الحد الأدنى للأجور هو أدنى مبلغ من المال يتقاضاه العامل في الساعة، اليوم أو الشهر بحكم القانون ، وهو أيضا أدنى مبلغ يجوز فيه للعامل أن يبيع جهده، و يهدف الحد الأدني للأجور إلى تحقيق العدالة الاجتماعية , و الحد من معاناة العمال و تأمين متطلبات عيش كريم لهم وتحسين أوضاعهم المعيشية بما يتناسب مع مستويات المعيشة واحتياجاتها الأساسية , و كافة الأطراف ذات العلاقة و الممثلة بالحكومة وأصحاب العمل و ممثلي العمال على قناعة تامة بأهمية تطبيق نظام الحد الأدنى للأجور.
وأقرت السلطة الوطنية الفلسطينية الحد الأدني للأجور بقرار صادرة من مجلس الوزراء برقم (11) لسنة 2012م ، بهدف اعتماد وتطبيق الحد الأدنى للأجور في جميع مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، و تبعه قرارات تنفيذية لوزير العمل لتحديد الاجر على الأقل (1450) شيكل شهريا وهو أقل من خط الفقر الوطني في فلسطين الذي يبلغ تقريبا 2300 شيكل شهريا , أو(65 ) شيكل يوميا، أو(8.5 ) شيكل لساعة العمل.
وتم العمل على تطبيق القرار منذ بدء العام 2013 بالضفة الغربية ولم يطبق في قطاع غزة بسبب الإنقسام الفلسطيني , وصدر قرار جديد برقم (7) لعام 2017 من وزير العمل للبدء بالتطبيق الحد الادنى للأجور إعتبارا من 1/ 3 / 2017 وأكد القرار على إلزام أصحاب العمل بتطبيق الحد الأدنى للأجور في كل انحاء الوطن.
وللأسف الشديد لا يتناسب الحد الأدني للأجور الذي تم إقرارة مع مستوى المعيشة المرتفع في فلسطين وذلك نتيجة لربط الإقتصاد الفلسطيني بالإقتصاد الإسرائيلي ويتجلى ذلك في في الفرق الكبير في الحد الأدني للأجور في إسرائيل والذي يبلغ 5300 شيكل شهريا أي ثلاث أضعاف الحد الأدني للأجور الفلسطيني , هذا بالرغم من التقارب الكبير في أسعار المواد الاستهلاكية و الأساسية لدى الطرفين.
لكن يجب أن نقر بأن الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها كلا من الضفة الغربية و قطاع غزة صعبة و مأساوية في ظل القيود المفروضة من الجانب الإسرائيلي على حرية حركة البضائع و الأفراد وتكاليف النقل المرتفعة , و الحصار المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات و الحروب التي تعرض لها وماخلفته من دمار هائل في المنشآت الإقتصادية.
و كل ذلك أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في معدلات البطالة في فلسطين , حيث شهد الربع الثالث من عام 2017 ارتفاع حاد في معدلات البطالة في فلسطين حيث وصلت إلى 29.2% وهي أعلى نسبة مسجلة خلال 14 عاما , و بلغ عدد العاطلين عن العمل في فلسطين 412,8 ألف شخص , منهم حوالي 169 ألف شخص في الضفة الغربية وحوالي 243,8 ألف شخص في قطاع غزة , و ما يزال التفاوت كبيراً في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة حيث بلغ المعدل 46.6% في قطاع غزة مقابل 19% في الضفة الغربية , وبحسب البنك الدولي فإن معدلات البطالة في قطاع غزة تعتبر الأعلى عالميا , وبلغ معدل البطالة بين الأفراد 20-29 سنة الحاصلين على مؤهل دبلوم متوسط أو بكالوريوس خلال عام 2016 حوالي 54% في فلسطين، بواقع 42% في الضفة الغربية و 67% في قطاع غزة.
وهنا لابد من التساءل هل الحديث مُجدي عن الحد الأدنى للأجور في ظل وجود أكثر من ربع مليون عاطل عن العمل في قطاع غزة فقط ...؟ , في اعتقادي أنه من الأجدر الحديث عن حلول و وضع خطط لتخفيض نسب البطالة المرتفعة من خلال مشاريع مستدامة و فتح الأسواق العربية أمام العمالة الفلسطينية , وبعد ذلك يتم الحديث عن تطبيق الحد الأدنى للأجور.
إن تطبيق الحد الأدنى للأجور في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة و في ظل ما يعانيه القطاع الخاص الفلسطيني على مدار 17 عام , سوف يؤثر بالسلب على المنشآت الصغيرة و المتوسطة و التي تشكل ما يزيد عن90% من القطاع الخاص الفلسطيني , حيث أن هذه المنشات لا يوجد لديها القدرة الفعلية لتطبيق مثل هذه السياسات في ظل الأوضاع الإقتصادية الحالية.
هذا بالإضافة إلى أن تطبيق الحد الأدنى للأجور سوف يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة و الفقر نتيجة استغناء أصحاب العمل عن بعض العاملين الغير مهرة أو الذين لا يشكلون أهمية في العملية الإنتاجية , كما سوف يؤثر بالسلب على توظيف الخريجين الجدد و فئة الشباب التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة ولن يكونوا قادرين على الحصول على فرص عمل بسهولة.
كما أن تطبيق الحد الأدنى للأجور سوف يؤدي إلى زيادة في تكاليف الإنتاج والخدمات و التي تشكل أجور العاملين فيها ما نسبته من 20% إلى 30% من التكلفة الكلية للإنتاج , مما سوف يساهم في انخفاض القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية التي تعاني كثيرا من القيود و الإجراءات الإسرائيلية.
ونستخلص من ذلك بأن تطبيق الحد الأدنى للأجور يتطلب عقد العديد من ورش العمل واللقاءات بين كافة الأطراف ذات العلاقة و الممثلة بالحكومة وأصحاب العمل و ممثلي العمال لدراسة كافة النواحي الايجابية و السلبية والتوافق على الآليات المتعلقة بذلك لضمان تطبيق عادل واستقرار علاقات العمل وتحقيق الشراكة الاجتماعية والتزام تام من كافة أطراف العلاقة بالتطبيق على أرض الواقع , كما يجب مراعاة التباين في مستوى المعيشة حسب المناطق الجغرافية , و التباين في نمو القطاعات الاقتصادية المختلفة , مع دراسة إمكانية تطبيق الحد الأدنى للأجور على مراحل أو بشكل جزئي بحيث يبدأ تطبيقه على حسب مهارة وخبرة وسنوات الخدمة الخاصة بالعامل , مع التأكيد على أن فرض حد أدنى للأجور بشكل متوازن و معقول سوف يساهم في تطبيقه بالشكل المطلوب.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية