فلسطين تحضر بقوة في البوكر
حضرت فلسطين بقوة في القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) للعام الحالي ، حيث تتنافس اربع روايات على الجائزة بوصولها إلى هذه القائمة، وهي رواية "الحاجة كريستينا" للروائي عاطف أبو سيف ، ورواية "حرب الكلب الثانية" للروائي إبراهيم نصر الله، ورواية "وارث الشواهد" لوليد الشرفا، ورواية "عليّ: قصة رجل مستقيم" لحسين ياسين.
وسبق أن وصل الروائي عاطف أبو سيف إلى القائمة القصيرة بروايته "حياة معلقة" (2015)، وكذلك الروائي إبراهيم نصر الله بروايته "زمن الخيول البيضاء" (2009)، فيما هي المرة الأولى التي يصل فيها الروائيان وليد الشرفا، وحسين ياسين إلى القائمة الطويلة للبوكر بنسختها العربية.
ويستهل الروائي عاطف أبو سيف روايته "الحاجة كريستينا" بمشهد فنتازي لشبح يظهر على شاطئ غزة يمدّ يده ظاهراً للناس عملاقاً سرعان ما تتجمهر الحشود حوله في المكان، قبل أن يبدأ "الطراد" الإسرائيلي بإطلاق النار عليهم وعليه .. قد يبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة للشبح هذا بتكوينات الرواية وشخوصها، ولكن مع طي الصفحة تلو الأخرى، وعلى مقربة من الصفحات الأخيرة للرواية، يكتشف القارئ أن الشبح الذي هو رمز اختفاء أو ظهور معنوي أو حتى حقيقي، حسب التأويل الفردي للقارئ في تعاطيه مع مفهوم الشبح، إنما يرمز بصورة ما لاختفاء "فضة بنت عوني السعيد"، والتي هي ذاتها "الحاجة كريستينا"، عند عودتها على "أسطول الحرية" الشهير إلى غزة قادمة من لندن، دون أن يبرز مصيرها، وكأنه أراد القول إن "كريستينا" حققت عودتها إلى حيث حكاياتها وحيواتها في القطاع، ولو "شبحاً" أصرّ الإسرائيلي ويصرّ على مطاردته في كل حين.
ويمزج الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله في روايته الجديدة "حرب الكلب الثانية"، بين "الخيال العلمي"، والرؤى الاستشرافية للمستقبل بالاتكاء على ما يحدث في واقعنا الحالي، خاصة ما يتعلق من حالة البطش التي ترافق الحروب بطريقة منفرة، لرسم خارطة عالم قادم يسيطر عليه توحش الإنسان، سواء في مواجهة الأغيار أو الأضداد، أو حتى من يشبهونه شكلاً، وربما مضموناً.
في الرواية لا قصور للحكم، ولا مقرات تحمل أسماء المقرات الحالية للحكام، فمقر الحاكم حمل اسم "القلعة" لها مدير عام، وضباط يتمايزون عن بعضهم البعض، وعن العامة، وفق قدراتهم الفائقة على الإبصار، فمن يحمل درجة "4 بوم"، وهي وحدة قياس ابتكرها نصر الله هنا لقوة الإبصار، له ميزاته أكثر مما يحمل درجة "3 بوم"، وهكذا، في حين كانت قوة "8 بوم" حلم أي شخص، فيما بدأ النهار يقصر "بطريقة غير مفهومة" في المستقبل، الذي تجري فيه أحداث الرواية، فلم يعد طوله يزيد على خمس ساعات، فيما تتزايد معدلات نفوق الطيور والحيوانات، وانحدر مستوى إنتاج الخضار والفواكه والحبوب .. وليس ذلك فحسب، بل إن الفصول الأربعة اختلطت وتجمعت في فصل واحد.
ويمكن وصف رواية "وارث الشواهد" لوليد الشرفا بأنها عبارة عن حفر عميق في الأزمنة الفلسطينية الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل، عبر عدة أجيال، ويكسر فيها الزمن الروائي الحواجز بين الأحداث التاريخية التي جرت على أرض فلسطين، وهي تعرية لمحاولة سرقة الذاكرة الفلسطينية من قبل المحتل الذي لم يكتف بسرقة الأرض، وهي دفاع واضح عن الحقيقة القائمة على الأرض بتجلياتها الواضحة، مقابل الأسطورة القائمة على الوهم والوعد الإلهي الزائف.
وتدور رواية "عليّ: قصة رجل مستقيم" لحسين ياسين، حول شخصية عليّ ابن قرية "الجيب" الفلسطينية التي تقع بين رام الله و القدس ، وهو الذي ولد يتيماً من الأب الذي قتل على يد "تحصيل دار" التركي على البيدر، فتزوجت أمه من "غريب" وهو لا يزال في "اللفة"، وأجبرت على التخلي عن حضانته، بل وهُجّرت من بلدتها إلى الأبد، فيما انتقل هو إلى القدس لينضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني ويصبح عضواً بارزاً فيه، حيث درس في المدرسة الحزبية في موسكو، وسجن عدة مرات ليتطوع في الحرب الإسبانية بين الأعوام 1936 - 1939، ويحصل له ما يحصل هناك.
وأعلن، أمس، عن القائمة الطويلة للروايات المرشّحة لنيل الجائزة العالمية للرواية العربية للعام 2018، وتشتمل على 16 رواية صدرت بين تموز 2016، وحزيران 2017، وتم اختيارها من بين 124 رواية ينتمي كتابها إلى 14 دولة عربية، من قبل لجنة تحكيم مكونة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمي والناقد والشاعر والروائي والمسرحي الأردني إبراهيم السعافين، وعضوية كل من: الروائي والقاص الفلسطيني محمود شقير، والأكاديمية والمترجمة والروائية والشاعرة الجزائرية إنعام بيوض، والكاتبة والمترجمة السلوفينية باربرا سكوبيتس، والكاتب والروائي السوداني الإنكليزي جمال محجوب.
وإضافة إلى الروايات الفلسطينية، ترشح عن السودان روايتان هما رواية أمير تاج السر "زهور تأكلها النار" ورواية "الطاووس الأسود" لحماد الناصر، ومثلهما لسورية عبر روايتي "بيت حدد" لفادي عزام و"الخائفون" لديمة ونوس، كما هي حال مصر برواية "حصن التراب" لأشرف عبد اللطيف ورواية "ضعف" لرشا عدلي.
وكانت بقية الأعمال المترشحة لـ"طويلة البوكر"، لكل من روايات: "آخر الأراضي" لأنطوان الدويهي (لبنان)، و"ساعة بغداد" لشهد الراوي (العراق)، و"النجدي" لطالب الرفاعي (الكويت)، و"الساق فوق الساق" لأمين الزاوي (الجزائر)، و"الحالة الحرجة للمدعو ك" لعزيز محمد (السعودية)، و"هنا الوردة" لأمجد ناصر (الأردن).
وقال إبراهيم السعافين، رئيس لجنة التحكيم، معلقاً على الروايات المرشحة: تنوعت روايات القائمة الطويلة في موضوعاتها من الواقعية والغرائبية والعجائبية إلى التاريخية والاجتماعية بإسقاطات على الواقع العربي، بحيث تناولت التحديات المختلفة التي يجابهها المجتمع العربي على المستوى السياسي والثقافي والإنساني إضافة إلى قضايا الهوية، وصورت التشوهات والمآسي والأحلام، كما سعت إلى استنطاق التاريخ من منظور الخيال الروائي.
ويبقى الهم العربي، بكل معانيه وبكل أبعاده الإنسانية، مصدر الانشغال ومحور الإبداع الذي يخرج الواقع من ذاته حتى لا يتقوقع عليها؛ فيصبح أسيراً لهذه الذات.
روايات هذه القائمة هي بين أيدي القراء العرب الآن الذين سينكبّون على قراءتها وتداولها والحديث عنها فيما بينهم فيصبحون، من خلالها، مشاركين في الحياة الثقافية العربية التي لا يمكن لها أن تزدهر دونهم.
بدوره، قال ياسر سليمان، رئيس مجلس أمناء الجائزة: تشمل القائمة الطويلة لهذا العام ثلة من الروائيين الذين تألقوا في سماء البوكر العربية في الماضي، ترافقهم مجموعة من الأسماء الجديدة التي تزيد الجائزة ألقاً في الحياة الثقافية العربية.