لم تكتفِ السلطة في رام الله باستمرار فرض العقوبات على قطاع غزة التي وعدت برفعها بمجرد حل اللجنة الإدارية العليا التي شكلتها حركة حماس لإدارة غزة، بل أفرزت بعض الأصوات النكدة لإطلاق التصريحات الاستفزازية من حينٍ لآخر والتي لا تُبشّر بخير فيما يتعلّق بإتمام المصالحة، ومن هذه الأصوات بعض مسؤولي السلطة الذين ينادون ليل نهار في الصباح والمساء في السر والعلن بنزع سلاح المقاومة أسوة بزملائهم الخائبين والفاشلين في لبنان سابقاً، حتى أن أحدهم قال مؤخراً: " كيف يمكنني توّلي الأمن عندما يوجد كل تلك الصواريخ والأسلحة؟ هل هذا ممكن؟" بالطبع هذا غير ممكن وفق عقيدته الأمنية وانسجاماً مع فكره السياسي، وتماشياً مع وجهة نظره التي خشي منها القائد الوطني الشهيد صلاح خلف في كتابه (فلسطيني بلا هوية) والتي تنبأ بها الأديب الوطني الشهيد غسان كنفاني بأنها يوماً ما ستصبح وجهة نظر.
والمطالبة بنزع سلاح المقاومة لضمان الأمن يوّحي بطريقة خادعة أن وجود سلاح المقاومة يعني بالضرورة غياب الأمن كما يشير تصريح أحد جهابذة الأمن، وهذا كلام يناقض الواقع الموجود في غزة طوال العقد الماضي، فلقد كانت العلاقة تبادلية بين سلاحي المقاومة والسلطة على الدوام، حيث وفرّت السلطة في غزة بيئة آمنة للمقاومة بنفس القدر الذي وفرّت المقاومة بيئة داعمة للسلطة لتوفير الأمن في المجتمع. وسلاح المقاومة يُمكن أن يكون مخزونا استراتيجيا للسلطة أمام كل ما يهدد أمن المجتمع من سلاح العصابات الإجرامية والمجموعات الإرهابية وعربدة بعض العائلات والفلتان الأمني أياً كان مصدره. كما أن سلاح السلطة يُمكن أن يحمي ظهر المقاومة وقت الحروب والأزمات وفي كل وقت.
والمطالبة بنزع سلاح المقاومة هو هدف إسرائيلي دائم خاصة في الحروب السابقة على غزة فشل في تحقيقه على مدار الوقت بكل الطرق العسكرية والسياسية، كما فشل في تحقيق غيره من الأهداف المُعلنة وغير المُعلنة. وهو مطلب إسرائيلي وأحد الشروط الإسرائيلية الأربعة للموافقة على المصالحة الفلسطينية .
فمن يُطالب فيه ينسجم من حيث يدري أو لا يدري مع أهداف الاحتلال في نزع عوامل القوة من الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها سلاح المقاومة ويضع نفسه في الصف المعادي للمقاومة بل والشعب ، وهذا ما أكده السيد عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح مؤخراً بقوله: " إن سلاح المقاومة نظيف وأن من يدعو لسحبه ليس وطنياً ويتساوق مع إسرائيل، لدينا كتائب في غزة، والآن سنعود لنسلّحها، لن نكون خرافاً تُقاد للذبح، ومن يمس سلاح المقاومة ليس وطنياً، ومن يُسوّق ذلك يجب أن يُنظر إليه نظرة أخرى.". وهذا ما اكد عليه أيضا الكثير من القادة الوطنيين من حركة فتح وغيرها.
والمطالبة بنزع سلاح المقاومة غير مقتصر على الساحة الفلسطينية فقد سبق وإن كانت هذه الأسطوانة المملة هي النغمة النشاز والصوت الشاذ الأكثر مبيعاً في الساحة اللبنانية للتحريض على المقاومة اللبنانية وعنوانها الرئيس حزب الله بتحريض من بعض الأنظمة العربية المتحالفة مع الأمريكان والصهاينة، ومن حسن حظ اللبنانيين والعرب والمسلمين أن هذه الأسطوانة لم تُعد تسوّق في لبنان وأُلقيت في مزابل التاريخ بعد أن انتصرت المقاومة اللبنانية وحررت لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000 ثم انتصرت عليه مرة أخرى عندما أعاد العدو الكرة على لبنان عام 2006، وها هي تنتصر على فلول الوحوش البشرية وتطرد داعش من لبنان لتنجو لبنان من لعنة الربيع العربي المميتة التي ضربت جواره العربي فيصبح لبنان حراً مستقلاً عزيزاً كريماً أمام غابة العبودية والتبعية والذلة التي يعيشها بعض العُربان المتصهينين.
وكما انتهت هذه الأسطوانة المُملة في لبنان ستنتهي حتماً في فلسطين، ولكن لضمان نهايتها بغير رجعة لا بد وأن تنتهي معها العقيدة الأمنية المنبثقة من اتفاقية أوسلو والمتمحوّرة حول حماية السلطة واتفاقية أوسلو عبر أجهزة أمن تُنسق مع الاحتلال، وهذا يعني في مضمونه ليست فقط حماية السلطة والاتفاقية بل حماية أمن الاحتلال: جيشاً ومستوطنين، أو على الأقل الشراكة في حماية أمن الاحتلال مما يحوّله إلى احتلال رخيص ونظيف. واستبدالها بعقيدة أمنية مختلفة منبثقة من كوننا لازلنا نعيش مرحلة تحرر وطني تركز على حماية أمن المجتمع والشعب الحاضن للمقاومة كما تركز على توفير بيئة آمنة للمقاومة وتحمي ظهرها، وتقوم على تنظيم شرعية السلاح بين السلطة والمقاومة وليس تناقض الشرعية .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية