من الواضح أن قطار المصالحة لم يكن لينطلق من جديد بدون ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأميركية، ويبدو أن مصر تلقت هذا الضوء بشكل أساسي لأنها من بادر للتوسط ورعاية العملية وهي أكثر الأطراف الإقليمية حاجة لهذه المصالحة، وتمثل مصلحة أكيدة لها، طبعا عدا عن كونها مصلحة وطنية فلسطينية عليا.
 وقد كان تعليق الولايات المتحدة في البداية أقرب إلى الموقف الإسرائيلي، حيث أصدر المبعوث الأميركي لعملية السلام " الممثل الخاص للمفاوضات الدولية" جيسون غرينبلات بياناً قال فيه إن "الولايات المتحدة الاميركية تؤكد من جديد أهمية التقيد بمبادئ اللجنة الرباعية ألا وهي أن أي حكومة فلسطينية يجب أن تلتزم التزاماً لا لبس فيه بنبذ العنف والاعتراف بدولة إسرائيل وقبول الاتفاقات والالتزامات السابقة الموقعة بين الطرفين، بما في ذلك نزع سلاح الإرهابيين والالتزام بالمفاوضات السلمية. وإذا كانت حماس معنية بأي دور في حكومة فلسطينية، فيجب عليها أن تقبل هذه المتطلبات الأساسية". بعد ذلك بدأت واشنطن تعبر عن دعهما وتأييدها للمصالحة وللجهود المصرية التي"خلقت فرصة إيجابية نادرة، رغم أن موقف الإدارة هو وجوب نزع سلاح حماس، ولكن لا يوجد توقع في أن يحصل هذا على الفور".- حسب تصريح موظف كبير في البيت الأبيض "هآرتس، الإثنين 32/10/2017". بمعنى أن نزع سلاح "حماس" لم يعد شرطاً مسبقاً لها كما هو حال الموقف الإسرائيلي أو الموقف الأميركي السابق.
 هذا يؤكد أن الولايات المتحدة ترغب في حصول المصالحة ونجاحها لأنها من وجهة نظر إدارة الرئيس دونالد ترامب خطوة لا بد منها، وممر إجباري لتحقيق الصفقة الكبرى التي تحدثت عنها كثيراً منذ تولي الرئيس ترامب رئاسة أميركا.
 فالمصالحة توحد القيادة الفلسطينية لقبول الصفقة الموعودة، التي -على ذمة بعض وسائل الإعلام- تشمل سلاماً إقليمياً يؤدي إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، وهي تضع حلاً للقضية الفلسطينية في إطار عربي أوسع بحيث يكون الموقف من هذه التسوية عربياً للتسهيل على القيادة الفلسطينية اتخاذ قرار فيها خاصة وأن المعروض سيكون أقل مما تطالب فيه هذه القيادة وأقل مما تنص عليه مبادرة السلام العربية. وحسب ما نشر أمس في صحيفة "إسرائيل اليوم" فالخطة الأميركية للتسوية سوف ترضي الفلسطينيين بنسبة50% كما ترضي الإسرائيليين بنفس النسبة، اي أنها ستكون على حساب الفلسطينيين، ولهذا مهم أن تكون القيادة الفلسطينية في إطار لا يجعلها تقدر على الرفض أو يشجعها على القبول خاصة إذا كانت كل الأطياف الفلسطينية كلها موجودة في إطار واحد فلسطيني وعربي.
 قد لا ترى القيادة الفلسطينية الأمور كما تراها واشنطن أو بعض العواصم العربية المهتمة بتطبيع العلاقة مع إسرائيل، ولكن الإدارة الأميركية تنظر لها على نحو يحقق لها انجاز التسوية أو صفقة القرن كما يحلو لها تسميتها والنجاح فيما فشلت إدارات سابقة فيه، وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة في إطار الصراع على استحواذ منطقة الشرق الأوسط خاصة بعد ان أصبحت روسيا قطباً رئيساً ومقرراً عقب نجاح تحالفها مع نظام بشار الأسد في سوريا في هزيمة الجماعات الإسلامية المتطرفة، التي جزء منها وربما كلها حظيت بدعم واشنطن وأطراف غربية وعربية أخرى بالعتاد والسلاح والتدريب والأموال، ما مكنها من الاستيلاء على غالبية أراضي سورية وقسم مهم من الأراضي العراقية. والآن يعاد تقسيم المنطقة إلى مناطق نفوذ وتحالفات جديدة تختلط فيها الأوراق وتراجع فيها التحالفات من جديد على أرضية الواقع الناجم عن التطورات الميدانية.
  أميركا تريد من المصالحة ضبط سلاح الفصائل في غزة تمهيداً لنزعه في حال تم التوصل إلى صفقة التسوية وتحقيق أمن إسرائيل بتولي السلطة الفلسطينية التي ستكون الدولة القادمة في الحل المسؤولية المدنية والأمنية الكاملة في القطاع كما في الضفة. والطريق الوحيد لذلك هو دمج "حماس" في القيادة الفلسطينية وجعلها تتبنى موقف منظمة التحرير حتى لو لم تعترف بإسرائيل، على الأقل تتوقف عن الكفاح المسلح وعن المزيد من التسلح والاستعداد لمواجهات قادمة. كما تريد حل المشاكل الإنسانية في هذه المنطقة المكتظة والبائسة والتي تهدد بالانفجار الشامل في وجه الجميع. وهذا أيضاً لمصلحة إسرائيل وأميركا.
الطموح الأميركي يلتقي مع مصلحة الفلسطينيين في موضوع المصالحة والوحدة ولكنه قد لا يلتقي في الموافقة على الصفقة التي ليس فقط الفلسطينيون من سيواجهون مشكلة معها، بل إسرائيل ربما تكون أكبر المعترضين عليها خاصة في ظل الائتلاف الحكومي القادم الذي لن يصمد أمام أي حل يتضمن انسحاباً إسرائيلياً من الضفة الغربية بغض النظر عن حجمه خاصة إذا شمل جزءاً من مناطق (ج) التي تعتبرها غالبية مكونات الحكومة أرضاً تابعة لإسرائيل ينبغي ضمها.
  إذن، نحن أمام مراهنات إقليمية ودولية على مصالحة وطنية هي أولوية ماسة للشعب الفلسطيني بغض النظر عن نجاح أو فشل التسوية، فالوحدة هي الطريق للدولة المنشودة وهي التي ستقنع جميع الأطراف، الأعداء قبل الأصدقاء بأخذ الفلسطينيين على محمل الجد، وبغض النظر عن مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل لا بد من انجاح المصالحة وصولاً إلى توحيد القيادة في إطار منظمة التحرير وإدارة العملية السياسية الكفاحية في جبهة موحدة، فمن الواضح أن تحقيق الأهداف الوطنية الفلسطينية ليس سهلاً وليس في المستقبل المنظور. والصراع سيدخل في مرحلة جديدة مع تصاعد وتيرة الاستيطان والعدوان الإسرائيلي. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد