ليس غريباً أن يسيطر الحذر ومازال علي المواطن الفلسطيني خلال الفترة الماضية والتي سبقت التوقيع علي بروتوكول تنفيذ اتفاق المصالحة ، فالفشل المتكرر للحوارات علي مدار احد عشر عاما من عمر الانقسام جعلت الحذر حليف استراتيجي ملازم للمواطن المقهور ، فسنوات الانقسام ، بكل ما حملته في طياتها من معاناة لأبناء شعبنا وتراجع لقضيتنا المركزية ، لم تكن كافية لفصائلنا وقيادتها ، كي يغلبوا المصلحة العليا للوطن علي مصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة حتى اللحظة .

 

وما أن باتت المصالحة هذه المرة قريبة المنال هل يمكننا القول بأن الانقسام انتهي ؟ ولكن من يضمن لنا عدم تكرار هذه التجربة المقيتة ؟ الذي دفع فيها شعبنا ثمنا باهظا ، لذا لن أخوض في تفاصيل ودوافع المصالحة الوطنية الفلسطينية ، وهل هي إرادة فلسطينية محضة أم جاءت بإرادة وقرار إقليمي أم دولي ، فما يهمنا بغض النظر عن أسبابها ودوافعها أنها حدثت ويجب أن نشكر من دفعنا باتجاه المصالحة ونتمنى تنفيذها علي ارض الواقع ، وما يهمنا في هذه المرحلة الإجابة عن تساؤل هام : ماذا بعد المصالحة ؟ وهل انتهي الانقسام ؟.

 

فالمطلوب الآن لتثبيتها هي أن تصبح جزء من ممارسة المواطن لحياته اليومية وهنا أتحدث عن إعادة تشكيل الوعي الوطني الجمعي والذي تم كيه طوال سنوات سبقت الانقسام ، فالانقسام بخلاف كونه كان بإرادة وقرار خارجي ، فهو نتيجة طبيعية لتعبئة فكرية وغسيل أدمغة لسنوات داخل الأحزاب والفصائل الفلسطينية خاصة الإسلامية منها ، تشكلت خلالها هويات خاصة بكل حزب علي حساب الهوية الوطنية الفلسطينية العليا .

 

فإذا ما أردنا عدم تكرار الانقسام في المستقبل لابد من التخلص من هذه الثقافة ، ثقافة الأنا والبدء من الآن بإعادة تشكيل الوعي الوطني الفلسطيني وتغذيته بالمفاهيم والثقافة الوطنية الجمعية والتي تخدم فلسطين وأكبر من الحزب والفصيل ، بنبذ الأنا الحزبية وتغليب المصلحة الوطنية علي المصلحة الحزبية وقبول الآخر واستبعاد مفهوم التفرد والاقصاء والإيمان بالشراكة السياسية قولا وفعلا لنسموا وتسموا فلسطين بنا جميعاً وهذا يبدأ من الأسرة من خلال التربية والتنشئة الوطنية السليمة .

 

فبكل مساوئ الانقسام إلا أن من أهم ايجابياته أنه أتاح الفرصة للجميع لإدراك هذه المفاهيم إن أدركوها فعلاً ، وأهمها أنه ليس بمقدور أي فصيل إقصاء فصيل آخر بأي شكل من الأشكال ، ولنا في الانقسام تجربة ، لذا فالشراكة السياسية هي المخرج للجميع من هذا النفق المظلم للأبد ، فما يجمعنا كفصائل وفلسطينيين أكثر مما يفرقنا ، لماذا لا نتفق علي خطاب سياسي وخطاب مقاوم موحد ؟ لماذا لا نجتمع لنضع لبنة هامة ؟ إلا وهي الاتفاق علي ثوابت هامة لقضيتنا لا يمكن لأحد تجاوزها مهما كانت الأسباب ، وما دون ذلك يحق للجميع الاجتهاد والاختلاف .

 

لذا أنصح بتشكيل لجنة وطنية عليا مهمتها وضع الخطط الإستراتيجية واليات تنفيذها ، في كيفية إعادة تشكيل الوعي الوطني الجمعي الفلسطيني ونشره بكل الوسائل والطرق بدءً من الأسرة ثم المدرسة ثم الحي ثم المدينة والتركيز علي الأحزاب والفصائل ومتابعتها فهي أهم مصادر التغذية والاستقطاب ، وإلغاء فكرة استقطاب الفرد من خلال تشويه الآخر والبناء علي أخطاؤه وكأنه عدو ، ونبذ كل من يحيد أو يروج لأفكار من شأنها أن تشويه وعي المواطن الفلسطيني ، فليس لدينا موارد تدر أموالا علينا لبناء دولتنا ، فموردنا الذي لا ينضب هو الفرد الوطني الصالح ، فلماذا نشوهه ؟

 

 

فلتعلوا هويتنا الوطنية الفلسطينية من جديد ، وما دون ذلك سنشهد بالمستقبل انقسامات طالما الثقافة الموجودة عندنا بهذا الشكل .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد