صحيح أن ترامب متورط مع العالم كله في أمور كثيرة لعلّ قضية القدس أبرزها في هذه المرحلة لكن الأصحّ والأهم هو أن ترامب والترامبية هما ورطة عالمية لن يخرج منها العالم سالماً بسهولة، وقد يكلف هذا الخروج أثماناً قد لا يكون العالم مهيئاً لدفعها الآن، مما ينذر بحالة من الفوضى والاضطراب في توازن العلاقات الدولية.
عام كامل مرّ على الإدارة الترامبية الجديدة استطاع من خلالها ترامب أن يموّه بعض الأمور. واستطاع أن يتحايل على بعضها الآخر، وتموّج وتلوّن، أفصح وألمح أحياناً لكنه أبطن واستبطن في أحايين أخرى.
المهم أنه بعد مرور السنة الأولى لتولّيه سدّة حكم البيت الأبيض أخذ ترامب يفرج عن مواقعه ومواقفه، وبدأت الترامبية تظهر كمنظومة هادفة حتى وإن كانت أدواتها وآليات عملها فجّة وعشوائية وينقصها الكثير من اللياقة واللباقة المفترضة في إدارة دولة عظمى، إن لم نقل في إدارة أية دولة من أي نوع كانت.
بما معناه، الترامبية التي يتمُّ بلورتها كنهج وربما كمؤسسة، أيضاً، يمكن اعتبارها «خلطة» فكرية وثقافية، سياسية وكذلك اجتماعية تعبّر عن تحالف غير معلن ولكنه موجود في الواقع ما بين بعض بواقي وهوامش المحافظين الجدد واليمين الأميركي المتطرف والمتصهين والقوى الشعبوية العنصرية وبعض هوامش الكنيسة المغرقة في رجعيتها وانحيازاتها، والغارقة في غيبيّاتها الخاصة ومقولاتها السلفية والأصولية الساذجة.
لم يكن ممكناً أن يعود المحافظون الجدد إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة بعد كل ما اقترفوه من خطايا، وبعد كل ما أدّت إليه سياساتهم من كوارث اقتصادية على العالم وعلى الولايات المتحدة نفسها ولم يكن ممكناً أن يتم الإطاحة بالحزب الديمقراطي من باب المنافسة بينه وبين قوى الرأسمال الكبير وصاحب العقلية الإمبراطورية والقائم على نهج القوة والعنف والسيطرة والبلطجة الدولية.. لم يكن ممكناً جذب الأصوات الانتخابية إلاّ عَبر «الخلطة» التي بدأت تتبلور معالمها بسرعة، وكيف أنها حالة تتحوّل إلى منسّقة ومنظّمة قد تصل إلى درجة الإعلان عن تحالفات وائتلافات بما يشبه ويوازي الحزب الكبير مستقبلاً.
وفي مواجهة هذا النهج العنصري (الصاعد) تتبلور بالمقابل قوى سياسية واجتماعية وثقافية لإسقاط هذا «الصاعد» الجديد لما يمثله من خطر على مكتسبات الفئات الشعبية في الولايات المتحدة، ولما يمكن أن يوصل هذه الفئات إلى حدود الفاقة والفقر في غضون عدة سنوات قليلة قادمة.
لم تتبلور بعد بما يكفي جبهة التصدي لترامب والترامبية لا على المستوى الأميركي، ولا على المستوى الدولي، وبالمقابل لم تتمكن الترامبية بعد من بناء تحالفات داخلية صلبة، أو عقد تحالفات دولية يمكن الاعتماد عليها لاحقاً.
لكن الشيء المؤكد هو أن ترامب والترامبية يواجهان صعوبة بالغة في إعلان ناجز عن النفس، وقد يكون من المبكر الإعلان عن بلورة نهائية لهذا النهج بسبب هذه الصعوبة بالذات.
لهذا فإن الترامبية على ما يبدو لن تسقط لمجرّد أن ترامب أهوج ومتهوّر ولن تنجح لمجرّد أن الفئات الشعبوية مستعدة لدعمه حتى النهاية أو لمجرّد أن اليمين الإسرائيلي المتطرف في إطار اللوبي الصهيوني الأكبر مستعد أن يخوض معركة فاصلة دفاعاً عنه وعن الترامبية.
الأمر يتعلق إلى هذه الدرجة أو تلك بكل هذه المسائل، لكن الأهم هو ذلك المقدار من الانتعاش الاقتصادي والاستقرار الاقتصادي الذي سيتمكن من توفيره للمجتمع الأميركي.
لا نستطيع أن ننكر الأثر الذي ستتركه السياسات الضريبية التي تم تبنّيها للتو، ولا يمكننا أن ننكر أن الانحياز الكامل في المسألة الضريبية للأغنياء سيدعم من قوائم ترامب والترامبية، لكن ليس مؤكداً أبداً أن انحياز الأغنياء لترامب هو الشيء نفسه للانحياز إلى الترامبية، كما لا يمكننا بالمقابل أن نثق بأن اللوبيات الإسرائيلية والصهيونية المتطرفة مستعدة للدفاع عنه وعن الترامبية حتى الرمق الأخير.
تبقى المشكلة الأكبر لترامب والترامبية هي مشكلته مع عالم لن يقبل العبث بقواعد القانون الدولي والحالة المطلوبة من التوازن في العلاقات الدولية، وهو (أي العالم) أبعد ما يكون اليوم عن عالم المغامرة والمقامرة بهذه العلاقات والتوازنات.
ولهذا فإن العالم لا يرى في ترامب والترامبية سوى حالة من الفوضى والعبث وهي ورطة غير مسبوقة، الترامبية ضربت ضربتها الغادرة الكبيرة في فلسطين، وكانت ضربة قاسية وقوية واستعراضية واستعلائية ويقطر منها سمّ العنصرية.
لكن فلسطين ردت بقوة وهي ترد اليوم وربما أن الرد الفلسطيني سيكون أقسى مما تصور ترامب ومما صُوِّر له من قبل طواقم الترامبية الطائشة.
أولى الصفعات الكبرى جاءت لترامب من فلسطين وأغلب الظنّ أن هذه الضربة بالذات سترميه أرضاً في نهاية المبادرة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية