إنها الحرب، قبل الحرب الفعلية، حرب الهواجس والانتظار، حرب عنوانها الخشية من أن تخرج الأمور عن السيطرة في أية لحظة، إنها «حالة غازية» نسبة إلى الغاز سريع الاشتعال، إذ ان شرارة صغيرة محدودة قد لا تُرى بالعين المجرّدة، كفيلة بتفجير كبير هائل، إنها حالة غازية، تلك التي تشكل عنوان علاقة الطرفين، إسرائيل والمقاومة، لا أحد منهما يريد الحرب ـ حالياً ـ لكن شرارة صغرى قد تقضي تماماً على إرادة الطرفين وتنشب حرب لم يسعيا إليها!


وزير الحرب الإسرائيلي السابق، موشي يعالون يرى ضرورة تأجيل جولة الحرب القادمة مع قطاع غزة ، ويقول في برنامج في أحد الكيبوتسات إنه يجب الاستمرار في خلق وضع «أمني نسبي»، ويجب إعطاء حماس فرصة التصدي للتنظيمات «المتطرفة التي تواصل إطلاق الصواريخ ـ حسب قوله. تصريح يعالون هذا يأتي في ظل تصاعد دعوات البعض في المستوى السياسي الإسرائيلي، خاصة من قبل زعيم المعارضة «غباي» بضرورة الاستفادة من القرار الأميركي حول القدس واندفاع واشنطن للمواجهة مع الفلسطينيين، ب فتح معركة حربية جديدة، «نتخلص فيها من حركة حماس ومن الصواريخ المنطلقة من غزة». مع أن عدداً من التصريحات الحربية الإسرائيلية موجهة أساساً إلى الداخل الإسرائيلي، إلاّ أنها بالمقابل توجه رسالة إلى المقاومة الفلسطينية، بأن البديل عن الهدنة الشفوية، هي حرب ربما، بل يجب أن تكون الأخيرة!


هي إذن حرب أخيرة تريدها إسرائيل مع قطاع غزة تحديداً، وهذا يعني الحرب التي لا يمكن التشكيك بمدى انتصار الدولة العبرية فيها، حرب إلغاء الآخر ودفنه وإعلان موته ونهايته، دون ذلك، يجب تأجيل الحرب، حسب يعالون والاكتفاء «بالأمن النسبي» وصولاً إلى مقومات تمكن إسرائيل من شن حرب أخيرة!


في مقابلة أجرتها «يديعوت أحرونوت» مع قائد لواء كفير «رازون» أشار إلى التدريبات الخاصة التي أجراها الاحتلال مؤخراً على تخوم قطاع غزة، مركزاً على اكتشاف الأنفاق، وتدريب الجنود على حماية أنفسهم من الاختطاف، إذ إن المقاتلين الفلسطينيين تدربوا ومارسوا عمليات الاختطاف بحرفية عالية، ويمكن لهم الخروج من تحت الأرض، من أي مكان وفي أية لحظة لمفاجأة الجنود في الميدان، وأن هؤلاء يتدربون، أيضاً، على إدارة المناطق التي سيتم احتلالها، لذلك، هم يتعلمون اللغة العبرية والثقافة العبرية. إشارة «رازون» هذه يمكن اعتبارها الأهمية التي توليها القيادات العسكرية الإسرائيلية لهذه الحرب القادمة: إعادة احتلال قطاع غزة عسكرياً وبشكل مباشر الحرب الأخيرة، كما نعتقد!


مع ذلك، فإن بعض المحللين العسكريين في الدولة العبرية، وحسب تصريحاتهم عبر الصحافة الإسرائيلية، يدعون إلى عدم التسرع باستغلال قرار ترامب حول القدس للمضي قدماً في عملية عسكرية واسعة على قطاع غزة، ليس فقط لأن إسرائيل ليست مستعدة عسكرياً لهذه الحرب، ولكن لأن قرار ترامب، يمكن استثماره سياسياً، بجهود متزايدة لنيل اعترافات مزيد من الدول بالقدس كعاصمة للدولة العبرية، وبالمضي قدماً بالعملية الاستيطانية وتغيير معالم القدس المحتلة لتتناسب مع كونها عاصمة موحدة وأبدية للدولة العبرية، فإن ذلك من شأنه أن يخلق وقائع على الأرض أكثر من أي شيء آخر، وأكثر أهمية من خوض حرب جديدة، من شأنها تعطيل الوصول إلى هذا الهدف، كما أن نشوب أية حرب جديدة على قطاع غزة، من شأنه أن يعطل المساعي الإسرائيلية لإغراء دول عربية بالمضي قدماً بعملية التطبيع مع الدولة العبرية، إذ إن هذه الدول ستكون محرَجة أمام شعوبها تحديداً، في حالة نشوب حرب ما يدفعها إلى تأجيل أو حتى إلغاء توجهها للتطبيع أو الاعتراف بالدولة العبرية.


في حين أن البعض يرى في إقدام إسرائيل على حرب واسعة على قطاع غزة، يمكن النظر إليه كشكل من أشكال تصدير أزمة رئيس الحكومة على خلفية التحقيقات الشرطية والقضائية معه، أكثر من كونها حرباً ألزمتها الضرورات الأمنية، خاصة وأن أية حرب قادمة على قطاع غزة، وفي ظل حالة الاستقطاب في الإقليم والمنطقة، قد تفتح المجال أمام توسعها لتشمل لبنان وجنوب سورية، في ظل اقتراب إيران من هذه المنطقة، الأمر الذي لا يمكن معه ضمان تحقيق انتصار حقيقي في هذه الحرب التي وعلى الأغلب، ستكون ساحتها كل الدولة العبرية.. فهل إسرائيل مستعدة لمثل هذه الحرب؟!


Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد