2014/05/17
لم يكن مقر نقابة الصحافيين الفلسطينيين، يوماً، مشكلة يعاني منها الصحافيون والإعلاميون الفلسطينيون، بل قد يكون آخر همومهم أن يكون هناك مقر أو لا يكون، بمعنى أن الأهم أن يشعر الجسم بالراحة، حتى لو لم يجد الجدران، التي تأويه.إن الجسم الصحافي الفلسطيني، عانى، وما يزال، يعاني من أمراض عدة، ليس أقلها الترهل والتسييس والانفصال عن الواقع والفئوية المقيتة، وترك عوامل الزمن توجه له طعناتها القاتلة.
تم في كانون الأول (ديسمبر) 1999 تنظيم أول انتخابات حرة لنقابة الصحافيين يشهدها الجيل الثاني من الصحافيين في فلسطين، أسفرت عن مجلس ادارة مختلط، يعكس، ولو بقدر ضئيل، التنوع السياسي والثقافي في الساحة الصحافية.
ثم همد الجسد ولم يعد يحرك ساكناً، واستقال معظم أعضاء المجلس ودبت الخلافات بين أعضائه، حتى نهاية عقد التسعينات الى أن خرجت دعوات وزادت الضغوط لتنظيم انتخابات للنقابة تبعث فيها روحاً جديدة، وتضخ الدماء في أوردتها وشرايينها.
وجاءت الانتخابات في السادس من شباط (فبراير) 2010 كارثية بكل معنى الكلمة، إذ تم تزويرها وتسييسها وحرمان صحافيي غزة منها، والهيمنة عليها في شكل غير مسبوق، ما يعكس توجهاً جديداً لم يكن معروفاً من قبل في النقابة الوطنية الأولى، على رغم الخلافات والانقسام السياسي السلمي، خلال السنوات الماضية، حول المشاركة في صنع قرارها.
ثم جاءت السيطرة على مقر النقابة في مدينة غزة، الذي دانه واستنكره الكل الصحافي والوطني الفلسطيني، نظراً لأنه يعكس عقلية اقصاء مشابهة لعقلية الاقصاء والتمييز والتفرد التي تهمين على مقاليد النقابة منذ زمن بعيد.
وكان للانقسام السياسي، وسيطرة حركة " حماس " على قطاع غزة بالقوة، وطرد حركة "فتح" الدور الأساس في تنظيم انتخابات 2010، وما تلاه من أحداث.
ومع ذلك، ظل الصحافيون يعيشون على أمل أن تكون الانتخابات القادمة أفضل، فجاءت انتخابات العاشر من آذار (مارس) 2012، فتكرر المشهد بصورة أكثر سوءاً وكارثية، وترتب عليه من تأسيس نقابة في غزة من قبل صحافيين محسوبين على حركتي "حماس" والجهاد الاسلامي، آلت أخيراً الى الفشل وتم حلها.
وتم افشال اتفاق تم التوصل إليه في شباط (فبراير) 2012، يُتيح إعادة تسليم مقر النقابة وفتحه من جديد أمام جموع الصحافيين، ويبعث الأمل في نفوسهم بتنظيم انتخابات جديدة على قاعدة الشراكة مع الجميع، ومن استثناء أو تمييز، ل فتح صفحة جديدة على أسس من المهنية والوطنية.
وبعد توالي هذه الأحداث، أصبح لدى كثيرين قناعة، خاطئة، أن أزمة نقابة الصحافيين المستفحلة لن تجد لها حلاً بعيداً عن مائدة الحوار الوطني وانهاء الانقسام، الأمر الذي رفضه كثيرون أيضاً، نظراً لأن إدراج الأزمة على جدول أعمال المصالحة يُطيل أمدها ويعقدها أكثر من ذي قبل، فضلاً عن أنه يُظهر الصحافيين تابعين وذيليين للسياسيين، بدلاً من أن يكونوا مبدعين ومبادرين وقادة للرأي العام ونديين مع السياسيين.
وفي ظل "اعلان الشاطئ"، الذي وضع آليات تنفيذ اتفاق القاهرة واعلان الدوحة للمصالحة، عادت الصحف للتوزيع في الضفة الغربية وغزة، وجاءت خطوة ايجابية آخرى في الاتجاه الصحيح، تمثلت في فتح مقر جديد لنقابة الصحافيين، تلاها إجراء آخر مهم وصحيح هو الغاء قرارات فصل عشرات الصحافيين من غزة من عضويتها.
ومع وضع حد لعدد من المشكلات، وإعادة فتح مقر النقابة، تكون بعض العقبات زالت من طريق الأزمة الكبرى التي تعصف بالساحة والجسم الصحافي الفلسطيني: أزمة بناء نقابة وطنية مهنية قوية.
إن الأزمة الحقيقية للنقابة تتمثل في فكر الاقصاء والتمييز والتفرد والسيطرة والهيمنة، وليست في وجود مقر من عدمه، على أهمية أن يكون للنقابة مقر لائق وملائم.
لكن الصحافيين بحاجة الى بيت لهم، وليس جدراناً وأبواباً ونوافذ، بحاجة إلى بيت يأويهم جميعاً، ويحميهم جميعاً، ويدافع عنهم جميعاً، ويعاقب المخطئ منهم، بيت وطني مهني جامع لا يفرق بين صحافي وآخر على خلفية انتمائه السياسي، أو الفكري، أو لونه، أو مكانته الاجتماعية.
إن مثل هذا البيت لا يمكن له أن يكون من دون إعادة الاعتبار للأسس التي تأسست عليها النقابة، ومن دون المساواة والعدالة، والتزام المعايير المهنية، وأخلاقيات المهنة، وإعلاء الوطن فوق الحزب أو الفصيل، أو المصالح الضيقة.
كل ذلك لن يتأتى من دون تجديد شرعية إدارة النقابة، مثلما يسعى الكل الوطني إلى تجديد شرعية هياكل السلطة الفلسطينية ومؤسساتها الرئاسية والتشريعية، ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بما فيها الاتحادات والنقابات وغيرها.
إن تنظيم انتخابات مبكرة حرة للنقابة في فلسطين، وليس في الضفة الغربية وحدها، وفق قواعد النزاهة والشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص، وعلى قاعدة التوافق بين مختلف الأطر والكتل والهيئات والمؤسسات من دون استثناء، حول العملية الانتخابية برمتها وجدولها الزمني، بات أمراً ملحاً وضرورياً ولا بديل منه، لأنه سيفتح الطريق أمام عودة الروح لجسد أنهكته الأزمات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية