عطفاً على مقالي السابق الذي كان بعنوان «هل تأتي البشرى من القاهرة؟»، يبدو أن البشرى أتت فعلاً، وكل الشعب ينتظر تنفيذ الاتفاق الذي أعلن عنه، والذي أصرت عليه مصر وحققته مع الطرفين، وكانت أولى خطواته إعلان حركة « حماس » عن حل اللجنة الإدارية دون اشتراط ذلك بالتطبيق المتزامن لخطوات من قبل السلطة الوطنية مثل وقف الإجراءات العقابية ضد غزة أو أي أمر آخر.
وهذه البادرة الإيجابية التي قامت بها «حماس» استجابة لرغبة مصر القوية هي التي جعلت المواطنين الفلسطينيين على مختلف انتماءاتهم يعتقدون أن الأمر هذه المرة مختلف عن مرات سابقة تلاشت فيها الآمال بالوصول إلى وحدة وطنية حقيقية طال انتظارها.
يجب ملاحظة اختلاف الظروف في هذه المرة عن سابقاتها التي فشلت فيها الوساطات والجهود من جهات مختلفة حاولت ولم تنجح.
فحركة «حماس» تمر بمنعطف كبير يستدعي تغيير نمط التفكير والأداء خاصة بعد انتخاب قيادة جديدة للحركة لديها أولويات مرتبطة بالوطن أكثر من أي أمور خارجية. وتضع على سلم أولوياتها حل مشكلة قطاع غزة والضائقة التي يعيشها، وهي تعلم أن الحاضنة العربية القوية مصر هي الدرع الواقي الذي يمكن أن يحميها من الاستهداف الدولي بعدما قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في قمة الرياض التعامل مع «حماس» كغيرها من التنظيمات الموضوعة على قائمة «الإرهاب» والمحظورة.
ويبدو أن قيادة «حماس» الغزية قد حسمت أمرها بالتوجه نحو خيار الوحدة الوطنية كسبيل وحيد لإنقاذها وإنقاذ الوطن بعدما فشلت كل الرهانات على لاعبين إقليميين لم يستطيعوا أن يحققوا تغيير الواقع المرير في قطاع غزة.
طبعاً لا تزال «حماس» أمام اختبار تمكين حكومة التوافق الوطني من أداء مهماتها في قطاع غزة بدءاً من تولي صلاحيات العمل في المؤسسات والوزارات المختلفة، وكذلك تولي حرس الرئيس مسؤولية الإشراف على المعابر لإعادة فتحها وفك الحصار عن غزة وتأمين احتياجات القطاع الأساسية.
وفي هذا السياق لا بد من تشجيع «حماس» على تطبيق بنود الاتفاق كما تم مع الأشقاء في مصر، وهذا يتطلب من السلطة القيام فوراً بخطوات تسلم المسؤوليات في قطاع غزة والتعامل بإيجابية مع التوجه الجديد للحركة، والابتعاد قدر الإمكان عن التشكيك والسلبية وتضخيم العقبات التي قد تمنع التطبيق السلس للاتفاق.
ولا أحد يمكنه أن ينكر وجود معيقات، يكمن أحدها في بعض المتنفذين الذين قد لا يرغبون في المصالحة في كلا الطرفين، وقضايا ليست واضحة بعد وبحاجة للاتفاق على تفاصيلها الدقيقة.
هذا التوجه الحمساوي الإيجابي الجديد تلاقى مع تصميم مصري وجدية كبيرة جداً في التعاطي مع ملف المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية، من منطلق أن مصر منحازة دائماً لحقوق الشعب الفلسطيني ولقضيته الوطنية وهي باتت على يقين أن المؤامرة التي تحاك ضد هذا الشعب المنكوب تستهدف شطب فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وأن الانقسام هو البوابة التي من خلالها سيدخل هذا المشروع التصفوي، ولهذا اعتبرت أن إنهاء الانقسام بأي ثمن مصلحة قومية عليا لا بد من تحقيقها بأسرع وقت ممكن.
ولا شك أن موضوع أمن مصر ماثلٌ في كل الترتيبات التي يمكن أن تحصل في القطاع وأن التقدم الذي حصل في العلاقة مع حركة «حماس» في هذه المسألة مشجع ويمكن البناء عليه لترسيخ الاستقرار في غزة وإزالة كل التهديدات الأمنية القائمة بفعل العناصر والمجموعات الإرهابية التي ترى في القطاع ملاذاً آمناً ومنطلقاً لاستهداف مصر.
ولا شك أن إغلاق بوابة التهديد الأمني في قطاع غزة وتجذير التعاون الأمني مع «حماس» ولاحقاً مع السلطة سيساعد قوات الأمن المصرية في القضاء على الإرهاب والتطرف في سيناء وذلك القادم من الأراضي الليبية التي يقال إن بعض مجموعات «داعش» وقياداتها نقلت إليها من الرقة ودير الزور في سوريا.
ونجاح مصر في مهمة إنجاز الوحدة الوطنية الفلسطينية سيعزز دورها ومكانتها الإقليمية والدولية، ويساعدها على لعب دور أكبر في أية تسوية سياسية قادمة عدا كون هذه الوحدة ستقوي الطرف الفلسطيني وتمكنه من استعادة أحد أهم عناصر القوة في مواجهة الاحتلال ومشروعه الاستيطاني وتعزيز مكانة فلسطين على المستوى الدولي وهو ما قد يمكن مصر من لعب دور ضاغط أكبر من أي وقت مضى في هذا الملف.
هناك معيقات داخلية بلا شك أشرنا إلى بعضها أعلاه وهناك معيقات ربما تكون إقليمية ودولية وأهمها الآتية من إسرائيل.
والسؤال الجوهري هنا كيف سترد إسرائيل على احتمال نجاح الوحدة الوطنية الفلسطينية وهي التي استغلت الوضع الناشئ عن هذا الانقسام البغيض في التهرب من استحقاقات التسوية وأيضاً في دفع وتسريع مشروعها الاستيطاني الذي يقوم على تهويد القدس والسيطرة عليها وعلى مناطق واسعة من الضفة الغربية لمنع قيام دولة فلسطينية ولضم أكبر قدر من الأراضي الفلسطينية.
وفي هذا السياق قد تلجأ إسرائيل إلى عدم رفع الحصار المفروض على غزة وإعاقة عملية البناء وتعمير القطاع وتزوده بحاجاته الأساسية، وربما تذهب لسيناريو أكثر تطرفا كشن حرب على القطاع لإعادة خلط الأوراق وتخريب عملية المصالحة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية