة الحقيقية للأسس الثلاثة اللازمة لوجود الدولة حتى دون قيامها رسمياً، وهى الأرض والشعب والحكومة كل هذا لابد أن أعتبره أوج إنجاز هذه الاتفاقات، بل وأهمها على الإطلاق ذلك أن هذه الأسس الثلاثة تعد الطريق الرئيسى نحو إقامة الدولة حتى لو تأخر إعلان قيامها، ودون ذلك لا يمكننا الحديث عن إمكانية إقامة الدولة.

 

وفى نفس الوقت من الإنصاف أن أشير أيضاً حتى على سبيل التذكرة إلى المبادئ الستة المهمة التى أرستها اتفاقات أوسلو، أولها اعتراف إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية فى إطار الاعتراف المتبادل بينهما، وثانيها تنفيذ مبدأ الانسحاب الإسرائيلى من الأراضى الفلسطينية حتى لو كان تنفيذاً جزئياً، وثالثها التأكيد على أن كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة يشكلان وحدة جغرافية وسياسية واحدة بمعنى أنهما قوام الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها، ورابعها التشغيل الفعلى لمطار غزة، وبدء إعداد الترتيبات اللازمة لإنشاء ميناء غزة، وسادسها تحديد آليات الحل النهائى عن طريق مفاوضات سياسية محددة بجدول زمنى وقضايا بحث واضحة.

 

ولا بد ونحن نتحدث عما تم من إجراءات تنفيذية لاتفاقات أوسلو خصوصا مفاوضات الوضع النهائى أن أقف عند نقطة شديدة الأهمية وهى لماذا كان هذا الموقف المتعنت من جانب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة إزاء أوسلو؟ ولماذا حرصت حكومات آرئيل شارون وبنيامين نيتانياهو على محاولة وأد هذه الاتفاقات وعدم تنفيذ بنودها عقب اغتيال إسحاق رابين فى نوفمبر 1995 والذى كان بمثابة نقطة تحول شديدة السلبية فى عملية السلام كلها، وفى رأيى أن سبب ذلك يرجع إلى قناعة إسرائيل أن أوسلو التى وقع عليها أهم زعامات وممثلى المجتمع الدولى تضمنت مبادئ إقامة الدولة الفلسطينية ومن ثم كان قرار قادة إسرائيل المتطرفين أن تظل أوسلو قائمة من حيث الشكل لتستفيد منها إسرائيل فى بعض البنود التى تحقق مصالحها ولكنها يجب أيضاً أن تكون مجمدة من حيث الموضوع، أى من حيث عدم التنفيذ.

 

ولا يمكن إلقاء مسئولية عدم تنفيذ أوسلو على إسرائيل فقط، لكن لا بد أن نشير إلى وجود عوامل أخرى كانت من أسباب عدم تنفيذ الاتفاقات أذكر منها الأسباب الرئيسية الثلاثة التالية: 

السبب الأول وجود بعض المشكلات المرتبطة بالوضع الفلسطينى منها حداثة تشكيل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وكذا معارضة بعض الفصائل الفلسطينية لأوسلو ثم نشوب الانتفاضة الثانية فى نهاية عام 2000 وما ترتب عليها من عمليات داخل إسرائيل أحدثت تغيراً فى الرأى العام الإسرائيلى وتحوله إلى تأييد اليمين بل واليمين المتطرف.

السبب الثانى حرص الجانب الإسرائيلى على تحجيم سرعة تنفيذ بعض المراحل المنصوص والمتفق عليها، لا سيما إعادة انتشار القوات الإسرائيلية إضافة إلى تعطيل المفاوضات الخاصة بتحديد مستقبل المناطق الفلسطينية، لاسيما أنه كان من المفترض أن تنتهى مفاوضات الوضع النهائى عام 1999، بمعنى أن كان يمكن فى ظروف معينة ومتغيرات أخرى أن نرى دولة فلسطينية مستقلة قائمة عام 2000 طبقاً لأوسلو.

 

السبب الثالث عدم ممارسة الولايات المتحدة الضغوط الكافية على إسرائيل من أجل تنفيذ أهم بنود أوسلو وتركيزها على تحقيق بعض التقدم، ولا سيما فيما يتعلق بإعادة انتشار القوات الإسرائيلية فى الضفة الغربية كنوع من إظهار استمرارية تنفيذ مراحل أوسلو.

 

وعلى الرغم من ذلك فقد كان هناك حرص دولى على أن تظل قوة الدفع التى أوجدتها اتفاقات أوسلو قائمة، حيث تم عقد العديد من الاجتماعات المهمة فى واى ريفر فى أكتوبر 1998 وفى شرم الشيخ فى سبتمبر 1999 ثم فى طابا فى يناير 2001 وهى كلها اجتماعات حاولت وضع اتفاقات أوسلو موضع التنفيذ فيما يتعلق باستكمال مراحل الانسحاب الإسرائيلى من جهة ومعالجة قضايا الوضع النهائى من جهة أخرى، وأخص بالذكر هنا اجتماعات طابا التى وصلت إلى مراحل متقدمة للغاية من المعالجة التفصيلية لجميع قضايا الوضع النهائى، ولكنها توقفت عند انهيار حكومة إسرائيل فى هذا الوقت التى كان يترأسها إيهود باراك ليفسح الطريق أمام شارون الذى جاء ليقضى على ما تبقى من أوسلو.

 

وارتباطاً بمتابعة اجتماعات المجلس المركزى الفلسطينى الذى انتهت دورته الثامنة والعشرين فى الخامس عشر من يناير الحالى فى رام الله ، وتحديداً ما يتعلق باتفاقات أوسلو أرى أن البيان الختامى للمجلس كان حريصاً على عدم تصعيد الموقف تجاه مصير هذه الاتفاقات قناعة من القيادة الفلسطينية بأن مثل هذه القرارات المصيرية لا يمكن أن تخضع للعاطفة، بل يجب أن تكون هناك دراسة كاملة شاملة لنتائجها حتى لا تتجه الأمور إلى الأسوأ، ومن ثم كانت توصية المجلس بوقف التنسيق الأمنى مع إسرائيل والانفصال عن اتفاق باريس الاقتصادى ودعوة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى تعليق اعترافها بإسرائيل لحين اعتراف الأخيرة بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وفقاً لقرار 194 .

 

والسؤال هنا: هل إلغاء أوسلو وحل السلطة الفلسطينية يعد خطوة تحسب لصالح القضية أم أنها ستكون بمثابة خطوة كبيرة للخلف لا يمكن التنبؤ بنتائجها؟ وفى هذا المجال أرى أنه من الأهمية أن أشير إلى المحددات الستة التالية:

 

المحدد الأول أن أوسلو بكل ما لها وما عليها لا يمكن أن تخضع لقرار أحادى الجانب من أى طرف بإلغائها رسميا، خصوصا أنها تعتبر الأساس القانونى أو السياسى لوجود السلطة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة، ومن الضرورى أن أوضح فى هذا الشأن أن التنظيمات والأحزاب الفلسطينية المختلفة التى شاركت فى الانتخابات التشريعية عام 1996 وعام 2006، وشكل بعضها الحكومة الفلسطينية قد استندت على اتفاقات أوسلو وليس على غيرها بل إن المجلس التشريعى الفلسطينى الذى لا يزال قائماً ويطالب العديد بتفعيله واستئناف اجتماعاته يعد أحد نتائج أوسلو.

 

المحدد الثانى: أن السلطة الفلسطينية التى ترأسها الرئيس الراحل ياسر عرفات لحوالى عشر سنوات ثم الرئيس أبو مازن منذ 2005 حتى الآن، أصبحت مسئولة عن تسيير حياة ملايين الفلسطينيين فى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة بل أصبحت رمزاً لدولة فلسطينية مقبلة فى الأفق لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون فى الداخل والخارج، ومعظم هؤلاء يحملون جواز السفر الفلسطينى الذين امتلكوه بعد اتفاقات أوسلو.

 

المحدد الثالث أن إلغاء أوسلو وحل السلطة سوف يخلقان حالة من السيولة والفراغ ستكون له تداعياته السلبية على الوضع الفلسطينى الداخلى، لا سيما إمكانية أن يكون التطرف والإرهاب هى المسيطرين والبديلين فى هذه الحالة.

 

المحدد الرابع: أن الوضعية الإقليمية والدولية، وحتى الدبلوماسية التى اكتسبتها السلطة الفلسطينية والمكاسب التى حققتها على مدار سنوات طويلة وخطط التحرك المقبلة سوف تتأثر بشكل كبير فى ظل حدوث أى تغير فى هذه الوضعية.

 

المحدد الخامس: أن غياب السلطة الفلسطينية سوف يكون أهم المبررات أمام إسرائيل للتأكيد على عدم التزام السلطة سواء بالاتفاقات الموقعة معها، وكذا عدم وجود شريك فلسطينى، مع تسليمنا الكامل بأن إسرائيل هى المسئول الأول عن تعطيل كل جهود السلام وعدم تنفيذ الاتفاقات.

 

المحدد السادس: أن عدم وجود سلطة حاكمة سوف يؤدى إلى توقف جهود المصالحة الفلسطينية ، كما سيؤدى إلى توقف العديد من المشروعات التنموية التى تتم والتى يتم تمويلها من دول ومنظمات دولية.

 

وفى ضوء ما سبق أرى أن إقدام السلطة الفلسطينية على اتخاذ أية قرارات بشأن إلغاء اتفاقات أوسلو لن تكون فى الصالح الفلسطينى العام، وهو قرار كم تتمنى إسرائيل أن تتجه السلطة الفلسطينية لاتخاذه حتى تكون فى حل تام من أية التزامات رسمية حتى لو لم تكن تقوم بتنفيذها، وبالتالى فقد يكون من المناسب أن تحافظ السلطة على بقاء هذه الاتفاقات حتى من قبيل تعدد المرجعيات الخاصة بعملية السلام، مع الاتجاه للمناورة ببعض بنودها، كلما كان الأمر فى حاجة إلى ذلك مثل المطالبة بوقف التنسيق الأمنى مع إسرائيل أو التلويح بتعليق الاعتراف بإسرائيل، وهى القرارات التى اتخذها المجلس المركزى فى دورته الأخيرة.

 

وفى النهاية إذ كان البعض يرى أن اتفاقات أوسلو قد انتهت من الناحية الواقعية، فإن ذلك أجدر بألا تقوم السلطة ب فتح جبهات جديدة من خلال إلغاء اتفاق فقد واقعيته، ولكن دون أن يفقد قيمة ما تحقق من نتائج حتى ولو كانت محدودة، ومن ثم أرى أن تقفز السلطة الفلسطينية على جدلية إلغاء أوسلو من عدمه وتركز كل جهودها فى كيفية الحفاظ على القضية الفلسطينية فى دائرة الضوء، ومواصلة الحصول على مكاسب دولية تدعم القضية أملاً فى الوصول إلى معادلة جديدة تسمح باستئناف المفاوضات السياسية فى وقت قريب، على أسس ومرجعيات مقبولة ودون أن نفقد ما يملكه الفلسطينيون من قدرة على إسماع قضيتهم العادلة للمجتمع الدولى، والضغط على جميع الأطراف باستخدام سلاح المقاومة السلمية بالتوازى مع التحرك السياسى.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد