أقدمت السلطات الإسرائيلية على أعلان حالة التأهب على حدودها مع قطاع غزة ، وقامت بنشر عدد كبير من قواتها المسلحة من دبابات وآليات وبطاريات مدفعية وصواريخ «القبة الحديدية» المضادة للصواريخ التي نشرت بالقرب من القطاع وعسقلان وحول مدن أخرى، كما جلبت قوات النخبة إلى المنطقة المحاذية لغزة، وأجرت مناورات عسكرية، للاستعداد للحرب، وتهيئة قوات جيش الاحتلال لمعارك محتملة، وذلك تحسباً لقيام حركة «الجهاد الإسلامي» بالانتقام لشهدائها في عملية تفجير النفق التي قامت بها إسرائيل على الحدود مع قطاع غزة، حسب الادعاء الإسرائيلي. 


وقد واكب هذه الخطوات تهديد غريب من نوعه على لسان منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية الجنرال يوآف (بولي) مردخاي باللغة العربية موجهٌ لحركة «الجهاد الإسلامي»، وتهديد آخر من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالرد بكل قوة على كل من يحاول مهاجمة إسرائيل.


بعض الأوساط الإسرائيلية تقول إن الأوامر صدرت لـ» الجهاد الإسلامي» في غزة بالقيام بالرد على الاعتداء الإسرائيلي على النفق وقتل قادة ومقاتلين من الحركة، وأن موضوع فتح المعركة ينتظر فقط الضوء الأخضر من حركة « حماس »، وأن الأخيرة تنتظر لترى تطورات «المصالحة» وأنه إذا رأت «حماس» عملية المصالحة متعثرة بسبب تردد السلطة في تحسين الظروف الإنسانية والحياتية في القطاع، ستؤيد مواجهة محدودة لتحريك الملف والضغط على السلطة ومصر لتسريع العملية.


لا حديث جدياً حول رغبة أو عدم رغبة إسرائيل بالحرب في هذه المرحلة، وما عدا التهديدات لا ينطق القادة الإسرائيليون بأي شيء حول الموضوع، وهذا طبيعي لأن إسرائيل لا يمكن أن تفصح بأي طريقة عن رغبتها في الحرب، ولكن لو نظرنا إلى المصالح التي تحكم سياسة الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو وبالشراكة مع حزب «البيت اليهودي»، فهي دون شك ضد المصالحة الفلسطينية لأنها تنزع أهم الذرائع الإسرائيلية في معارضة العملية السياسية وحل الدولتين القائم على أساس الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967. 


ودائماً كانت تقول إنها لا يمكن أن تنسحب من الضفة المحتلة لأنها لا تضمن عدم سيطرة «حماس» بالقوة على الضفة وتهديد العمق الإسرائيلي من مطار اللد وحتى تل أبيب على شاطئ البحر المتوسط، أي وسط إسرائيل وقلبها الحيوي.


المصالحة من هذه الناحية تضم «حماس» إلى قيادة منظمة التحرير كجزء عضوي من القيادة الفلسطينية في وقت غيرت فيه «حماس» برنامجها السياسي وقبلت علناً بمبدأ قيام دولة فلسطينية في حدود العام 1967، أي أنها قبلت برنامج منظمة التحرير وستصبح ملتزمة بما يتم إقراره من قرارات ومواقف في المؤسسة الفلسطينية حتى لو كانت تختلف مع بعضها طالما يتخذ القرار بمشاركة الجميع، وإسرائيل لا تريد ذلك. وهي ترغب في رؤية الانقسام الفلسطيني مكرساً بين الضفة وغزة، حيث «دولة» غزة تحت سلطة «حماس» والضفة الغربية تحت رحمة المشروع الاستيطاني في إطار تقاسم وظيفي يبقي الاحتلال قائماً إلى ما شاء الله.


وقد تكون الحرب في غزة فكرة مناسبة لتدمير مشروع المصالحة وخلق فوضى شاملة هناك، وهذا ربما هو السبب الذي دفع إسرائيل للمبادرة بتفجير النفق وقتل مقاتلي «الجهاد» و»حماس» في قلبه. 


ولكن إسرائيل حذرة جداً من أن تتحمل المسؤولية عن إفشال المصالحة أمام الولايات المتحدة الأميركية ومصر اللتين ترغبان في إتمام المصالحة. 


وإذا نجحت إسرائيل في جر الأطراف الفلسطينية المعنية في غزة وبالذات حركة «الجهاد الإسلامي» بموافقة «حماس» إلى المبادرة بمواجهة مع إسرائيل فربما تكون فرصتها لتفجير فكرة المصالحة. 


مع ذلك تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الإسرائيلية لن تكون هي المبادرة لحرب شاملة على غزة لأن الجيش وأجهزة الأمن ترفض الفكرة، وهي على العكس من موقف الحكومة ترى أن المصالحة الفلسطينية تحمل في طياتها فرصة لضمان الأمن والاستقرار في غزة، وأن الخطر الحقيقي هو في بقاء الوضع الإنساني السيئ في غزة قائماً على حاله، وهو ما يهدد بانفجار حقيقي يمس بصورة جذرية بأمن إسرائيل ومصر والمنطقة. وترى الأوساط الأمنية أن تخفيف حدة الاحتقان في غزة يساهم في الحفاظ على الأمن وخاصة إذا تم توفير الكهرباء بصورة منتظمة ودائمة وإعادة الإعمار وتنفيذ مشاريع لتوفير الماء النظيف للشرب والاستعمال ومصادر للدخل على أساس تخفيض نسبة البطالة بما في ذلك من خلال توظيف أبناء القطاع في المؤسسات الحكومية وفي المشاريع الناشئة بفعل عودة السلطة إلى غزة. 


والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في قطاع غزة سيقود إلى تحقيق الأمن على الحدود مع إسرائيل، ولكن لا أحد يمكنه أن يعترض على حرب تشنها إسرائيل رداً على هجمات الفصائل الفلسطينية حتى لو كان الرد الإسرائيلي لا يناسب حجم النار الفلسطينية. 


فربما تكون هذه الفرصة للذهاب إلى أقصى مدى لقتل إمكانية تغيير الأوضاع السياسية في الساحة الفلسطينية نحو الأفضل. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد