2014/11/17
35-TRIAL-
اولا , لست من الذين يحبون ان يتكلموا بلغة انفصالية عن غزة : مشاكل غزة ..حصار غزة .. معابر غزة , حتى هؤلاء الذين يحاولون ان يسوقوا انفسهم انهم(في صف غزة مقابل الضفة ) , يروجون الكثير من المضامين التي تعزز الانقسام السياسي والنفسي , حتى صاروا يخرجون علينا ب(اهل غزة ) و (شعب غزة ) !!
حماس تشكي من مظلومية غزة , و فتح /غزة تشتكي من فتح الضفة .. وهلم جرا .
اقتطاع مشاكل غزة من مشاكل الوطن هو احدى العقد التي يجب حلها .
على كل , ليس هذا موضوعنا !!
(1) مشاكل بنكهة خاصة موضوعنا أن غزة ذات نكهة خاصة في كثير من الاشياء : الحروب , الازمات , الخلافات الداخلية , المشاغبة اللامنقطعة , الحضور الدائم في وسائل الاعلام ... غزة اليوم تعيش حالة مضطربة ..رمادية , متقلبة .. تعيش أزمة - بل وتغرق في ازمات متلاحقة ومركبة. لقد تحولت الى طاحونة تمزج المشاكل والازمات ببعضها البعض فتخرج لنا كوكتيلا لا نعرف اوله من اخره !! حتى ان الناس تعودوا عليها واصبحت جزءا من حياتهم وتفكيرهم , وربما تكون قد تسللت الى جيناتهم فاستوطنت فيها!! ما ان ننتهي من مشكلة الا وتخرج لنا اخرى .. وما نودع من أزمة الا و تفاجئنا اكبر من أختها .. حتى اضحت سلسلة طويلة لا نهاية لها . اليوم تهجم علينا مشاكل المصالحة (المنكودة) المتعثرة .. والحكومة المتأرجحة .. والاعمار الغامض ..والصداع المزمن (اللامتناهي ) بين حماس فتح .. والمعابر المغلقة , ثم نفاجأ بتفجيرات غبية / مجرمة تعيد تجديد حالة الصدمة والذهول !! ان هذا الواقع المرير لا يمكن تبريره ولا يمكن ايضا احتماله . لا يمكن ان نبقي اهل قطاع غزة في (طنجرة ضغط) ثم نطلب منهم ان يحتملوا ويتحملوا !! هنالك الكثير من الاخطاء والخطايا التي ترتكب, منها ما هو سياسي , ومنها ما هو اداري ومنها ما هو عبثي غير مفهوم , حتى أضحى السؤال الذي يرن في شوارعنا ( وين رايحة؟) . أغلب الناس يقولون (داحلة ), دلالة اما على اليأس او على التسليم بواقع مرفوض.
(2) المتهمون كثر والقاضي غائب !! من المسئول عن هذه الازمات (المصائب) الكثيرة وتوالدها ؟ سؤال لا يجد له الكثيرون جوابا . هناك من يمتهنون حرفة توزيع الاتهامات بعلم او بغير علم. ساحة غزة أصبحت ساحة تطفح بالاتهامات والشكوك وبعثرة الاوراق . غدا الحليم حيران , وتنافس البعض في الحصول على سبق "الضربات الاعلامية " باعتبارها (الحل السحري) المخرج من الازمات فاذا به يزيد الطين بلة . هناك من يلقي باللائمة على الرئيس باعتباره المسئول الاول والمنوط به تحمل المسئولية الكاملة وتقديم الحلول , وهناك من يلقي باللائمة على حماس ويتهمها بأنها تشكل حكومة ظل ولا تريد ان تتزحزح عن تشبثها بحكم غزة ويستحضرون مقولة ابو العبد ( خرجنا من الحكومة ولم نخرج من الحكم ) , وهناك من يلقي باللائمة على حركة فتح باعتبارها عمود السلطة وان الحكومة حكومة الرئيس وانها مترددة في التعاطي مع مشكلات غزة من منظور سياسي وتريد ان تبقى غزة غارقة في المشاكل .. وهناك من يرى بان المشكلة أصلا في المصالحة التي ولدت عرجاء أنتجت حالة مشوهة ملخبطة , وجاءت بمولود خداج غير مكتمل فرض على الساحة الفلسطينية أمراضا مزمنة .
الف تفسير وتفسير والف اصبع للاتهام . جهات الاتهام الواقفة في القفص كثيرة, وفي ظل غياب قاض (مرجعية) نزيه قادر على الحكم والحسم تجعل الناس (سكارى) , تدور رؤوسهم تارة نحو فتح وتارة نحو حماس , وتارة تبحلق في الفضاء مشدوهة او هاربة من غياب الاجوبة . الرئيس أبو مازن أصبح لا يثق بحركة حماس واصبح يتعامل معها بخصومة كبيرة ومحتدة , ودخلت فتح على الخط وشاركت في الهجوم على حماس والصاق تهم كثيرة بها , قابلته حماس بهجوم اعلامي مماثل واتهمت الرئيس بأنه يضع غزة ومشاكلها وراء ظهره , ووصل الى حد التهديد بسحب الثقة من الحكومة واعتبارها غير قانونية , , فيما الفصائل الاخرى ومؤسسات المجتمع المدني تتفرج على المشهد .
(3) مشكلة المشاكل مشكلة غزة (التي لا ترتاح) انها دائما متوترة , متوثبة , مليئة بالاسئلة ..مليئة بالشكوك ..مليئة بالقلق . ما مر على غزة من حروب وحصار وخلافات وانقسام جعلها أشبه بحالة مزمنة , وكأنها غير قابلة للحل . هذا بالرغم من الحراك والنشاط (الهرموني) العالي من لقاءات واجتماعات ولقاءات ومؤتمرات , لكن في نهاية المطاف تجدنا (كأم العروس ) نقبض على الهواء, فلا مشكلة تحل بشكل نهائي ومرضِ, ولا أزمة تروح بلا رجعة . من حسن طالعنا أن المشكلة الصغيرة تكبر ,والكبيرة تفرخ لنا عشرا !! حينما (انتهى) الانقسام اعتقدنا أننا وضعنا أقدامنا على أول الطريق (الصحيح), فاذا بنا نفاجأ أننا نسير في متاهة , واذا بعشرات الالغام ومئات الاسئلة المجهولة تلقى في وجوهنا , حتى بات من يعتقد ان الانقسام حي يتنفس وأنه يتشكل كما يتشكل الجن !! . تولدت عشرات الازمات المركبة . فالحكومة تشتكي ان كلا من حماس وفتح رمتاها في أتون مشاكل لا قبل لها بحلها , من موظفين ورواتب وغيرها .. وحماس تعتقد انها سلمت مقاليد الحكم للرئيس عباس ونأت بنفسها عن دوائر صنع القرار , وقدمت مرونة عالية في اغلب القضايا التي طرحت عليها , وفي نفس الوقت ترى ان فتح تتلكأ في المصالحة وتماطل في الاعمار وتتحايل في موضوع الحكومة والموظفين ومصيرهم. حماس وصلت الى (حالة الغليان) وبات تهجم في الاعلام على الرئيس وعلى فتح والحكومة بشكل غير مسبوق بل وتفكر في خيارات تعيد ترتيب الاوضاع .
اما فتح فلا تزال (تضع في رأسها ) ان حماس تطبق يدها على مفاصل الحكم في غزة وتمنع بسط الحكومة سيطرتها وتمارس سياسة اعلامية قوية وجارحة ومشككة في الرئيس والحكومة ,ومن ثم فاطلقت يد ناطقيها تصب الزيت على النار . لا أحد يثق بالاخر ..ولا احد يريد أن يسمع من خصمه . وجود المشاكل شيء طبيعي في الحياة , من اصغر البني الى اكبرها , لكن المعضلة في كيفية معالجتها وحلها . هناك من يفكرون بالمشكلة أكثر ما يفكرون بالحل .. ينقبون فيها ..يضعون الكثير من علامات الاستفهام ويحللون ويصنعون لانفسهم تفسيرات خاصة وضيقة . هناك من ينحرف في حل المشكلة فيجعلها بدل الواحدة عشرة , ويجعل من (الحبة قبة ). وهذا لب مصيبتنا في الحالة الفلسطينية .
بصراحة : اما أننا لا نريد حل المشاكل أو أننا نجهل حلها ..أو كلا الاثنين معا !! غالبا ما نبدأ معالجة المشاكل اولا في وسائل الاعلام- كنوع من الاستعراض - فتكبر المشكلة وتتفاقم , ومن ثم نستصعب حلها . والحمد لله لدينا الكثير من (العباقرة) الذين يتبرعون (بالحكي ) والشرح والتحليل والتوصيف . نحن لا نعرف ان نجلس طويلا في الغرف المغلقة نتحاور بهدوء وصبر واناة حتى نصل الى حل المشكلة (من شروشها ) .. بل نحل ظاهرها ونبقي جذورها في الارض .. لا نعرف كيف نرتب سلم أولوياتنا ثم نبدأ حل المشاكل بالتدريج , الواحدة تلو الاخرى .. لا يمكن ان نحل مشاكلنا بالتقسيط على عشرة او عشرين سنة !! نحن لسنا بنك او شركة تجارية نقرض الشعب حلولا صغيرة . نحن لدينا وطن وقضية .
نحن لا نعرف كيف نساعد بعضنا البعض في ايجاد المخارج , ولا نعرف كيف نتجاوز عن سقطة هنا أو عثرة هناك ... سرعان ما نلتقط السقطة ولا نرحم مرتكبها .. نحن لا نعرف الستر ولا العفو وسرعان ما تتسلل فضائحنا الى الفضائيات ... اذن كيف سنحل مشاكلنا؟ كيف نحل مشاكلنا ونحن نعزز في صفوفنا عدم الثقة بالاخر ولا يمكن ان نتقاسم معه الوطن ؟ كيف نحل مشاكلنا ولا زالت تعشش فينا فكرة أننا خطان متوازيان لا يلتقيان ؟
كيف سنحل مشاكلنا ونحن متخمون بالشك الى درجة الثمالة !! ان محاولاتنا بائسة مبكية ؟ . من يعتقد انه يمكن حل المشاكل في ظل استمرار وتفاقم أزمة الثقة(الصداع) بين حماس وفتح فانه واهم . ان غياب الثقة يدمر الكثر من الجسور ويصنع المشكلات بدلا من حلها ويزرع الضغينة بدلا من مفهوم التعايش . ان مشاكل الحكومة والموظفين والاعمار في ظاهرها ادارية فنية , لكنها في الاصل مشكلة سياسية تتوزع بين القطبين الرئيسين , حماس وفتح . ما لم تحل أزمة الثقة بينهما ستبقى المصالحة ضعيفة هزيلة , وستظل الحكومة معلقة .. وسيظل مشوار الاعمار طويلا ومرهقا . ليس من سبيل آخر وكل من يبحث عن بدائل اخرى انما يسبح في بحر من الوهم . لا تتحدثوا في الغرف المغلقة لوحدكم فانها تعكس فقط صدى صوتكم . هناك من الناس من هو همهم (أو فرحهم ) ان يظهر أنه على صواب والاخر على خطأ بغض النظر حل المشكلة ام لم تحل .. فلتبق الامور معلقة وليبق الوطن مشنوقا على خشبة الخلافات الوهمية المصطنعة .. لنبق نجرد سيوفنا في وجوه بعضنا بدل ان نفتح صدرونا ونجهد في تصويب خصومنا , ورحم الله الامام الشافعي حينما قال ( والله ما جادلت احدا الا واحببت ان يظهر الله الحق على لسانه ). الوطن الجريح لا يحتمل الشماتة ..ولا يحتمل لغة الصغار . الوطن يريد قادة كبار : كبار في العقل , كبار في الصبر , كبار في الحكمة .. كبار في احتواء الجميع . ليس الكبار الذين يجرون وراء استفزاز هنا او هناك ..وليس الكبار الذين يشغلون أنفسهم في حسابات صغيرة..وليس الكبار الذين يحسبون ان الوطن لا يتسع الا لهم . اذا بقينا هكذا سنظل في مستنقع المشاكل والازمات أبد الدهر !!
(4) مدافع الاعلام هذا مرضنا المزمن الذي لا شفاء له !! ما يعقد الازمات اكثر هو افتقاد الالية (العقلانية ) الادارية / الفنية المتخصصة لحل المشاكل, ما أسهل ان تعقد مؤتمرا صحفيا او تطلق تصريحا لكنه مثل الريحان ريحها طيب وطعمها مر. ليس من الذكاء ولا من الشجاعة ارهاق الشعب بالقاء المشاكل في حجره, بل الشجاعة ان تنتزعها من حجره لتخفف الاثقال من على ظهره . ان بعض القيادات تهرب من المعالجة المهنية التي تستلزم الوعي والصبر وطول الاناة وتذهب سريعا الى (بريق) الاعلام الخادع لتصب في حضن الشعب أطنان من المشاكل , وهذا الشعب ( الغلبان )مش عارف يتلقاها من ولا من وين !! الكل يشكي همه للشعب .. طيب والشعب يشكي لمين ؟؟. ان اسوأ جرم يرتكبه المشاركون في تأزيم مشاكل غزة انهم يوهمون انفسهم بان سلاح الاعلام يمكن ان يريح ضمائرهم ويخليهم من المسئولية , ولا يعرفون انه لا يمكن ان ينتج لهم الا مزيدا من (الضغط ) و(السكري ) والذبحات السياسية والمجتمعية !! لست اريد هنا ان اخوض في تفاصيل المشكلات المعروفة للجميع , لكني اقول ان طريقة معالجة المشاكل خطأ بل جريمة . ان الاعلام ليس هو المكان المخصص لحل المشاكل, بل الغرف المغلقة التي تستدعي الهدوء والفكر والعقل والمصلحة الوطنية لتقديم حلول ومشاكل . كان من المتوقع أن يكون الإعلام- ونحن في مرحلة التحرير والمعاناة - بلسما وعنوان رحمة وساحة للالتقاء والانفتاح والحوار .. وان يرتق الخرق ويضمد الجرح ويلم الشعث ويزرع الأمل ويقارب بين وجهات النظر, لكنه مع الأسف سار في اتجاه معاكس تماما , وجرنا في متاهات بعيدة وصحاري مقفرة. لقد خدش صورتنا وكشف سترنا وشوه نضالنا وأظهرنا دوما بمظهر المتناحرين المتخاصمين دوما , الكارهين لبعضنا ,المتهمين لأنفسنا بأسوأ أنواع الاتهامات..
(5) الحل مشاكلنا يمكن حلها , ليست هي بالخيالية ولا بالمستحيلة , بل ان كثيرا منها يمكن حلها ببساطة جدا , بقليل من الصبر وكثير من الفهم .لسنا بدعا من الامم والشعوب التي حلت مشاكل أعقد بكثير مما لدينا . لست خبير ادارة أزمات , لكني مقتنع ان السياسيين – اذا صدقوا وأخلصوا في نياتهم – فان لديهم جيوشا من الاداريين والفنيين القادرين على مساعدتهم في معالجة هذه المشاكل العالقة .
أولا/ نحن بحاجة الى (تهدئة ) وامتصاص الاحتقان وتنظيف الساحة الفلسطينية من حالة الفوضى الكلامية ومن الغبار السام الذي ملأ الاجواء . هذا يتطلب من كل من يمسك بمنصة الاعلام ان يكون اكثر عقلانية واكثر حرصا على التجميع . ان لغة السباب والاتهام لا تزيد مجتمعنا الا رهقا وعذابا وحيرة , ولا تنتج الا تعقيدا للمشاكل . نريد (العقلاء) الذين ألسنتهم وراء قلوبهم ..يفكرون جيدا ويعملون بصمت وصبر , بدون ضجة وبدون استعراضات كلامية .
ثانيا / هنالك الكثير مطلوب من الرئيس أبو مازن لإعادة تصويب الحالة الفلسطينية ,وعدم تركها نهبا للخلافات والصراعات . مطلوب من الرئيس ان يتدخل أكثر ..يفعل اكثر ..ويبذل جهدا أكبر في احتضان واستيعاب الحالة الفلسطينية واجتذاب كل الاطراف وفتح الخطوط والتشاور معها وعدم ابقائها على الهامش . من المهم الا يستعجل الرئيس في الحكم على الامور بالاعتماد على تقارير غير موثقة تزيد من الهوة بينه وبين حماس وتوصلها الى درجة القطيعة . كما مطلوب منه تعديل خطابه الاعلامي ليكون أكثر اجتذابا وأقل اثارة للمشاعر .
ثالثا / حماس مطلوب منها مزيد من الصبر, لان طريق المصالحة وتمكين الحكومة وتنفيذ الاعمار شاق ومعقد وبحاجة الى معالجة واقعية .أيضا مطلوب منها خطاب اعلامي ايجابي (جذاب) ومقنع وغير صدامي , كما مطلوب منها اعطاء اشارات ايجابية أكثر في معالجة المشاكل القائمة من خلال طرح حلول واقعية وعملية (وليس مجرد الشكوى والتذمر ) وتجنيد قوى سياسية ومجتمعية . ليس من مصلحة حماس فتح اكثر من جبهة في ظل الظروف الاقليمية المعقدة وليس من مصلحتها أن تظل الساحة الفلسطينية متوترة. التهديد بالبحث عن الخيارات والبدائل لا ينبغي ان يتحول الى سيف مسلط بقدر ما ينبغي ان يكون محركا في الاتجاهات الايجابية .
المقال طال كثيرا واجد نفسي مضطرا لتلخيصه في سطر : يمكن معالجة مشاكلنا لو أحسنا بناء الثقة بيننا ولجمنا الاعلام واستعنا بالخبراء وتحلينا بشيء من الصبر والحكمة , وساعدنا بعضنا في تفتيح المسالك المغلقة . الفرصة قائمة والوقت لم يفت بعد . 156
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية