وكالة سوا الإخبارية

كما كانت الدنيا قد قامت ولم تقعد على صورة الفتاة الفلسطينية عهد التميمي وهي تركل جنود الاحتلال وتحاول صفعهم بكل عزيمة وشجاعة، فقد عادت هذه الدنيا لتقوم من جديد على قصيدة كتبها شاعر إسرائيلي عن فعل البطولة الذي ظهر في الصورة الإعلامية.

يوناثان جيفن شاعر ومثقف ينبض في عروقه الدم الإنساني. رجل يعيش حياته كباقي مثقفي العالم من أصحاب الضمائر الحية المفعمة برؤية الحق والسائرة قدماً ودائماً نحو قيم العدالة.

هذا الإنسان الشاعر والشاعر الإنسان لم ينزلق وراء أبواق الإعلام اليميني المتطرف في إسرائيل، واختار أن يقول ما يملي عليه ضميره بدافع قوة الخير والحق والعدل في داخله، ليس منّة ولا تمنّناً، لا يحابي أحدا ولا يمالئ أحدا ولا يخاف من أحد.

ببساطة قال ما أحسّ به وانتصر لقضية لم يرها لا جريمة ولا جنحة، وإنما فعل بطولة ومقاومة وفعل شجاعة نادرة.

وعندما قارن ما بين الفتاة الفلسطينية وأبطال من التاريخ اليهودي وأحداث معاصرة مرت بها التجربة اليهودية، فهو بلغته الشعرية الراقية أراد أن يرفع عن كاهل هذه الفتاة ما ألحقته صورة الإعلام البغيض، المتعجرف والاستعلائي من أعمال مزيفة ومشوهة ومفبركة.

أما ان تنبري الأبواق الإعلامية وأن تصطف في طابور طويل لتشويه صورة شاعر معروف وعلى درجة عالية من الاحترام وبهذه الطريق المبتذلة من الإسفاف والصفاقة، فهذا مؤشر خطير على مدى انزلاق «مجتمع» بأكمله نحو هاوية لا يبدو لها أي قرار أو نهاية.

ومع أن هذا الانزلاق أو الحديث المتواتر والمتصاعد عنه ليس جديداً، إلاّ أن الجديد الحقيقي على هذا الصعيد هو في الشعبوية المنفلتة التي تعشعش في إسرائيل.

لقد انسحقت القيم الإنسانية تحت سياط أبواق الإعلام اليميني المتطرف.

وتهاوت بصورة مدوية رؤية حقوق الآخرين، بل وتهاوت محاولات فهم وتفهم بعض آلامهم ومعاناتهم ناهيكم طبعاً عن حقوقهم بما في ذلك الحق في رؤية صورة هذه الفتاة من زاوية مختلفة مع الصورة التي بات يفرض الاحتلال نفسه عليها ويفصلها على مقاس أيديولوجيته المقيتة.

فعل البطولة الذي بدا في ما قامت به عهد التميمي ليس إلاّ مظهراً إعلامياً لبطولات أخرى كثيرة في المدرسة وفي سيارات الإسعاف والجامعة والحقل والصحافة.

بطولات إنسانية عميقة في توق فائض إلى الحرية وإلى العدالة والسلام.

الإعلام الإسرائيلي الرسمي والأبواق المحلقة به ترى فيها مجرد «ارهاب» ومجرد «تخريب».

صورة يحرص عليها الإعلام اليميني كحرصه على مقوّمات ربما تكون الصورة الإعلامية التي تناقلتها وسائل الإعلام على مستوى العالم كله هو ما أثار بصورة خاصة وغير مسبوقة حفيظة الإعلام المغرق في عنصريته.

وربما تكون هذه الصورة بالذات قد ألحقت «هزيمة» كبيرة بصورة الجيش المحتل.

وربما تكون الوقفة التي تشبه الإعصار الإعلامي التي وقفتها وسائل إعلام كثيرة في معظم دول العالم تضامناً مع هذه الفتاة ومع شجاعتها ورباطة جأشها قد فضح «هيبة» الجندي المحتل وأظهر هذا القدر الهائل الكامن في شباب فلسطين وشاباتها هو ما أغاظ أبواق المؤسسة الإسرائيلية.

لكن أن يُتهم هذا الشاعر بالخيانة، وأن يُلقى في وجهه كل هذا الحقد والضغينة، وأن يتم وصفه بأوصاف تتسم بأعلى درجات الابتذال هو مؤشر على مدى السقوط الأخلاقي لأبواق الإعلام اليمينية المتطرفة في إسرائيل «وتنازل» هذه الأبواق عن كل قيمة ليبرالية، والاصطفاف التام والنهائي إلى جانب العنصرية السافرة والتماهي الشامل مع كل ما هو رجعي ومتوحش وهمجي في هذا الكون.

 • أن تغيب صورة الحق والعدالة فهذا «مفهوم» من قوى وأبواق هي بالأساس قوى وأبواق منتمية للاحتلال والاستيطان واللصوصية «والتفرسن» على شعب أعزل.
وأن يحاول كل هؤلاء محاكمة هذه الفتاة هي وكل من يمتّ لها بصلة فهذا «مفهوم».

وأن يتم «استثمار» هذه الواقعة للتنكيل بكل من يقول لا للاحتلال والاستيطان في إسرائيل فهذا، أيضاً، «مفهوم» البقاء والوجود.

يبدو على هذا الصعيد أن المجتمع الفلسطيني بحاجة إلى إدارة صراعه مع الاحتلال في المجال الإعلامي بصورة جديدة ومتجددة، بحيث لا نبقي الشعب الإسرائيلي تحت «رحمة» هؤلاء «الذين يمارسون إرهاباً من نوع جديد» لا يختلف من حيث جوهره عن الإعلام الإرهابي الذي مارسته وتمارسه قوى التوحش والإرهاب الإسلاموي في المنطقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية