تقول مرح “الموضوع كتير مضحك بس يجي حدا من برا يسألني من أي مطار رح تسافري؟ على أساس لدينا خيارات، مش عارفين إنه الخيارات معدومة أساسًا. لو تعرفوا قصّة دخول الغزاوي للأردن كيف بتمر بمراحل، بس لأنه غزّاوي”.
مرح الفتاة العشرينية المرحة الطموحة تتمتع بطاقة حيوية مثيرة، وهي التي لم تغادر غزة منذ ولادتها سواء للسياحة او حتى لأي سبب شخصي، هي ستشارك في دورة تدريبية لتنمية قدراتها مع مجموعة من الإعلاميات في تونس، وهي فرصة ومحاولة لإلتقاط انفاسها من وجع وحزن غزة وما عاشته في حرب غزة، وما تعانيه من ظلم وقهر كباقي فتيات غزة المحرومات من ممارسة حقوقهن في السفر.
تقدمت ثلاث مرات بطلبات للحصول على تصريح من الجانب الاسرائيلي ورفضت طلباتها ومرة تمت الموافقة على طلبها وربما بسبب البيروقراطية والاهمال او القصور من أحد الموظفين الفلسطينيين لم يتم ابلاغها بموعد سفرها وحرمت من ممارسة حقها في السفر.
حال مرح ليس أفضل من حال صديقتها الجميلة المبدعة، والذي لا تريد لأحد ان يعتدي على خصوصيتها ويكتب عنها بدا التوتر يظهر على تصرفاتها والخوف من فقدان فرصتها في السفر والدراسة، ولا تزال تنتظر الموافقة الإسرائيلية أو السماح لها بالسفر عبر معبر رفح لاستكمال دراستها بعد حصولها على منحة للحصول على اللقب الجامعي الثاني الماجستير في الخارج.
مرح وغيرها من الفتيات والفتيان يعانون مظلومية المنع والقهر، ونحن ندعي أن غزة لا تشبه أي مكان في العالم هي تشبه ذاتها، وبرغم حصارها وارتباطنا العاطفي والوجداني فيها إختزلنا فلسطين بغزة كوطن. نعيش في الوطن الإفتراضي الصغير المحاصر وفي سجن ننتظر الموت ونتلقى الضربات والقهر والظلم يضربان عميقا في نفوسنا. ساكنون كجماد لا يملك خيارات أخرى غير البقاء جامدا فيها ينتظر معجزة ولادة جديدة كائن حي بشري.
من يحاول أو تتاح له فرصة السفر النادرة او الهجرة يبقى مسكون بحبها وجدانيا ونفسيا، ولا ينفك عن التفكير فيها ويشيخ وهو ينتظر العودة إليها ومتابعة أخبارها وتفاصيلها الصغيرة.
في غزة نشعر بالخوف والعجز وتشيخ أحلامنا وآمالنا ومن يمتلكون الحق في السفر وان تتاح لهم الفرصة وهم قلة، ومن لديه نوايا السفر يبقى مرغماً وعاجزا عن التفكير في السفر. السفر ليس خيارنا الحر، وحركتنا ساكنة كمياه راكدة حتى لو قذف حجر لتحريكها فالحركة بطيئة ومتكاسلة وغير واثقة من إستمرارها، هي راكدة ليس بإرادتها، احتمالات التمرد على سكون الحركة وقهر السكون مرتبط بخيارات السفر وقهر المتعالي والمتغطرس.
سفرنا ليس رفاهية ومتعة أو إختيار، إنما إختبار لمقاومة القهر والظلم وانتظار الحزن والألم والحلم بالسفر وهذا مرتبط بقرار وإرادة كالتعليم والهجرة أو فرصة عمل، او بأسباب خارجة عن إرادته كالمرض او محاولة الهروب والمحاولة في مكان آخر ليس مكاناً لنا وغير متاح وعن فرصة لحياة معلومة أو مجهولة.
حتى الهجرة الداخلية في زمن الحرب ليست إرادة حرة، بل هي ارادة القهر والإجبار والغضب والحزن والألم، ونبقى ملاحقين ننتظر الموت ويظل الرعب والخوف يلاحقنا، وحتى في مبالغتنا اننا نمتلك القدرة على إخافة من يهجرنا ونزرع الخوف والرعب في صفوف من يقتلنا ويلاحقنا بطائراته الهمجية، يبقى خوفه مرفه ومدلل وينتقل إلى امكان بعيدة ويعيش في ظروف أكثر رفاهية.
من فينا ليس بحاجة للسفر لمكان بعيد، يعيد الإعتبار لذاته وكرامته المهدورة والقهر الساكن فيه، والهروب من طنين العقل كبعوضة سكنت في إذنيه، أو زنانة اسرائيلية مجرمة استوطنت في رأسه، ليحافظ على ما تبقى من روحه واستعادة قدرته لمقاومة موت القهر البطيئ.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية