ينتظر الشعب الفلسطيني والعالم انعقاد اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير في الرابع والخامس عشر من هذا الشهر. ويتوقع الفلسطينيون قرارات حاسمة ومهمة تستجيب لمتطلبات المرحلة ويمكنها أن تشكل رداً مناسباً عما آلت إليه الأوضاع السياسية بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف ب القدس عاصمة لدولة إسرائيل والبدء بإجراءات نقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس. والقرارات الإسرائيلية التي بنيت على القرار الأميركي ومنها تصويت حزب "الليكود" الحاكم على ضم المستوطنات المقامة في الضفة الغربية المحتلة وحول مدينة القدس مع الأراضي المحيطة بها إلى  إسرائيل. وقرار الكنيست بعدم القيام بأي تغيير لحدود مدينة القدس "الموحدة" إلا بتصويت ثلثي أعضاء الكنيست (80 عضواً) على الأقل. بالإضافة إلى تسريع وتيرة الاستيطان في القدس والمناطق القريبة منها وفي كل مكان في الضفة. بينما يراقب العالم ما يصدر عن المجلس من قرارات، ولعل بعض الدول بدأت بإجراء اتصالات مع القيادة الفلسطينية لمعرفة نواياها في هذا الاجتماع ولربما للتحذير من مغبة الذهاب نحو قرارات تصعيدية بعيدة المدى.


قد يجمع الفلسطينيون على أن ترامب أنقذ القيادة الفلسطينية من طرح مشروع لا يلبي الحد الأدنى من المطالب الفلسطينية في اي تسوية قادمة، وبحسب ما تسرب بشكل رسمي وغير رسمي عن " صفقة القرن " الموعودة فهي تريد إخراج موضوع القدس من المفاوضات أي التسليم بضم إسرائيل لشرق القدس، وشطب مسألة اللاجئين وعدم العودة لحدود عام 1967، أي الموافقة على الموقف القاضي بضم إسرائيل مساحات واسعة من الأراضي المصنفة (ج) في الضفة الغربية.

فلو طرح الرئيس الأميركي مشروعه قبل قراره الغبي بخصوص القدس لكانت القيادة الفلسطينية في مأزق الرفض لهذا المشروع، حيث لا يمكن لأي فلسطيني أن يقبله مهما كان الثمن، ولكان الفلسطينيون قد دفعوا ثمن الرفض بعقوبات أميركية ربما تكون أقسى بكثير من العقوبات التي تفرضها الآن أو في نيتها فرضها رداً على رفض وإدانة والتصدي لقرار ترامب، وبدون شك ستكون هناك ضغوط عربية قوية على القيادة الفلسطينية، نظراً لأن بعض الدول العربية تريد الانسياق وراء الموقف الأميركي ولعلها تقبل بالصفقة كما تطرحها واشنطن. ولهذا رب ضارة نافعة، فموقف ترامب حرر القيادة من قبول اي مقترح أميركي لا يلبي الحقوق الفلسطينية التي هي محط إجماع وطني. ولكن بالمقابل ألقى عليها أعباء اضافية للتعامل مع تبعات الموقف الأميركي وما يجري في العالم من حولنا. 


إذن المجلس المركزي لا بد له من الإجابة على تساؤلات الشعب حول الخطوة القادمة للرد على التحديات التي تطرحها المواقف الأميركية والإسرائيلية، ولعل ما يجري النقاش بشأنه في الأروقة الفلسطينية هو طبيعة العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي في ضوء فشل المحاولات الأميركية لتقديم أي مشروع يمكن له أن يساهم في إحداث اختراق حقيقي في العملية السياسية المجمدة كلياً، وفي ضوء عدم التزام إسرائيل باي من الاتفاقات معها وخاصة الاستمرار في البناء الاستيطاني وقضم مناطق (ج) التي قد تلجأ لاحقاً لضمها، وإعادة بناء الإدارة المدنية بطريقة عملها السابقة لاتفاق" أوسلو" الذي لم تطبق منه إسرائيل أهم جزء وهو الانسحاب من الغالبية الساحقة من مناطق(ج) التي من المفروض أن تسلم للسلطة الوطنية باستثناء المستوطنات والقواعد العسكرية. هل يتم الإعلان عن مؤسسات السلطة كمؤسسات لدولة فلسطين تحت الاحتلال ووضع كل الوضع الفلسطيني تحت قيادة وإشراف منظمة التحرير وتصبح فلسطين في حل من اتفاق "اوسلو"؟ أم هل نكتفي بإصدار مواقف تشمل القيام بحملة دبلوماسية وسياسية واسعة للحصول على الاعتراف بعضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية؟ أم كل هذا وأشياء أُخرى؟ وماذا سيكون مصير قرارات سابقة  كالتنسيق الأمني، الذي أصدر المجلس المركزي قبل عامين قراراً بوقفه ولم يطبق سوى في مرحلة قصيرة؟


هناك أمور يجب أن تسبق انعقاد المجلس المركزي إذا كانت هناك جدية فلسطينية في مواجهة الجنون الأميركي والصلف والعدوان الإسرائيلي، وأهمها تحقيق الوحدة الوطنية واستعادة قطاع غزة في إطار الكيانية السياسية والإدارية الموحدة كجزء ليس معزولاً أو خاضعاً لإجراءات عقابية استثنائية، وتوحيد القيادات السياسية على مختلف انتماءاتها ومشاربها الفكرية في إطار موحد يجعل اجتماع "المركزي" بمثابة اجتماع لقيادة الشعب الموحدة التي تشمل الجميع. ولكن يبدو هذا في هذه المرحلة بعيدا عن التطبيق السريع، ومع ذلك فانعقاد "المركزي" فرصة لتصويب الأوضاع ولإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير التي تحتاج لإعادة هيكلة وبناء على أُسس جديدة لضخ الدم في مؤسساتها ولتفعيلها كما يجب في مرحلة الدولة تحت الاحتلال وحتى الاستقلال الناجز.


ينبغي للمجلس المركزي أن يقيم الأمور بصورة دقيقة وعلى ميزان الذهب، فأي قرار في غير محله قد يجر عواقب وخيمة، وأي قرار لا يمكن تنفيذه سيفقد "المركزي" ومؤسسات المنظمة ما تبقى من دور وهيبة واحترام في صفوف الجماهير. ومن الأفضل الذهاب إلى خطوات صغيرة واقعية يمكن تطبيقها والبناء عليها، على أن نذهب لشعارات وقرارات غير قابلة للتنفيذ ونصبح بدون فعل غير ما نقوم به اليوم بدون "المركزي" وبدون قناعة بإمكانية التغيير بشكل يعطي للمتغيرات الدولية والإقليمية أهمية ودافعية لإجراء المراجعة والتطوير والتغيير نحو الأفضل على كل المستويات، خاصة ونحن بحاجة لإحياء الديمقراطية الداخلية التي تآكلت جراء تكلس المؤسسات القائمة بما فيها مؤسسات المنظمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد