زيارة الحكومة لقطاع غزة برفقة وفد كبير من الوزارات والهيئات والأجهزة المختلفة كانت ناجحة ومشجعة، والشعور العام هذه المرة يكتسي طابعاً أكثر تفاؤلاً من المرات السابقة، ليس فقط بسبب تصريحات ومواقف قادة « حماس » في قطاع غزة وعلى رأسهم اسماعيل هنية ويحيى السنوار، وحفاوة الاستقبال الذي قوبلت به الحكومة ووفدها الكبير، بل وكذلك لشعور الناس بأن «حماس» اتخذت قراراً إستراتيجياً بالذهاب للمصالحة ولا يبدو أنها ستتراجع عنه لاعتبارات كثيرة منها وطنية ومنها إقليمية ودولية. غير أن التفاؤل والشعور بالجدية لدى مختلف الأطراف لا يقلل من حجم المشاكل وربما محاولات الإعاقة هنا وهناك، وهي ليست فلسطينية فقط بل يمكن القول إنها إقليمية ودولية بدرجة أساسية.
من الملاحظ أن إسرائيل تصمت تماماً ولا تعلق على عملية المصالحة، ويتنبأ المحللون الإسرائيليون بمواقف حكومية (إسرائيلية) تبدو أحياناً متناقضة، فمنهم من يقول إن الصمت الإسرائيلي مرده إلى التدخل المصري الفاعل والمباشر في كل تفاصيل المصالحة وأن بنيامين نتنياهو لا يريد أن يسيء إلى علاقته بالرئيس عبد الفتاح السيسي بعد أن نجح في خلق صلة جيدة معه في أعقاب عدة لقاءات بين الرجلين بعضها سري، وآخرها اللقاء الذي جمع بينهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأيضاً بسبب رغبة إسرائيل في تدخل مصري في ملف الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة. ومنهم من يفسر الصمت الإسرائيلي برغبة نتنياهو في إفساح المجال للرئيس الاميركي دونالد ترامب للتقدم بخطته للتسوية الإقليمية وترك مهمة الشروط والمطالب على عاتق الإدارة الأميركية قبل الإدلاء بأي موقف قد يفسر محاولة سلبية للتخريب على جهود الإدارة الأميركية. وآخرون يقولون إن الأجهزة الإسرائيلية المختلفة وفي مقدمتها الأجهزة الأمنية منكبة على دراسة ما يجري لجهة التوصل إلى تقدير موقف عام حول المصالحة والتوصل إلى استنتاج واضح بالوضع الأفضل لإسرائيل مع المصالحة أو بدونها، حيث تقدر أوساط إسرائيلية أن الموقف الإسرائيلي بشكل عام ضد المصالحة وأن مكاسب حكومة إسرائيل من الانقسام أكبر من الوحدة الفلسطينية. 
الأسئلة الإسرائيلية التي تُطرح الآن تدور بشكل اساسي حول سلاح «كتائب القسام» وسلاح المقاومة بشكل عام في غزة، فإسرائيل- حسب تقديرات الأوساط المقربة من صناع القرار- لا يمكنها التسليم بقيام حكومة وحدة وطنية تتعامل معها في ظل الإبقاء على سلاح المقاومة في غزة، وهذا ما يثير الريبة في الصمت الإسرائيلي في هذه المرحلة. فهل ستعمد إسرائيل إلى بلورة شروطها للتعاطي مع الحكومة الفلسطينية ما بعد المصالحة، أم أنها ستعتمد على الإدارة الأميركية التي ستحدد هي الشروط ؟!
الإدارة الأميركية سارعت للترحيب بالمصالحة ولكنها اشترطت على الحكومة القادمة -على لسان المبعوث الاميركي جاسون غرينبلات- «الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف». هذا يبدو مفهوماً لأن أي حكومة فلسطينية سواء الحالية أو القادمة ستكون ملتزمة بأوسلو إلا إذا تم إلغاء «اتفاق أوسلو» وإلغاء الاعتراف بإسرائيل في حال فشل العملية السياسية التي تحاول الولايات المتحدة احياءها فيما يسمى بالصفقة الكبرى.
من غير المعقول والمنطقي أن يطالب أحد حركة «حماس» بحل جهازها العسكري أو تسليم سلاحها في هذه المرحلة وهي لم تأخذ شيئاً بالمقابل، خاصة واننا لم نصل بعد إلى اتفاق سياسي ولم نصل إلى حل للصراع على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة. فلو حصل ووصلنا إلى إنشاء الدولة عندها لا بد من حل كل الأجنحة المسلحة ودمجها جميعاً في جيش وطني واحد وموحد. ولكن موضوع سلاح «القسام» وكل السلاح في غزة يجب أن يبقى قرار استخدامه من عدمه في يد قيادة فلسطينية موحدة، وهذا ينبغي أن يتم بعد تفعيل الإطار القيادي المؤقت ودمج «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» في منظمة التحرير، بحيث تتم إعادة تركيب أطر منظمة التحرير بتوافق وطني وشراكة يتحمل فيها الجميع المسؤولية على قدم المساواة وتتخذ قراراتها بالإجماع أو بالأغلبية حسبما يتم الاتفاق على ذلك.
الآن التركيز يتوجب أن يكون على انجاح تولي الحكومة مسؤولياتها في قطاع غزة والعمل على تحسين شروط حياة المواطنين ورفع الحصار عن القطاع والبحث في كل القضايا الأخرى وتطبيقها حسب الاتفاق بالتدريج وبما يؤمن النجاح في كل خطوة تخطوها عملية المصالحة وتحقيق الوحدة. وفي هذا السياق لا ينبغي الالتفات إلى المطالبات الإسرائيلية أو غيرها إذا ما صدرت عن أي مستوى مثل اعتراف «حماس» بإسرائيل أو غير ذلك. فالحكومة لديها برنامج السلطة وهذا يكفي، كما أن جزءا مهما ومؤثرا من الأحزاب الإسرائيلية لا يعترف بأوسلو ولا بالشعب الفلسطيني أو بحقوقه المشروعة بما فيها حقه في دولة مستقلة كاملة السيادة على الأراضي المحتلة منذ عام 1967. فلماذا يستطيع الإسرائيليون إدارة شؤونهم بما يخالف الاتفاقات في كل شيء والفلسطينيون مطالبون بالالتزام أكثر مما ينبغي في تفاصيل حتى لا تشملها الاتفاقات.  والوحدة مسألة استراتيجية يجب أن نعمل على نجاحها بأي ثمن، وإذا كانت إسرائيل والولايات المتحدة معنيتين بالتوصل إلى سلام عادل وشامل فالأفضل أن يتم ذلك مع قيادة موحدة تشمل جميع الأطراف المؤثرة على الساحة الفلسطينية، غير ذلك هي عملية بحث عن ذرائع لتبرير استمرار الاحتلال. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد