بعيداً عن نظريات المؤامرة التى لا أميل إليها عندما أتحدث عن المخاطر المحدقة بمصر وذلك لسبب بسيط، مفاده أن مصر أكبر من أية مؤامرات يمكن أن تحاك ضدها، فلا يمكن لأية مؤامرة أن تنجح نظراً لما تمتلكه مصر من مقومات متفردة حضارية واستراتيجية وعناصر القوة الشاملة، تلك المقومات التى تجعل أية مؤامرة تتحطم على أبواب مصر قبل أن تطأ أرضها الطاهرة أو تمس شعبها العظيم.

وفى نفس الوقت فإن القراءة الدقيقة غير المبالغ فيها للواقع الإقليمى والدولى تشير إلى أن هناك بعض التحديات والمهددات التى تؤثر سلباً على الأمن القومى المصرى ارتباطاً بتصاعد الدور المهم الذى تلعبه مصر ووجود بعض الأطراف، التى لا ترغب فى أن ترى تنامى هذا الدور، ومن ثم تحاول استهداف مصر والمساس بمسيرتها الناجحة خاصة بعد تعافينا من آثار الأحداث التى تلت ثورة ٢٥ يناير، تلك الأحداث التى كادت تدفع بمصر إلى الدخول فى متاهات غير محسوبة.

وإذا ما حاولنا الاقتراب بشكل مباشر من طبيعة التحديات التى تواجهها مصر حالياً، والتى أرى أنها سوف تستمر لفترة قادمة فإن هناك أربعة محددات مهمة يجب أولاً أن نوضحها على النحو التالى:

أن هذه التحديات متنوعة المجالات ومختلفة الأهداف حيث تشتمل على نوعين هما التحديات الداخلية والتحديات الخارجية.

أن هذه التحديات لا تتركز فقط فى الإرهاب الموجه ضد الدولة ولاسيما ضد مؤسساتها الأمنية رغم أنه التحدى الأهم؛ ولكنها أيضاً تشمل بعض التحديات الاقتصادية والاجتماعية.

أن بعض هذه التحديات ولاسيما العمليات الإرهابية يمكن أن تشهد نوعاً من التصعيد كلما اقتربت انتخابات الرئاسة المقررة فى العام القادم ٢٠١٨ .

أن هناك نجاحات ملحوظة وغير مسبوقة حققتها الدولة لتلافى آثار هذه التحديات بكافة أنواعها وخاصة المواجهات العظيمة والتضحيات الكبيرة لقواتنا المسلحة الباسلة وقوات الشرطة فى مواجهة الإرهاب.

تحديات داخلية

وفى مجال الحديث عن التحديات الداخلية يجب أن أشير بداية إلى أن الدولة لم تقصر فى مواجهتها وتتعامل بالفعل معها بكل الجدية المطلوبة، ولكن قد يحتاج بعضها لمزيد من الوقت ومزيد من التفعيل, ويمكن توضيح أهمها فى التحديات الأربعة التالية:

التحدى الأول ويتمثل فى العمليات الإرهابية التى تشهدها الدولة، خاصة تلك التى تحدث فى شمال سيناء على فترات حتى إن كانت غير متقاربة، مما يشير إلى استمرار وجود بعض الجماعات الإرهابية فى هذه المنطقة واستمرار الدعم الذى يصل إليهم, بالإضافة إلى العمليات الإرهابية التى تحدث من فترة لأخرى فى منطقة الواحات والتى تشير إلى وجود بعض الإمكانيات لدى هذه الجماعات للانتقال من منطقة إلى منطقة أخرى.

التحدى الثانى وهو القدرة على مواصلة برنامج الإصلاح الاقتصادى بنفس الكفاءة التى بدأنا بها تنفيذه مع الاستمرار على التوازى فى معالجة الآثار السلبية والبعد الاجتماعى للطبقات التى تتضرر من تطبيق هذا البرنامج.

التحدى الثالث وهو أهمية دمج الشباب المصرى فى منظومة الدولة باعتبارهم أحد أهم عناصر قوة الدولة ومستقبلها.

التحدى الرابع وهو مدى إمكانية استثمار الإعلام المصرى بكافة أنواعه ليكون فى خدمة الأهداف القومية للدولة وأن يكون معبراً بصدق وبحرفية وشفافية عن الأوضاع التى تشهدها الدولة سواء كانت إيجابية أم سلبية، وأن يكون عاملاً مساعداً فى بناء الدولة، وألا يكون تحقيق الربح فقط هو الهدف الأسمى للإعلام الخاص.

تحديات خارجية

وفى الجانب المقابل نشير إلى أهم التحديات الخارجية التى تواجهها مصر فى التحديات الأربعة التالية:

التحدى الأول وهو استمرار الدور المشبوه لبعض الدول التى تعادى مصر، التى تحرص على ألا تشهد الدولة المصرية أية مظاهر تنمية واستقرار، ومن ثم تقدم بعض أنواع الدعم سواء للجماعات الإرهابية أو للعناصر التى تؤويها وتتخذ من منابرها الإعلامية مجالاً للهجوم على مصر والمساس بقيادتها السياسية مثل قطر وتركيا وإيران.

التحدى الثانى وهو استمرار عدم التوصل إلى حل لبعض المشكلات التى تعانى منها المنطقة حالياً مثل الأزمتين السورية والليبية وهما مشكلتان تمثلان تهديداً للأمن القومى المصرى نتيجة تنقل الجماعاتالمتطرفة والإرهابية من المناطق التى كانت تتمركز فيها فى هاتين الدولتين إلى المناطق القريبة من الحدود الغربية لمصر توطئة لمحاولة النفاذ إلى داخل الدولة, ولا شك أن النجاح الكبير الذى يحققه الجيش المصرى فى تدمير المئات من سيارات الدفع الرباعى، التى تحمل أسلحة ثقيلة وعناصر إرهابية فى هذه المنطقة، خير دليل على مدى أهمية هذا التحدى.

التحدى الثالث وهو مواصلة عدم حل المشكلة الفلسطينية مما يبقى المنطقة فى حالة صراع دائم, فضلاً عن إمكانية تفجر الأوضاع بين إسرائيل وقطاع غزة ، مما يؤثر على الأمن القومى المصرى كما يؤثر على جهود  المصالحة الفلسطينية التى نحجت مصر من خلال جهاز المخابرات العامة فى بلورة المبادئ اللازمة لوضعها موضع التنفيذ.

التحدى الرابع وهو استمرار المخاطر المحيطة بإقامة سد النهضة الأثيوبى، الذى يسير تشييده بخطى ثابتة ومدى تأثير ذلك على الأمن القومى المصرى المائى.

وفى ضوء ما سبق يمكن القول إن هناك بالفعل تحديات حقيقية تواجهها مصر، مما يتطلب أن تكون هناك رؤية متكاملة لمواجهة هذه التحديات حتى تستطيع مصر أن تمارس دورها الذى تستحقه فى المجتمع الدولى, وبالتالى فإنه من المهم أن يتلاءم الجهد المطلوب خلال المرحلة القادمة مع مستوى التحديات القائمة وذلك من خلال ما يلى:

استمرار الإجراءات الأمنية الوقائية على مستوى الدولة بأكملها مع تدعيمها بمختلف الوسائل الحديثة فى المناطق الأكثر تعرضاً للعمليات الإرهابية لمواجهة أية عمليات محتملة فى إطار تنسيقى متكامل, ولا يجب أن نركن إلى حدوث بعض فترات الهدوء من جانب الإرهابيين, كما أن ما تقوم به الدولة من مراجعة للإجراءات الأمنية على فترات وطبقاً لطبيعة الموقف على الأرض وتطوراته يعد أمراً مطلوبا ومهماً ويدعم الجهد التاريخى العظيم المتفانى الذى تبذله المؤسسات العسكرية والأمنية للحفاظ على استقرار وأمن مصر.

مواصلة برنامج الإصلاح الاقتصادى بثبات مع الأخذ فى الاعتبار البعد الاجتماعى للطبقات الفقيرة وتصحيح أو مراجعة أية خطوات يتطلب الوضع مراجعتها حتى يكون المواطن المصرى متقبلاً لكل الإجراءات المتخذة فى هذا المجال بل وداعماً لها, ولعلنا نلاحظ مدى قبول وتحمل المواطنين لهذه الإجراءات أملاً فى مستقبل أفضل.

الاستمرار فى إقامة المشروعات الخاصة بالتنمية الاقتصادية ورفع مستوى المعيشة خاصة فى المناطقالأكثر احتياجاً، وكذا تلك المناطق التى تعانى من الفقر والإرهاب مثل شمال سيناء.

استمرار مصر فى القيام بدورها الطبيعى والمطلوب تجاه المشكلات والصراعات الإقليمية خاصة فى فلسطين وليبيا وسوريا والتحرك لتحقيق إنجازات ملموسة فيها، لاسيما أن هذه المشكلات تؤثر سلباً على الأمن القومى المصرى.

ضرورة اليقظة والتحسب إزاء السياسة الأثيوبية المتبعة بالنسبة لسد النهضة حتى لايصل الوضع إلى أن تفاجأنا بأمر واقع يؤثر على مصالحنا واحتياجاتنا المائية مع ثقتنا الكاملة فى قدرة قيادتنا السياسية للتعامل مع هذه القضية.

ضرورة أن يشعر الشباب بمدى حاجة الدولة إليهم ورغبتها وقدرتها على دمجهم فى المنظومة العامة للدولة باعتبارهم عماد مستقبل مصر المشرق، وهو ما يتأتى أيضاً من خلال استمرار مؤتمرات الشباب الدورية المهمة التى تعقد تحت رعاية السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى المحافظات المختلفة مع العمل على توسيع نطاق ونوعيات الشباب التى تشارك فيها, ولا شك أن المؤتمر الدولى للشباب المنعقد حالياً فىمدينة شرم الشيخ، يعد أيضاً خطوة متقدمة لخدمة أهداف الدولة ودعم شبابها.

لابد أن يصل الإعلام المصرى إلى مرحلة يعمل فيها كمنظومة متكاملة لصالح الأهداف الاستراتيجية للدولة بعيداً عن التركيز على الجانب التجارى فقط, ومع تقديرنا لمبدأ حرية الرأي، إلا أن هناك مرحلة قد تمر بها الدولة تحتاج إلى أن يكون الإعلام الوطنى الصحيح المرشد هو أحد أسلحتها الرئيسية وأحد العناصر المؤثرة لقوتها الناعمة.

الخلاصة أن الدولة المصرية وهى تواجه العديد من التحديات والمهددات نجحت فى أن تعرف طريقها السليم ومسارها الصحيح وبدأت خطواتها الجادة من أجل تحقيق التقدم والاستقرار والتنمية, ولا يمكن لنا ونحن نتحرك إلى الأمام أن نغفل عن أن هذه التحديات سوف تظل قائمة معنا لفترة ولابد من مواجهتها بكل قوة وكفاءة وشفافية, ومن المؤكد أن الدولة تبذل كل الجهد من أجل تحقيق التنمية الشاملة المطلوبة بمايعود على الشعب المصرى العظيم بالآثار الإيجابية, ولا يتبقى أمامنا سوى أن نتكاتف ونلتف حول قيادتنا السياسية التى نثق فيها، التى تعتمد دائماً وبكل إيمان وثقة على الله عز وجل وعلى شعبها المصرى العظيم فى مسيرة طويلة بدأناها وسوف نستكملها على أكمل وجه بإذن الله.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد