كعرب نحترم أنفسنا، لا نملك إلا أن نحترم الآخر، لأن شعبنا العربي من محيطه إلى خليجه، يعيش الشراكة مع الكرد في العراق وبلاد الشام، ومع الأمازيغ في بلدان شمال إفريقيا العربي، ومع الأفارقة في بلدان منطقة القرن الإفريقي، لأننا كذلك نقر بالتعددية كمسلمين ومسيحيين وعرب وغير عرب، لذلك لن نقف ضد حق الكرد في الاستفتاء لأن العدو الصهيوني ومشروعه الاستعماري التوسعي الإسرائيلي يؤيد استفتاء كردستان ويعلن تأييده لاستقلالها، وهو يفعل ذلك ويعمل على أن يحصل الشيء نفسه في سورية وتركيا وإيران بهدف تمزيقهم وإضعافهم، فموقفنا مبدئي ينبع من عروبتنا وإسلامنا ومسيحيتنا التي تقر بوجود الآخر ونحترمه، على خلاف موقف عدونا القومي الإسرائيلي الذي يتطلع ويعمل على تفتيت الوطن العربي وتمزيقه وتدمير معايير التعايش والشراكة والتعددية بين مواطنيه، ليبقى المشروع الاستعماري الإسرائيلي وحده قوياً متنفذاً فارضاً سياساته الاستعمارية وخياراته التوسعية على العرب وعلى المسلمين على أرضنا وفي منطقتنا التي يسمونها تعسفاً لنسف هويتها القومية على امتداد العالم العربي بعد تسميتها بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكأننا بلا هوية وطنية وقومية.
وفي نفس الوقت لا نقف مع حق الكرد بالاستفتاء وتقرير المصير حتى الاستقلال إذا رغبوا وهذا حقهم، نكاية بتركيا وإيران، فتركيا وإيران ليسوا أعداءنا فهم جيران وشركاء في التاريخ والثقافة والدين، مهما اختلفنا مع سياساتهم وتدخلاتهم الفظة في بلادنا في سورية والعراق واليمن والبحرين ولبنان، فنحن مع الكرد لأنهم قومية أخرى غير قوميتنا، ونحن وإياهم شركاء أيضاً في التاريخ والحوار الجغرافي والمرجعية الإسلامية، مهما اختلفنا معهم سابقاً أو لاحقاً.
بغداد غير الديمقراطية التي يتحكم بقراراتها قاسم سليماني ، يحق لها أن تحتج وأن تعمل كل الإجراءات الدستورية والقانونية ضد استفتاء وتقرير المصير واستقلال كردستان عن الدولة العراقية، هذا حقها للحفاظ على وحدة العراق وجغرافيته، ولكن لماذا تحتج تركيا وإيران وترفضان الاستفتاء وتعتبرانه غير شرعي، طالما أن الاستفتاء يقتصر على أرض العراق، وفي إقليم كردستان، ولا صلة لتركيا وإيران به، إلا إذا عانى أكراد تركيا وإيران ما واجه كرد العراق من الشراكة غير المتكافئة، وإلا لماذا تتحرك أنقرة وطهران ضد خطوة كردستان إلا إذا خشيتا نقل التجربة من العراق إلى البلدين المجاورين، ويتبع كرد تركيا وإيران خطوات أشقائهم في كردستان العراق، فالإحساس بالظلم أو الرغبة في الاستقلال هو الذي حرك كرد العراق، فلماذا يتحرك كرد تركيا وإيران إن لم يكن لديهم نفس الظروف المماثلة لدى كرد العراق، ونفس التطلعات القومية؟؟ فالمطلوب معالجة وضع الكرد في البلدين وأن يحصلوا على حقوقهم في المساواة والشراكة والعدالة.
الحصار المعلن الذي بدأت خطواته التركية والإيرانية البري والجوي بأشكال اقتصادية وأمنية وسياسية ودبلوماسية ضد كردستان مثيل للحصار الإسرائيلي المفروض ظلماً وتسلطاً على قطاع غزة من فلسطين، وهذا يدلل على أن المواقف السياسية المتضاربة بين تل أبيب وطهران وأنقرة، تتلاشى حينما تكون ضد التعددية وضد الديمقراطية وضد حقوق الإنسان وضد الآخر الذي يملك حق الاختيار وتقرير المصير، وتصبح الأطراف الثلاثة متماثلة في الموقف ضد الآخر.
العرب تمزقوا بفعل مخطط الاستعمار البريطاني والفرنسي عبر اتفاق سايكس بيكو، والكرد كذلك تم تقسيم أرضهم وتوزيعها بين البلدان الأربعة، ويعود ذلك لسببين: الأول، لزرع بذور الفرقة والتدمير في أحشاء البلدان العربية والإسلامية، على أساس الفكرة الاستعمارية فرق تسد.
أما الثاني، فهو العمل على تقوية إيران وتركيا وتوسيع نفوذهما وزيادة عدد سكانهما في مواجهة روسيا القيصرية سابقاً، وضد الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفيتي لاحقاً، وإبقاء بلدين إسلاميين يملكان القوة البشرية من المسلمين السنة والشيعة، لمواجهة صعود مكانة الاتحاد السوفيتي وشيوع الأفكار اليسارية وهذا ما حصل فعلاً من تقوية نظام شاه إيران في طهران ونظام العسكر الأتراك في أنقرة كبلدين مجاورين جنوب الاتحاد السوفيتي.
سنبقى مع حق الكرد في قوميتهم المستقلة لأننا ضد الظلم وضد العبودية وضد الاستئثار وإلغاء الآخر، وسنبقى أشقاء وأصدقاء للكرد وجيرانا لهم سواء كانوا متحدين مع عرب العراق وعرب سورية، أو اختاروا طريقاً آخر.
h.faraneh@yahoo.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية