جاء فتح معبر رفح لمدة ثلاثة أيام، قبل وصول وفود الفصائل الفلسطينية للعاصمة المصرية، بغرض تبديد الإحباط الذي بدأ ينشأ جرّاء ما يراه الشارع الغزي المتشوق لإنهاء الانقسام بأسرع وقت ممكن، من عدم جدية، أو من تأن أو بطء في تنفيذ خطوات إنهاء الانقسام، لكنه في الوقت ذاته لم يطلق مشاعر الأمل، ذلك أن ثلاثة أيام لا تكفي لسفر الحالات الإنسانية، خاصة طلبة الجامعات الذين لديهم إقامات بالخارج أو الذين حصلوا على منح دراسية، ويخشون من أن يفوت الوقت، بعد بدء الفصل الدراسي، فيفقدوا بالتالي المنحة الدراسية، أو يفقدوا الفصل الدراسي، في حال لم يتمكنوا من السفر.
كذلك، إن فتح المعبر جاء وفق ما كان عليه الحال طوال العشر سنوات التي مضت، أي وفق صيغة «لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم»، هذا رغم أن حرس الرئيس (أو الحكومة المركزية) كان قد تسلّم رسمياً وفعلياً المعبر منذ بداية الشهر، الأمر الذي بعث معه التفاؤل أو حقّق إمكانية أن يتم فتح المعبر بشكل طبيعي، أي طوال الوقت، لكن على ما يبدو، أن السبب هذه المرة ليس الحالة الأمنية في سيناء، بل الخلاف الداخلي الفلسطيني حول الصيغة التي لا بد من أن يفتح وفقها معبر رفح.
منذ أن تسلمت الحكومة المركزية صلاحيات إدارة المعبر، والناطقون باسمها يتحدثون عن صيغة 2005، وهي الصيغة التي ترفضها معظم الفصائل في قطاع غزة ، التي ترى أن تلك الصيغة باتت قديمة وغير مناسبة، لأنها تعيد «التحكم الإسرائيلي» عن بعد عبر الطاقم الأوروبي بحركة المسافرين عبر المعبر، وأن التزام السلطة الفلسطينية بذلك الاتفاق الذي تم إثر الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من قطاع غزة، ليس له معنى، لأن الاتفاق نفسه يشمل بنوداً أخرى، على إسرائيل أن تلتزم بها أولاً، وثانياً لأن إسرائيل ضربت عرض الحائط بكل اتفاقاتها مع الجانب الفلسطيني، بما في ذلك، عدم العودة إلى ما كان عليه واقع الحال عام 2000، أي قبل اندلاع المواجهة بين الجانبين، والانسحاب من مناطق (أ)، مناطق ولاية السلطة الأمنية والمدنية الكاملة.
برأينا، يمكن للقاء الفصائلي في القاهرة، أن يحل هذه المسألة فوراً، وأن ينجز هذه الخطوة، على الأقل، ذلك أن الجميع مجتمع، وأن الاجتماع في القاهرة، أي يمكن للفصائل مجتمعة أن تتفق أولاً فيما بينها، ثم مع الجانب المصري، على إدارة ثنائية، فلسطينية_مصرية لمعبر رفح، وفق منطق السيادة بين الدول المتجاورة، وفي حال احتجت إسرائيل أو غيرها، يتم الرد بضرورة أن تلتزم إسرائيل بكل بنود 2005، وبمجمل الاتفاقات بينها وبين فلسطين، وإلا فعليها أن تصمت، ونقطة أول السطر.
المهم أن يتم فتح معبر رفح بشكل طبيعي ويومي، مع تشكل أطقم أمنية مشتركة، من بينها دوريات عسكرية، فلسطينية_مصرية، لترافق المسافرين، أو لتساعد في ضبط الأمن، على الجانب المصري من الحدود، وكل ما تحتاجه مصر بهذا الخصوص.
هذا الإنجاز في حال تحققه، سيعني الكثير لأهل قطاع غزة، ذلك أن إغلاق معبر رفح، كان دائماً أحد أبرز عناوين حصار القطاع، وأحد أسوأ نتائج الانقسام الداخلي، بعد ذلك، لا بد للحوار من أن يبحث في وقف العمل بإجراءات الحكومة المركزية تجاه قطاع غزة، إن كانت تلك التي تتعلق برواتب الموظفين، أي اقتطاع 30% من الراتب الشهري، وعودة العمل بكل الحوافز والحقوق الوظيفية الأخرى من ترفيعات وبدل مواصلات، وعلاوة إدارة، وما إلى ذلك، ثم التوقف عن إجراءات التقاعد المبكر، أو على أقل تقدير، مساواة الموظفين في غزة بزملائهم في الضفة بهذا الخصوص، ثم إطلاق عملية توفير الخدمات العامة، خاصة الكهرباء، التي شكلت مع إغلاق معبر رفح، عنواناً آخر لمعاناة سكان القطاع، جراء الحصار وكنتيجة للانقسام.
وهذا يعني أن لقاء القاهرة، ربما يؤجل البحث في ملفات المرحلة التالية من إنهاء الانقسام، أي البحث في ملفات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ملف الانتخابات، ملف «م.ت.ف»، ملف المصالحة المجتمعية، وحتى ملف الأمن وسلاح المقاومة.
نرجح بأن يجري الحديث في لقاء القاهرة الذي يستمر ليومين فقط، هذا المنحى، وهذا يعني أن لقاء اليوم وغد، لن يكون أكثر من خطوة أولى على طريق حوار ماراثوني طويل، قد يستمر لأسابيع في أحسن الأحوال، أو لأشهر، خاصة وأنه يجب ألا يغيب عن البال، أن الحوار يجري في ظل ضغوطات أميركية/إقليمية لدفع مسار إنهاء الانقسام بوجهة محددة، عنوانها سيطرة أمنية للسلطة الرسمية على قطاع غزة، الذي ظهر خلال عشر سنوات مضت، كمتمرد ليس على السلطة في رام الله وحسب، بل وكمتحد لإسرائيل، وللنظام الإقليمي في أكثر من محطة ومناسبة.
محصلة الحوار، يجب أن تكون باتجاه توحيد الموقف الفلسطيني شعبياً وميدانياً ورسمياً، ذلك أن وحدة الموقف والإرادة، هي مصدر القوة الذاتية، التي بمقدورها أن تصد كل رياح الإقليم، وكل الحسابات الخارجية، فلا بد من أن يجمع الفلسطينيون بكل مكوناتهم الفصائلية على أن فلسطين يجب ألا تدفع فاتورة الصراعات الإقليمية، وإذا كان حل ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي ضرورياً لإقامة تحالف عسكري عربي/إسرائيلي، فعلى إسرائيل أن تدفع ثمن رغبتها في شن الحرب على إيران، لا أن يدفعه الشعب الفلسطيني الذي ليس بمقدوره أن يحتمل مزيداً من الاحتلال والقهر والكبت والظلم، وبهذا المعنى، فإن أقل شيء يمكن الإصرار عليه، هو أن « صفقة القرن الأميركية» يجب أن تكون نتيجة حوار فلسطيني_عربي/ إسرائيلي_أميركي، لا أن تكون نتيجة الحوار الإسرائيلي/الأميركي، حيث يريد العدو أن يجعل منها مضاداً للمبادرة العربية، وهكذا دون وحدة موقف فلسطيني فعال، لن يكون هناك موقف عربي قوي، ما يعني أننا مقدمون، قريباً، على تلقي أوامر البيت الأبيض بتنفيذ صفقة القرن سيئة الصيت والسمعة.
Rajab22@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية